"إدارة المواهب".. قواعد فاعلة لتنمية الموارد البشرية وصناعة مؤسسات ناجحة
◄ الحافز المادي وحده لا يصنع موظفا موهوبا.. وحسن المعاملة يدعم الثقة بالنفس
◄ اكتشاف الموظف الموهوب وإدارته أصعب من إدارة رأس المال
◄ استخدام العقاب الوظيفي يأتي بنتائج عكسية مع متعددي المهارات وصانعي الأفكار
يُعد اكتشاف الموهبة وقياس حجمها ومن ثم إدارتها بشكل ناجح من الأساسيات في إدارة الموارد البشرية الحديثة، بحيث يمكن القول بأن ما يميز الإدارات التقليدية عن الحديثة هو هذا المبدأ والذي أوصت العديد من الدراسات اعتماده لأجل نجاح المؤسسة.
فقد خرج عدد من مؤسسات تدقيق أداء الموارد البشرية في المؤسسات التي كادت أن تقع ضحية الفشل والإفلاس وتمكنت بما يشبه السحر من تغيير المقادير إلى حيث النجاح الباهر من قبيل جنرال موتورز ونيسان وغيرها، إن اكتشاف ذوي المواهب المتعددة والمتنوعة من الموظفين ومن ثم توظيف مهاراتهم بشكل مزدوج قد نتجت عنه فوارق جمة في الأداء الوظيفي. وأول خطوة هي اكتشاف أنماط الموظفين لأجل اكتشاف مهاراتهم ومواهبهم.
الخطوة الأولى في تحديد أنماط الموظفين
في العادة، يمكن تقسيم أنماط الموظفين إلى ثلاثة أنماط رئيسة وهي:
النمط الأحادي الأداء: وهو النمط الذي يؤدي عملاً واحدًا في وقت واحد ولا يمكنه أداء أكثر من عمل وإن من النوع ذاته في وقت واحد. هذا النمط من ميزاته الإيجابية أنّه يؤدي عمله بكل اتقان ولكن لا يمكنه القيام بأكثر من ذلك. اكتشاف هذا النمط يسهل على المؤسسة تجنب الفشل ووقوع الإهمال وضعف الأداء عن طريق عدم تكليف هذا النمط بأكثر مما يتحمل. بالطبع من الممكن أن يقوم هذا النوع بأداء متعدد إلا أن ذلك يتطلب من الموارد البشرية وضع خطة تطوير أداء أؤلئك الموظفين في المستقبل.
النمط المتعدد الأداء: هذا النمط من الموظفين بإمكانه القيام بأكثر من عمل من النوع ذاته في وقت واحد. عندما تكتشف الإدارة وجود هكذا أنماط لديها فحينئذٍ ينبغي أن تؤدي إليهم أعمالاً متعددة لسد موهبتهم هذه والتي وجدت أساسًا لكي يقوموا بممارستها عمليًا، ويُعد عدم منحهم فرصًا لممارسة أكثر من عمل سدا لموهبتهم، ما يؤدي إلى عدم ارتياحهم في العمل وبحثهم المستمر عن فرص أخرى يسدون بها احتياجات موهبتهم تلك.
النمط المتنوع الأداء: هذا النمط يستطيع بلوغ الهرم الوظيفي بشكل أفضل وأسرع، وهؤلاء يستطيعون القيام بأكثر من عمل من نوع مختلف في وقت واحد. ففي يوم عمل واحد، بإمكانهم الالتقاء بالزبائن وشرح المنتج، وأيضًا الالتقاء بمصممي المنتج للتحدث معهم عن تطويره، وأيضا كتابة عمود في صحيفة محلية عن المنتج، وفي نهاية اليوم يمكنهم المشاركة بآرائهم حول إعداد خطة لأجل تطوير أداء فريقهم.
المثال أعلاه يوضح لنا التنوع في الأعمال، والوصف الوظيفي اللائق بهذه الفئة ينبغي أن يكون متنوعًا ويتم إعداده بالتحدث معهم ولفتهم إلى تعدد مواهبهم في الأداء لأجل منحهم الثقة الكافية في موهبتهم.
تنوع المسؤوليات
يمتاز المديرون التنفيذيون بمقدرتهم على حضور الاجتماعات المتعلقة بأوضاع المؤسسة المتنوعة والمختلفة لمناقشة ما ينبغي وما لا ينبغي، رغم أن كلا منهم مختص في مجاله الخاص، إلا أنّه يمكنهم الإبداع في إدارة دفة المؤسسة من زوايا متعددة ومختلفة. هذا التنوع في الأداء تتم ملاحظته في الموظفين في مرحلة العمل والإنجاز.
الإدارات الناجحة للموارد البشرية ينبغي أن يكون لديها خطة للكشف عن المواهب من هذا النمط، وتُعرف "بخطة الكشف عن المواهب المتعددة" عبر استمارة خاصة تمنح لرؤساء الفرق ومسؤولي الأقسام لأجل تعبئتها وهي تتعلق بأداء الموظفين في قسمة غايتها اكتشاف تنوع وتعدد مواهبهم ومن الأسئلة التي يحويها هذا الكشف هي:
- عدد المسؤوليات والأعمال التي في عهدة الموظف
- كيفية إنجازه لمهامه المتعددة
- الوقت الذي يستغرقه الموظف في أداء مهامه
بين فترة وأخرى، على قسم الموارد البشرية الطلب من مسؤولي الأقسام منح مسؤوليات ومهمام متنوعة في طبيعتها لفريقهم، هذا يساعد كثيرًا على اكتشاف ذوي المواهب المتعددة والمتنوعة.
إدارة الموهبة
يُعد هذا تحديا حقيقيا ومقياسا لنجاح دوائر الموارد البشرية. وينبغي توفر موظفي قسم الموارد البشرية على قدرات خاصة يستطيعون بها إدارة الموهبة. يعتبر الأخصائيون أن إدارة الموهبة أعقد من إدارة الأموال، فالأموال لا تمتلك مواهب ينبغي إدارتها، بخلاف الموظف فهو يمتلك الموهبة، وإدارتها نمط من إدارة أداء موظف وإدارة موهبته أيضًا.
وتعتبر الثقة أساس هذه الإدارة، هذا إن أردنا لها أن تكون ناجحة. والثقة هنا يُقصد بها الثقة بموهبة الموظف ومقدرته على الخلق والإبداع على أكثر من نمط. الاجتماع اليومي أو الأسبوعي مع الموظف لأجل منحه الثقة في أفكاره وأدائه توظيف أولي وصحيح للموهبة.
تأتي بعد ذلك المسؤولية المتعددة الأشكال، فهذه تؤصل في الموظف مقدرته، ويبدأ بالاتقان التدريجي في ممارستها إلى أن يجد لذة في أدائه ولا يجد أنّه يقوم بأكثر من طاقته أبدًا، بل يجد راحة نفسية لتنوع أدواره وتنوع مسؤولياته.
ومن أوليات إدارة الموهبة أن المحاسبة على الأداء تتغير تمامًا إلى دعم الموهبة. فعوضًا عن أن ينتقل شكل المراجعة إلى مساءلة ومحاسبة، ينبغي أن تتخذ شكل التوجيه والدعم. عندها تتبدل المخاوف إلى طاقة لمزيد من الأداء، ويزول القلق من الفشل أو التأخر ليحل محله مقدرة على عصف ذهني في أحرج الأوقات لاكتشاف الخطط البديلة للنجاح.
خلق الفرص
يكاد مبدأ المحاسبة أن يكون منهي عنه في الإدارة الناجحة للموظفين، لا سيما الموهوبين، لأنّ سلبيات المحاسبة هي:
1. الشعور بالقلق
2. فقدان الثقة
3. حب الغياب
4. ابتكار الأعذار
5. إلقاء اللوم بمكان وشخص آخرين
6. الرغبة في التملص
7. الشرود الذهني
8. فقدان الراحة
بينما مبدأ التوجيه والدعم والمناقشة المشتركة عبر العصف الذهني اليومي يؤدي إلى:
1. الشعور بالثقة
2. الإحساس بالاهتمام
3. الشعور بوجود الدعم القريب والمطلق
4. الارتياح
5. جودة الأداء
6. الحضور الفاعل
7. عدم البحث عن المبرر
8. المقدرة على ابتكار الأفكار المتنوعة
يعزو الأخصائيون هذا التغيير إلى مبدأ "المعاملة الناضجة" وسوف نتحدث عنها خلال الأسطر التالية.
المعاملة الناضجة
لا تستطيع الموهبة أن تتربى إلا في حجر معاملة لا تمسك بيدها العصا إطلاقا، ويوصي الخبراء أن تتغير عبارات التعامل كالتالي:
"لماذا لم تزره؟" تتغير إلى "لعله كان الأجدر زيارته"
"تأخرت اليوم" تتغير إلى "هل أنجزت عملاً أعاقك عن المجيء في الوقت المناسب"؟
"أخطأت" تتغير إلى "لم تحقق الهدف"
"هذا التصرف مرفوض" تتغير إلى "ربما كان الأسلوب الآخر أفضل"
"إذن فشلت في عملك" تتغير إلى "لم نحقق جدوى من الخطة الأولى فهل لديك الآن خطة بديلة"؟
"المطلوب تطبيق هذه الفكرة" تتغير إلى "إذا كانت هذه الفكرة مصيبة فلنطبقها إذن".
الأساليب أعلاه تكفل بروز المواهب، كما وأن اجتماع التنفيذيين مع الموظفين يوميًا كإجراء تحفيزي مؤداه بروز مواهب كانت كامنة.
ويوصي الخبراء بتعليم الموهوبين ممارسة العصف الذهني في أحلك الأوقات والتفكير بصوتٍ عالٍ.
العصف الذهني
من المعتاد أن يكون هنالك تفكير يأخذ مجراه ليوم أو عدة أيام، ولكن قلما تلجأ الأساليب العتيقة إلى ممارسة العصف الذهني في وقت قياسي لظرف حالك. هذه التجربة تنتج مقدرة عالية على ضبط الأفكار وتمييز الرديء منها بسرعة فائقة والاستقرار على الأفكار ذات الجودة بعد تمييزها.
يتم ذلك بتعويد الذهن على القيام بالعصف الذهني في وقت قياسي. ففي اجتماعات الصباح، يطلب الرئيس من الحضور ابتكار خطة لمهمة عاجلة يراد القيام بها اليوم وبعد مضي 3 ساعات من الآن. تكثر الأخطاء في البداية وتتمخض المناقشات عن أفكار غير ذات جدوى، ولكن في المحاولة الثانية والثالثة يستعد الذهن للالتفات إلى الأفكار الصحيحة وابتكارها في وقت قصير واجتناب الأفكار التي لا تتناسب مع المشروع.
التفكير بصوتٍ عالٍ
لا ينبغي تخطئة الفكرة، وإنما المطلوب هو استخدام كلمات من قبيل "هناك فكرة أفضل منها ربما" ولكي يتم منح الثقة ينبغي تعويد الفريق على مبدأ التفكير بصوتٍ عالٍ، فكل فكرة تُطرح إنّما هي فكرة يراد من الآخرين المساهمة في اكتشاف جدواها وتعديلها. هذا الأمر يمنح الجميع الثقة، ويبث روح الفريق الواحد أيضًا.
حاضنات المواهب
من وسائل احتضان الموهبة وتغذيتها ومن ثم إطلاقها لأداء دورها في بيئة العمل التعود على قلب المخاطر إلى فرص. يتم هذا عبر دعوة الفريق إلى التفكير في معوقات النجاح المتوفرة في بيئة العمل والتي من الممكن لاحقًا أن تتحول إلى مخاطر حقيقية.
تتعلق هذه المعوقات تارة بالموقع، وتارة بقلة أفراد الفريق، وأخرى بالأخطاء اللغوية، وأخرى بضعف المهارات، وأحياناً بقلة المصادر وضعف العلاقات، وأخرى بضعف الانتشار وربما تعلقت المعوقات بضعف الحوافز وتدني الأجور. وهناك غيرها بالطبع. كل هذه المعوقات كما إنها تحمل في طياتها مقدرة على الانقلاب إلى مخاطرة، كذلك بإمكانها أن تتحول إلى فرصة للنجاح. العصف الذهني الذي غايته البحث عن كيفية تحويل تلك المعوقات وغيرها أيضًا إلى فرص للنجاح يعتبر من أروع وسائل خلق حاضنة للمواهب.
مبدأ تكريم المواهب
تتغذى الموهبة على الحافز للإبداع وللاستمرار فيه. لا تكون عادة الأجور هي وحدها ذلك الحافز دائمًا. الجو الحميمي ومنح الثقة والتعامل الناضج يؤدي إلى نتائج لا تستطيع الأجور إيجادها دائما.
الإدارة الناجحة للموارد البشرية تبتكر دائماً محفزات حقيقية لتكريم ذوي المواهب خصوصا المتعددة منها والمتنوعة. وتعد الدورات التدريبية ذات الجودة العالية، من أرقى تلك الحوافز.
رؤية جديدة
ختاماً لا بد من رؤية مغايرة للرؤى العتيقة حول بيئة العمل. الرؤى التي كانت ترى في بيئة العمل مكاناً لأشخاص يأتون لأداء أعمال روتينية نمطية ومكررة يدفعهم إليها احتياجهم إلى العنصر المادي رؤية لا تستطيع التوجه نحو إدارة المواهب.
لا بد من رؤية ترى بيئة العمل مكاناً لبناء مواهب ومقدرات وشخصيات مؤثرة في المجتمع وتحمل رسالة. هذه لن تتم إلا بأدوات أخرى ثورية أساسها مبدأ الثقة وروح الفريق الواحد. لا ينبغي أن ننسى أنّ كل منّا في حياته العادية يقوم بعشرات الأعمال المتنوعة، فهو ابن وأب وأخ وابن عم وصديق وفرد في المجتمع ومواطن وكائن ذو مشاعر ورغبات وذو أمنيات وآمال. كل هذه تظهر في شتى أشكال من الأداء يظهر منّا يوميًا. لذا حبس الفرد في خانة عمل واحد روتيني ورتيب ومن ثم منحه أجرًا عليها ما عاد مجديًا في إدارات النجاح هذا العصر.
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن