يؤخرن قضاء صيامهن لانشغالهن بالحبيب صلى الله عليه وسلم
عن أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها أنها قالت: "إن كانت إحدانا لتُفطر في زمان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فما تقدر على أن تقضيه مع رسول الله (صلى الله عليه وسلم) حتى يأتي شعبان" رواه مسلم.
وعن أبي سلمة رضي الله عنه قال: سمعتُ عائشة رضي الله عنها تقول: «كان يكون عليّ الصوم من رمضان فما أستطيـع أن أقضيَه إلا في شعبان؛ يمنعني الشغل من رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أو برسول الله (صلى الله عليه وسلم)» متفق عليه.
أي أدب جميل رفيع هذا الذي يمنع كل واحدة من أمهات المؤمنين رضي الله عنهن من أن تقضي صيامها طوال العام خشية أن يحتاجها النبي صلى الله عليه وسلم فيجدها صائمة فلا يعاشرها حتى لا يبطل لها صيامها!
يقول الإمام النووي رحمه الله في شرح الحديث: أي يمنعني الشغل برسول صلى الله عليه وسلم ، وتعني بالشغل، وبقولها في الحديث الثاني: فما تقدر على أن تقضيه؛ أن كل واحدة منهن كانت مهيّئة نفسها لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، مترصدة لاستمتاعه في جميع أوقاتها إن أراد ذلك. ولا تدري متى يريده، ولم تستأذنه في الصوم مخافة أن يأذن وقد تكون له حاجة فيها فتفوّتها عليه، وهذا من الأدب.
ولعل أحداً يسأل: والحال في شعبان مثل سائر الشهور؛ فقد يحتاج النبي صلى الله عليه وسلم إحدى زوجاته فيجدها صائمة ، فكيف تصوم فيه؟ يجيب عن هذا النووي يرحمه الله فيقول: وإنما كانت تصومه في شعبان لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم معظم شعبان فلا حاجة له فيهن حينئذ في النهار، ولأنه إذا جاء شعبان يضيق قضاء رمضان فإنه لا يجوز تأخيره عنه. ومذهب مالك وأبي حنيفة والشافعي وأحمد وجماهير السلف والخلف أن قضاء رمضان في حق من أفطر بعذر كحيض أو سفر يجب على التراخي ولا يشترط المبادرة به في أول الإمكان؛ لكن قالوا: لا يجوز تأخيره عن شعبان الآتي لأنه يؤخره حينئذ إلى زمان لا يقبله وهو رمضان الآتي، فصار كمن أخّره إلى الموت.
وقد يقول قائل: كل من أمهات المؤمنين تعلم ليلتها التي سيأتيها فيها النبي صلى الله عليه وسلم ومن ثم فإنها تستطيع أن تصوم في غير يومها, فَلِمَ تؤجل صيامها إلى شعبان؟ يقول ابن حجر رحمه الله: كان صلى الله عليه وسلم يقسم لنسائه فيعدل، وكان يدنو من المرأة في غير نوبتها فيقبّل ويلمس من غير جماع؛ فليس في شغلها بشيء من ذلك ما يمنع الصوم؛ اللهم إلا أن يقال: إنها كانت لا تصوم إلا بإذنه، ولم يكن يأذن لاحتمال احتياجه إليها فإذا ضاق الوقت أذن لها، وكان هو صلى الله عليه وسلم يكثر الصوم في شعبان، فلذلك كان لا يتهيأ لها القضاء إلا في شعبان.
وبعد, فإن ما سبق يوجه المسلمة إلى ما يأتي:
- كُوْنِي حريصة على تلبية زوجك إذا أرادك لحاجته ولا تُقدمي على حاجته أيّ حاجة أخرى؛ فهؤلاء أمهات المؤمنين يؤجلن قضاء صيامهن إلى شعبان حتى لا يؤخرن استجابتهن للنبي صلى الله عليه وسلم إذا أرادهن لحاجته,
فكيف بمن تُقدم زيارتها أو انشغالها بأي أمر من أمور الدنيا على تلبية زوجها إذا دعاها إلى حاجته؟
- يحق لك تأخيـر قضاء ما عليـك من صيـام إلى ما قبـل رمضان التالي بعذر أو بدون عذر. يقول ابن حجر: في الحديث دلالة على جواز تأخير قضاء رمضان مطلقاً سواء كان لعذر أو لغير عذر.
- لا يجوز تأخير قضاء ما عليك من صيام إلى ما بعد رمضان التالي. يقول ابن حجر: ويؤخذ من حرصها على ذلك في شعبان أنه لا يجوز تأخير القضاء حتى يدخل رمضان آخر.
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن