عن الحب أتحدث..!
.. والوَصلُ بحسابات الدُّنيا.. كالاستزادة من ماءِ البَحرِ على ظَمَأ.. لا يَرويكَ إلا لَحَظات.. ثُمَّ يُعاوِدُكَ ذاكَ الخافِقُ مُلِحّاً.. هل من مَزيد؟
والمَزيد.. هوىً إن اتَّبعته.. أوتيته ومثله معه.. عَطَشاً ومِلحَاً.. وارتواءا.. خادعا.. كسرابٍ يحسَبه الظمآن ماءا.. حَتّى إذا أتاه لم يجده شيئا.. والقَلبُ رُغم القيظ.. في جَنَباتِ السعي بَحثا عن دفقة الماء الزُّلال.. ورُغمَ ذَرف قطرات الحياة مع كل لحظة تَمُرّ.. والنَّبعُ بَعدُ ناءٍ.. فَهوَ في وادٍ.. أخضَرُ الحُلمِ.. مُزهِرُ الأماني.. يَرتوي بِفِكرة.. بضحكة.. بِذكرى قديمة مَرَّت على الخاطِرِ عابرة.. ولو باعد بينه وبين صاحبها.. بُعدَ المشرقين..!
فهو خَيطُ الحَرير الذي يُقَيِّد به قلبَه.. ولو كانَت نُعومَته سبيل هَلَكَتَه..!
وأمّا الوَصلُ بمقاييس السماء.. فَسُمُوّ.. وتَسامٍ.. ولو كان القَّلبُ يَذوبُ شَوقا.. فهو المَنح في هيئة المَنع.. والرَّحمة في ثَوب الشِّدة.. والجَهر بنصف ما يلهَجُ به القلب.. وإرساله فوق أجنحة الدُّعاء..
هو الهدهدة.. والطُّمَأنينة.. أنّ ما هو لك.. فهو لك.. وأن ماليس لك.. فهو في الغياهب ولو كان تحت ناظريك..
وهو الهُوينى.. والتَّمَهُّل.. وهو النصيحة الشَفوق.. أن ارأف بقلبك.. ومن فيه.. وانثر عبيرَكَ هَوناً ما..!
تُغريني كثيرا هذه الفِكرة بالتأمُّل.. كَم يُحِبُّ من يُحِبّ.. إلى أي درجة؟ فالحُبُّ ليس فكرة مُطلَقة كما يُظَنّ.
ما الذي يَجدُر بك فعله حال كونك مُحِبّا.. تجاه من تُحِب.. هل ستُعينه أن يكشف نفسه أمامك أياً كان لونها.. أم ستحرص أن يُريكَها بيضاء من غير سوء.. كَي لا يُخدَشَ في عينيك وجه القمر؟
هل تُحِبّه.. لأنه صورة الحلم الذي وقر في قلبك.. أم أن حُلمك من ملامحه تَشَكَّل؟
ما شكل حُبّك.. أبَوِيّ الاحتواء.. لا يتغير ولا يتبدل.. مهما جَنَحَ ابنُ قلبِه.. أم هو مشروطٌ بصفات التمام والكمال؟
هل يَدعوك للفعل أم لِرَدّ الفعل.. للكلام أم الإنصات.. للحركة أم للسكون.. للنَّظَر أم للتأمُّل؟
أتسمحُ لتلك القطعة من روحِك.. كما تَدَّعي.. أن تتحرر أمامك من نمطية وأنماط الكلام.. أن تَصرُخ أو تضحك أو تهذي إن شاءت.. دون أن تخاف على مستقرها بقلبك.. أو أن تَظُنَّ بعقلها الظنون؟
أتتركها تُنشد بعينيها وروحها ما تريد.. ثُم تغفو آمنة.. لا قلقٌ يؤرقها ولا وَجَلٌ يَقُضُّ مضجعها؟
ثُمّ.. لماذا تُحِبّ.. لتحوز السعادة.. أم لتصنعها؟ وما حدود سمائك؟
تُحِبُّ حَدَّ السَّهَر.. حَدَّ الفَرَح.. حَدَّ الألم.. حَدَّ الغَضَب.. أن سُلِبتَ من نَفسِك.. أم تُحَبُّ حَدَّ النَّزفِ.. حَرفاً قانياً.. بين جَنَبات السُّطور و السُّكون؟
أتُحِبُّ حَدَّ البُكاء.. حَدَّ الشهيق.. حَدَّ الزفير.. أم تُحِبُّ حَدَّ منح النَّفَس الأخير؟
أتُحِبُّ.. من أجلِ ما يُراقُ من شَهدٍ تَكَرّر.. أم رُغم ما تُقاسي.. من صَبرٍ تَخَثَّر؟
أتُحِبُّ ما كان.. ما يكون.. وأياً كان ما سيَكون؟
أَتُحِبُّ حَدَّ الوداعة.. حَدَّ السَّريانِ فوقَ أجنحة الحمائِم.. ما حَطّت وما طارَت.. أم حَدَّ الحَربِ.. والكَرِّ والمُعاودة.. حَتّى تَغرِسَ في القَلبِ بَياضَك.. ويَضَعَ الحُبُّ أوزاره؟
هل تُحِبُّ.. حَدَّ الشوق للجَنّة؟
المصدر: موقع طريق الإسلام
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن