ثبوت حديث إرسال النبي صلى الله عليه وسلم بالجهاد...
كتب بواسطة بقلم: الشيخ حسن قاطرجي
التاريخ:
فى : في رحاب الشريعة
1450 مشاهدة
ثبوت حديث إرسال النبي صلى الله عليه وسلم بالجهاد والوعيد بالذلّ لمخالفي أمره
سأَلَتْني أختٌ طالبة علم عن صحة كلام أحد الشيوخ في برنامجه التلفزيوني على إحدى المحطات الفضائية في أن حديث "بُعِثتُ بالسيف بين يدي الساعة" ضعيف ومعارض للقرآن الكريم!! فجوابي عن السؤال بتوفيق الله تعالى هو بياني الأمور التالية:
نص الحديث محل السؤال هو قولُه صلى الله عليه وسلم: "بُعثت بالسيف بين يدي الساعة، حتى يُعبَدَ الله وحده لا شريك له، وجُعل رزقي تحت ظل رُمحي، وجُعل الذل والصغار على من خالف أمري، ومن تشبّه بقوم فهو منهم".
هذا الحديث أقل أحواله حَسَن وصححه عدد من أهل العلم، أخرجـه بهذا اللفظ عن ابن عمر رضي الله عنهما الإمام أحمد في المسند في ثلاثة مواضع منه (برقم 5114، 5115، 5667، من طبعتَي الشيخ أحمد شاكر والشيخ شعيب الأرناؤوط)، وأخرجه شيخه الحافظ الكبير أبو بكر بن أبي شيبة في كتابه البحر الذي سمّاه "المصنَّف" المطبوع عدة طبعات أحسنها وأغزرها فوائد وأتقنها الطبعة التي صدرت عام 1427هـ بتحقيق شيخنا العلامة المحقق الثَبْت المحدّث المتقن محمد عوّامة حفظه الله ونفع بعلمه، أخرجه مسنداً (19747 و33687) ومرسلاً (19783 و 33681)، كما أخرجه تلميذه الإمام أبو داود في سننه، في كتاب اللباس، عنه أيضاً مقتصراً على العبارة الأخيرة "من تشبه بقوم فهو منهم". وعلَّق الإمام البخاري جزءاً منه في كتاب الجهاد من صحيحه بصيغة غير الجزم، باب ما قيل في الرِّماح، وهو قوله صلى الله عليه وسلم :"جُعل رزقي تحت ظل رُمحي، وجُعل الذّلة والصِّغَار على من خالف أمري"، وغلَّقه (أي وصله بالإسناد بعد أن كان دون إسناد) الحافظُ ابن حَجَر في كتابه "تغليق التعليق" 445:3-246 ذاكراً أن له شاهداً مرسلاً بإسناد حسن، وكذلك قال في "فتح الباري" 6: 98.
أما كلام العلماء المتقدّمين في بيان درجة الحديث:
§ فقد صححه الحافظ العراقي في "تخريج أحاديث الإحياء" 1: 269.
§ وقال العلاّمة ابن تيمية في كتابه الحفيل "اقتضاء الصراط المستقيم مخالفَة أصحاب الجحيم" 1: 236 (طبعة د. ناصر العقل): "إسناده جيد.. واحتج الإمام أحمد وغيره بهذا الحديث".
§ وقال الإمام الحافظ الذهبيُّ في "السِّيَر" 1: 509 إسناده صالح.
§ وحكم الحافظ ابن حجر بثبوته في "الفتح" 10: 274، في كتاب اللباس، باب التقنُّع.
§ وحَسّن إسناده العلاّمة المناوي في "التيسير".
أما المعاصرون:
§ فقد صحَّحه منهم المحدث الشيخ أحمد شاكر في تعليقاته على المسند 7: 142.
§ وحسَّنه الشيخ الألباني في "إرواء الغليل" 5: 109.
§ وحسّنه الشيخ عبد القادر الأرناؤوط في تعليقه على "جامع الأصول" لابن الأثير وعلى جزء الحافظ ابن رجب - الآتي ذكره - الذي شرح فيه الحديث.
§ وكذلك حسّنه الشيخ شعيب الأرناؤوط في تعليقه على "شرح مُشْكل الآثار" للطحاوي1: 213 وفي تعليقه على حكم الإمام الذهبي في "السِّيَر" – المتقدّم- حيث قال: وهو كذلك. إلا أنه عاد وناقض نفسه في تعليقه على المسند (9: 124- طبعة مؤسسة الرسالة) فضعَّفه وزعم أن في بعض ألفاظه نكارةً ولم يبيِّنْها!!.
§ وقوّاه شيخنا المحدّث محمد عوامة في تعليقاته الحافلة على "المصنّف" لابن أبي شيبة 10: 287 و 10: 304.
فهذه أقوال أهل العلم من الحفّاظ – الجبال في الحفظ ومعرفة الحديث – من المتقدمين وعدد من أقوال المعاصرين من المشتغلين بعلم الحديث، فأنّى لذلك الشيخ الذي سمِعَتْه السائلة وللشيخ شعيب- في قوله الآخر- تضعيفُ الحديث سامحهما الله؟!
فوائد
1. للإمام الحافظ الفقيه الواعظ ابن رَجَب الحنبلي شرحٌ لهذا الحديث سماه "الحِكَم الجديرة بالإذاعة، من قول النبي صلى الله عليه وسلم: "بُعثت بالسيف بين يَدَيْ الساعة" وقد طُبع عدة مرات وهو شرح مفيدٌ نفيس فيه فوائد غُرَر، وجواهر ودُرر، أنصح كل مسلم بقراءته لأن فيه بالإضافة إلى العلم الغزير أصالة فهم أهل العلم لمثل هذه الأحاديث من دون التأثر بضغط واقعنا المُهين.
2. معنى قوله صلى الله عليه وسلم: "بُعثت بالسيف" أي بالجهاد لأن السيف آلة الجهاد آنئذ ولا شك أن الجهاد في سبيل الله ذروة سنام الإسلام كما ورد على لسان النبوّة في حديث الترمذي الصحيح.
3. لايوجد أيُّ تعارض بين الحديث وبين القرآن لا من حيث إفادتُه أن النبي صلى الله عليه وسلم أُرسل بالجهاد لأن القرآن الكريم طافح بحضّ آياته على الجهاد وأَمْرِ النبي صلى الله عليه وسلم بتحريض المؤمنين على القتال، مع ما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه نبيُّ المَلْحمة-أي الجهاد- كما أنه نبيّ المَرْحمة، ولا من حيث معارضتُه لقوله عز وجل: )وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين(، أولاً لأن الله عز وجل يقول: )وقاتلوهم حتى لا تكون فتنةٌ ويكون الدين كلُّه لله(، وثانياً لأن الجهاد في الإسلام بأحكامه وغايته وما يجب أن تكون عليه أخلاق المجاهدين هو رحمة وهداية، واقرؤوا كتاب "حضارة العرب" لغوستاف لوبون الفيلسوف الفرنسي وما فيه من شهادة هذا المنصف الغربي. ومن عباراته الرائعة المنصفة في هذا الكتاب قوله: (ما عرف التاريخ فاتحاً أرحم ولا أعدل من العرب)!!.
4. لا يجوز التسرّع بردّ حديث صحيح لمجرّد توهُّم مخالفته للقرآن الكريم أو لأحاديث أخرى تأثراً بضغط لواقع أو لقِصَر الباعِ في الجمع بين المعاني، لأن نصوص الدين لا يُناقض بعضُها بعضاً في الحقيقة وإن تُوُهِّم ذلك لأول وهلة. لذلك عاب عدد من الأئمة المحققين – كالذهبي وابن حجر- على ابن حِبّان والجُوْزَقاني، مثلاً، تسرُّعَهما في الحكم على أحاديث بالوضع لمجرّد توهُّم مخالفتها لأحاديث أخرى. والله عز وجل أعلم.
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة