حوار مع زوجة الداعية المجاهد وجدي غنيم
كتب بواسطة منبر الداعيات
التاريخ:
فى : حوارات
2302 مشاهدة
من أعظم نِعَم الله على المرأة المسلمة أن يمنَّ عليها بزوجٍ داعيةٍ إلى الله؛ يتعاونا معاً على طاعة الله ورضاه، تشاطره همومه الدعوية، وتشاركه الرأي والمشورة، وتتجاوب مع اتجاه تفكيره. فالداعية إلى الله ليس كباقي الرجال؛ إنه صاحب هَمّ ورسالة، بادر لحمل أمانة الدعوة إلى الله وتبليغها للآخرين وقَبِل أن يتحمل تِبَعاتها ومشاقّها... وهو يحتاج إلى زوجة تدرك واجب الدعوة وأهميتها ومشقاتها، فتقف إلى جانب زوجها تيسر له مهمته ولا تشغله بتوافه المتطلبات أو بسفاسف الأمور.
فما الذي يمكن أن تقدمه زوجة الداعية لزوجها ليتمكن من القيام بالدعوة على أكمل وجه؟ وما الضريبة التي تدفعها؟ هذه الأسئلة وغيرها كانت موضوع الحوار مع زوجة الداعية المجاهد د. وجدي غنيم:
· هي سمية عبد البديع يحيى، زوجة الداعية د. وجدي غنيم من 33 عاماً، لها من الأولاد 4:7 ذكور و3 إناث: محمد (شريعة وقانون) وياسر (إعلام) وأسامة (هندسة) وآلاء (تربية أطفال) أفنان (تجارة دولية) والتوأم مصطفى وتسنيم; مصطفى يدرس (كومبيوتر وإدارة أعمال) وتسنيم (تربية أطفال).
· نشأتْ في أسرة ملتزمة... والدها رحمه الله كان رئيس أركان «الأمة المحمدية» في الإسكندرية، ومن مؤلفاته كتاب: «بدائع التوحيد».
· التحقت بإحدى جامعات أمريكا - قسم الكمبيوتر.
1. «منبر الداعيات»: السجن، الإبعاد، المطاردة، القتل... ضريبة يدفعها المجاهد وأسرته: فما أشد ما كابدتِه في مسيرة حياتك مع زوجك؟
· سأذكر بعض المواقف التي أحتسبها لله عز وجل: - ترحيل زوجي من البحرين خلال 24 ساعة بعد أنْ قضى فيها 3 سنوات في الدعوة إلى الله، لم يترك فيها مدرسة ولا جامعة ولا مسجداً، أسأل الله عز وجل أن يجعلها في ميزان حسناته. والأصعب من هذا أن يكون سبب هذا الابتلاء على يد من كنا نحسبهم لنا إخوة في الدين... فحسبي الله ونعم الوكيل.
- موقفٌ آخر حدث عندما شهدتُ محاكمة زوجي في أمريكا؛ ما أثار حزني رؤيتي للاضطهاد الذي يمارسونه بحقّ زوجي، ولكن حزني الأكبر كان على الإسلام، لأنه هو الذي كان في قفص الاتهام! تخيَّلي أن الأسئلة التي وجُهت لزوجي كانت: هل قلت: إن اليهود يُحَرّفون الكَلِم عن مواضعه؟ هل تجمع أموالاً للمجاهدين؟ هل قلتَ: مَن جهّز غازياً فقد غَزا؟ ووالله خرجت من المحكمة وقد اسودّت الدنيا في وجهي، فقلت في نفسي: ما دام الأمر قد وصل إلى درجة أن يكون الإسلام هو المتهم فلن أبقى في هذه البلاد، وهذا ما حصل فعلاً بتوفيق من رب العالمين؛ فبعد أن صلى زوجي صلاة استخارة خرجنا من أمريكا على حسابه الخاص، ولم نُطرد كما ذكرتْ بعض وسائل الإعلام.
- وموقف آخر أتذكره: عندما كنا في مصر. كان زوجي سيُحاضر في مؤتمر كبير، فذهب وما لبث أن عاد بمنظرٍ لن أنساه: ثيابه ممزقة، حافٍ من غير حذاء، وعلى جسده آثار الضرب بسياط من حديد! فما كان بوسعه أن يفعل شيئاً سوى أن يضع يديه على رأسه كي يحفظه لأنه كان ضرباً مميتاً فعلاً. مكث شهوراً يتعالج منها. فبينما هو ذاهب للمؤتمر وجد المكان خالياً من الناس ورجال الأمن المركزي محيطون به، فسألهم: أين الناس؟ فما كان منهم إلا أن تجمَّعوا حوله بشكل دائري وبيد كلٍّ منهم سَوْط من حديد؛ ضربوه به على ظهره! وما يحزّ في نفسي أكثر أنه عندما ذهب ليبلّغ عن الواقعة، أخبره الضابط أنّ الشباب الذين كانوا يريدون حضور المؤتمر سُجنوا ولن يخرجوا إذا هو تقدّم بشكوى عن حادثة الضرب هذه. فما كان منه إلا أن تنازل عن المحضر وعاد للبيت بهذا المنظر، منظر لن أنساه... أسأل الله أن يتقبل منا جميعاً.
طريق الدعوة ليس محفوفاً بالورود وإنما هو طريقٌ له ضريبة، مصداقاً لقول الله عز وجل: (إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصَوا بالحقِّ وتواصَوا بالصبر)، أي الصبر على قول الحق، وطالما قلتِ الحق فهناك ضريبة الإيذاء، ونحن نصبر على الإيذاء المترتِّب على قول الحق، نسأل الله أن يتقبل منا.
2. «منبر الداعيات»: برأيكِ، هل يمكن أن تكون زوجة الداعية عقبة في طريق زوجها؟ وما الذي يمكن أن تقدمه ليتمكن من القيام بالدعوة على أكمل وجه؟
· ممكن أن تكون حائطاً، وليس فقط عقبة، في طريق زوجها إن لم تكن ملتزمة بشرع الله وغير مقدِّرة ما يقوم به زوجها. وزوجة الداعية لزوجها كالمطار للطائرة فلا وجود للطائرة من غير المطار الذي يزوِّدها بالوَقود ويؤهلها للطيران؛ فهكذا الداعية يجب أن يكون هناك سند خلفه.. سند قويّ يتحمل مسؤوليات البيت وتربية الأولاد... وهذا الوضع يُذيب الحقوق بين الزوجين، فلا يوجد أي شيء اسمه حقي وحقك وكل ذلك ابتغاء مرضاة الله; فالزوجة تقوم بواجبها وبواجبات زوجها؛ فتكون لأولادها الأم والأب، لتخفف عن زوجها حمل الأعباء كي تفرِّغه للدعوة إلى الله عز وجل، وهي سعيدة لأنها مشاركة له في الأجر والثواب، وسعيدة لأن طريقهما واحد وهدفهما مشترك؛ ألا إنّ سلعة الله غالية ألا إنّ سلعة الله الجنة.
3. «منبر الداعيات»: حياة زوجك الداعية.. والمِحَن والابتلاءات التي تعرضَتْ لها عائلتكما: هل ساهمت في بلورة وصَقْل شخصيتك ابتداءً ثم شخصيات أفراد الأسرة؟ أم كانت لها انعكاسات سلبية لا سيما على الأبناء؟
· إنّ المحن والابتلاءات لم تزدني إلا إصراراً على المصابرة والمزيد من العطاء وإصراراً وثباتاً على الطريق؛ هذه الطريق لم يكن لها انعكاسات سلبية على الأبناء، لأنني بفضل الله جعلتُ محور حياتي تربيتهم على الإسلام منذ الصِّغر، لدرجة أنهم لما كانوا يقولون لي: أين والدنا؟ كنت أقول لهم: خرج في سبيل الله... فالأولاد بفضل الله منذ صِغَرهم الشعارات على خزائنهم هي: اللهُ غايُتنا والرسولُ قُدوتنا، والجهادُ سبيلنا، والموتُ في سبيل الله أسمى أمانينا.
وأذكر موقفاً حصل مع ابني محمد؛ عندما قابله جارنا الدكتور، وقال له: إن الشيخ وجدي يُلقى القبض عليه دائماً ويُؤخَذ من بينكم، ويُستهزَأ به، فليجلس في البيت... وعندما خرج الشيخ من السجن، قال له ذلك الرجل: أهنئك على ابنك، أنا قلت له كذا وكذا فكان ردّه: يا عم، لو كل واحد جلس في بيته فمن سيحمل هَمّ الدعوة؟
وكنتُ أقول للأولاد: إن هذا الأمر وسامٌ، على صدورنا وشرفٌ أن يُقبض على والدهم في سبيل الله. وكنتُ لما كان يُلقى القبض عليه في منتصف الليل أتعمد أن أوقظ النائمين من أولادي ليودِّعوا والدهم.
ولما كانت تضيق الدنيا عليّ كانت ابنتي تواسيني بقولها: يا ماما أنت جالسة هكذا وعدّادك «شَغَّال»؛ تقصد عدّاد الحسنات. فالحمد لله الأولاد فَهموا القضية، وهذا أهم شيء، وعندما تواجههم أسئلة يستطيعون الردّ عليها بفضل الله عز وجل.
4. «منبر الداعيات»: هل أثّر ذلك على أوضاعكم الاقتصادية والاجتماعية، وخاصة على تحصيل الأبناء العلمي؟
· ربما أثّر ولكن: (ومن يتقِ الله يجعل له مَخْرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب)، ونحن مؤمنون بما عند الله وليس بما عند البشر. من الناحية الاقتصادية يكفي أنّ أولادي ممنوعون من العمل في الحكومة، ولو قدّموا هناك يتم رفضهم رفضاً باتّاً، حتى أنّ ابني محمداً فتح مكتب كومبيوتر بالاشتراك مع أصدقائه بإدارته فأغلقوه بالشمع الأحمر! كما حاول بعض الأشخاص أن يجنِّدوه ويألِّبوه ضدّ والده، فأصبح يعاني من حالة نفسية صعبة، وكان يقول: كيف يفعلون هكذا؟ أنا من تربّى على الظلم والقهر منذ الصغر... أقوم في منتصف الليل وأراهم يأخذون والدي.. كيف يفكِّرون أنني سأقف بجانبهم؟! لذا، عندما أُسقط في أيديهم قاموا بإغلاق المكتب، فحسبي الله ونْعِم الوكيل. لكن الأرزاق بيد الله، والأعمار بيد الله، وكل شيء بيده تعالى: (وفي السماء رزقكم وما توعدون).
أمّا على الصعيد الاجتماعي: فبعض مَن كان معنا يساندنا - مثل عامة الناس - أصبح يقول لنا: يكفي كلاماً ليس له داع. لكن بفضل الله، أزواج بناتي جميعهم على خُلُقٍ ودين ومستوى اجتماعيٍ محترم، ولله الحمد، ومن ناحية التحصيل العلمي لأبنائي، فالحمد لله لم يتخلّف منهم أحد.
5. «منبر الداعيات»: نصيحة توجِّهينها لكلِّ زوجةِ داعيةٍ أو مجاهد أو قائد... وللمسلمات بشكل عام، على ضوء التجربة الغنية التي عشتها.
· أولاً: الإخلاص ثم الإخلاص ثم الإخلاص لله عز وجل... وتجديد النية، والمزيد من المساندة والعطاء لهؤلاء المجاهدين الذين يقولون الحق ولا يخَشْون في الله لومة لائم، وهم قلة قليلة، لأننا مشاركون معاً في الأجر والثواب، ولْيَكنُ شعارنا: (والآخرة خيرٌ وأَبقى). فوالله إن الدنيا لا تساوي عند الله جناح بعوضة، إنما نحن إن شاء الله نتطلع للآخرة.
- ثانياً: التمسك بالقرآن والسُّنة.
- ثالثاً: عدم التنازل عن الثوابت الشرعية.
ولعامة المسلمين أقول: إن الرجوع إلى الله عز وجل وطاعته فيه السعادة في الدنيا والآخرة، يقول الله عز وجل: (ومَن أعرض عن ذكِْري فإنّ له معيشة ضَنْكاً ونَحشُره يومَ القيامةِ أعمى) فإذا رجعنا لله عز وجل نجد السعادة الحقيقية في الدنيا والآخرة، وسينطبق علينا قول الله عز وجل: (ومَن عمل صالحاً مِن ذَكَرٍ أو أنثى وهو مؤمن فَلُنَحُيِيَنّه حياةً طيِّبة ولَنَجْزِيَنّهم أجرَهم بأحسن ما كانوا يعملون)، نسأل الله عز وجل أن نكون منهم، وأن يثبتنا حتى نلقاه غير مبدِّلين ولا مفتونين، ونسأله أن يجمع شملنا على خير إنْ لم يكن في الدنيا ففي الفِردَوْس الأعلى، اللهم آمين.
وشكر الله لكُنّ أخواتي في لبنان على حُسْن استقبالكن. والسلام لجميع الأخوات في لبنان، وعلى رأسهن الأخت الحبيبة أم علاء شفاها الله وعافاها، وجزاكن الله كل خير على ما تقمن به.
* * *
ونحن بدورنا نشكركِ أختنا الفاضلة على هذا اللقاء الطيِّب المؤثِّر، ونسأل الله تعالى أن يجمع شملكم ويرفع الظلم عنكم ويجعلكم قدوة حسنة لهذه الأمة.
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن