إنها... جنّة الإيمان
أيّ كنز أغلى من كنز الإيمان؟ أيّ عطر أطيب من عطر الإيمان؟ وأيّ حياة أحلى منها في ظل الإيمان؟
الإيمان أصل الهدى والفلاح، والطمأنينة والانشراح، والحياة الطيبة في المحيا والممات، قال تعالى: {من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمنٌ فلَنُحيِيّنه حياةً طيبةً ولَنجزينّهم أجرَهم بأحسنِ ما كانوا يعملون} وإذا غمر الإيمان قلب العبد فإنه يجدَ الراحة والسعادة في باله وحاله ومآله.. يجد الوضوح في نفسه وخواطره ومشاعره، يجد في قلبه لذّة لا تعادلها لذة: لذة الرضا بالله، والفرح والسرور به، ومحبّته والأُنس به، والطمأنينة بذكره، والسكون إليه، والشوق إلى لقائه، فيعيش المؤمن راسخاً بعقيدته، مستعلياً بإيمانه. وهذه هي حلاوة الإيمان التي قال عنها رسول الله صلى الله عليه وسلّم من حديث العباس رضي الله عنه: «ذاق طعم الإيمان من رضي بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد رسولاً» رواه مسلم.
وهذه هي جنة المؤمن العاجلة، كما أنه لا نعيم ولا فوز بالآخرة إلا بجواره سبحانه وتعالى في دار النعيم في الجنة الآجلة.
فالمؤمن له جنتان، لا يدخل الثانية إن لم يدخل الأولى. وفي ذلك يقول ابن تيمية رضي الله عنه: «إنّ في الدينا جنة من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة، قالوا: وما هي؟ قال: إنها جنة الإيمان».
إن المؤمنَ يعيش في جنة حقيقية بإيمانه بالله تعالى ورضاه عن قضائه في كل ما قدّره عليه، فيجد السَّكينة والطمأنينة مهما أصابه من البأساء والضراء، فلا يحزن ولا يجزع لأنه يعلم أنه لا راحة له إلا مع أول قدم يضعها في الجنة.
يُغلَق باب السجن على ابن تيمية فيترك لروحه عنانها لتتألق في عالم النور والضياء، والصفاء، والنقاء في عالم الطهر والإيمان، فيقول: «ما يصنع أعدائي بي؟ أنا جنتي وبستاني في صدري، أنّى رحت فهي معي لا تفارقني، إنّ حبسي خلوة، وقتلي شهادة، وإخراجي من بلدي سياحة».
إنه الإيمان نور الأمل في الصدور وسكَن النفوس.. إنه الإيمان عزاء القلوب إذا أوحشتها الخطوب.. فأية لذة هذه؟ وأي نعيم هذا؟ إن أحدَهم كان لا يجد درهماً ليشتري به طعاماً يَسُدّ به رمقه، أو داراً يسكنها.. أو ثوباً غير الثوب الذي يلبسه، أو أرضاً ضاقت عليه بما رحبت، ومع ذلك كان يجد حلاوة الإيمان ولذة القرب من الله، فهو أطيب الناس عيشاً، وأشرحهم صدراً، وأقواهم قلباً، وأسرّهم نفساً. فسبحان من أشهد عباده جنته قبل لقائه وفتح لهم أبوابها في الدنيا قبل الآخرة، فأتاهم من رَوْحها وريحانها وطيبها وأُنسها ما حفّزهم لطلبها والمسابقة إليها. يقول الحسن البصري رضي الله عنه: «لا تجعل لنفسك ثمناً غير الجنة، فإنّ نفس المؤمن غالية، وبعضهم يبيعها رخيصة».
جنةُ الدنيا نصَبَ لها أسلافنا الأقدام، وجهزوا حكايا الشوق إلى دار السلام، لبسوا ثياب التقوى والحياء، وتطيبوا بطيب الصدق والإخلاص والوفاء، تبتّلوا بذكره تعالى، وتمسّكوا بكتابه، وجاهدوا في سبيل الله حق الجهاد، فهبّت عليهم نسائم المحبة والرضوان.
فما أجمل الحياة مع الله، وما ألذ العيش مع الله; فإنّ أسعد اللحظات التي يعيشها المؤمن في حياته هي تلك التي قال عنها معاذ بن جبل رضي الله عنه عندما حضرته الوفاة: «اللهم إنك تعلم أني لم أكن أحب البقاء في الدنيا لجري الأنهار، ولا لغرس الأشجار، ولكن كنت أحب البقاء لمكابدة الليل الطويل، ولظمأ الهواجر في الحَرِّ الشديد، ولمزاحمة العلماء بالرُّكَب في حِلَق الذكر».
وما أسعد البيوت التي تُبنى على الإيمان والعمل الصالح، إنها لأَحب البيوت إلى الله، فهي بيوتٌ مُحِبّة لربها ورسولها، بيوت شاكرة حامدة، مستغفرة تائبة، ولربها ممتثلة، ولكتاب ربها تالية، فهم في جنة عاجلة عاطرة.
وأنتِ أختي المسلمة: إذا أردتِ أن تتذوّقي نعيم الجنة وأنت في دار الدنيا؛ فهيا بنا إلى جنة الإيمان نستنشق شذى الهدى، وننثر في نفوسنا عطر التُّقى بليل السكون ودمع العيون.
لتكن طاعة الله حلاوتك، وترك الدنيا لذّتك، وتقوى الله زادك، وحُسن الخلق لباسك، وكتاب الله أنيسك، والذكر مِسكك، والرضا راحتك، والحق حارسك، والشوق إلى الجنة وقد فتحت أبوابها أمنيتك وغايتك.
فحيّ على جنّات عدن فإنها
منــازلنــا الأولـى وفيهــا المخيَّمُ
وحيّ على روضاتها وجنّاتها
وحيّ على عيش بها ليس يسأَمُ .
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
هل تظنُّون؟!
السنوار... رسالة الرمق الأخير
فلْتَكُنِ العربيّة مادّة وازنة!
من شموس المشرقين.. في تاريخ هذا الدين!
فكُن إيجابيًّا