المحدّث الزاهد بدر الدين الحسني
كتب بواسطة إعداد: ناهدة الطراس
التاريخ:
فى : تراجم وسِيَر
1580 مشاهدة
المحدّث الزاهد بدر الدين الحسني
المتوفى في ربيع الأول 1359هـ
ولد - رحمه الله تعالى - من أبوين فاضلين تقيّيْن ورعَين، فوالدته السيدة عائشة بنت الشيخ إبراهيم الكزبري وهي من أعرق عوائل دمشق بالعلم والفضل.
اعتنت - رحمها الله - بولدها وسلّمته إلى شيوخ العصر؛ وقد رأت رسول الله صلى الله عليه وسلم في منامها قد وضع تمرة في فمه فاستيقظت من منامها فوجدت التمرة في فمه يمضغها!! ووالده هو العلاّمة يوسف بدر الدين المراكشي الذي هاجر من مراكش إلى مصر ودخل الجامع الأزهر وأخذ عن العلاّمة الصاوي والعلاّمة حسن العطار وقد نبغ نبوغاً عظيماً؛ وكان لا يخاف في الله لومة لائم؛ وقد تم على يديه استرداد القسم المغصوب من دار الحديث الأشرفية بدمشق وكان قد استولى عليه أحد النصارى وجعله حانة خمر.
نشأ الشيخ بدر الدين في حِجر والده وأتم حفظ القرآن الكريم وتعلم الكتابة وهو ابن سبع سنوات ثم أخذ في مبادىء العلوم، ولما توفي والده كان له من العمر اثنتا عشرة سنة فجلس في غرفة والده في دار الحديث الأشرفية يطالع الكتب ويحفظ المتون بأنواع الفنون. وفي خلوته كان يحس بروحانية والده رحمه الله فيقص ذلك على والدته الزاهدة العابدة التقية فأخذت بيد ابنها وذهبت به إلى العلامة الشيخ أبي الخير الخطيب وكان من العلماء العاملين فتسلّمه من أمّه ووصّى به. وقد جاء بعض العلماء لمعايدة الشيخ أبي الخير فقال لهم: "هذا الغلام هو ابن الشيخ يوسف المغربي وعمره اثنا عشر عاماً وقد حفظ من متون العلوم اثنَيْ عشر ألف بيتٍ وقد أدهشني بذكائه وتقواه".
وقد نبغ نبوغاً باهراً ولما يكمل الثامنة عشرة من عمره مما استلفتَ أنظار مشايخه فأجازوه إجازة عامة وأذنوا له بالتدريس وشَرَح قصيدة "غرامي صحيح" في مصطلح الحديث ولم يكمل العشرين من عمره ثم شرع بالمطالعة بنفسه بهمة عالية نادرة المثال، وحفظ صحيح البخاري ومسلم بأسانيدهما وموطأ مالك ومُسند أحمد وسنن الترمذي وأبي داود والنّسائي وابن ماجه وكان يحفظ أسماء الرجال.
لم يُعرف عن الشيخ رحمه الله تعالى إلا الخير في الفعل والقول وقد كان على طريقة السلف الصالح من إظهار الدين الحنيف بمظهره الحقيقي. ولم يدع دقيقة واحدة تمضي من عمره إلا صرفها في طلب علمٍ أو عبادة أو ذِكر أوعيادة مريض أو مسجون أو تحنّن على يتيم أو فقير. وقد كان يبدأ يومه بصلاة الصبح في الجامع الأموي بغَلَس ثم يقرأ بعض أوراده ثم يذهب إلى غرفته في دار الحديث فيكمل بقية أوراده ثم يُصلّي صلاة الضحى التي لم يتركها حتى في سفره وحتى يوم وفاته. ثم يُغفي إغفاءة قصيرة. ثم يبدأ الدروس التي تمتد إلى ما بعد الضَّحوة الكبرى فإذا قَرُبَ الظهر توضأ واستقبل القبلة ودعا وصلّى ما شاء الله أن يصلي، فإذا أُذّن للظهر صلاّها جماعة وأقبل بعد قراءة أوراده على الدروس فإذا قرب العصر تهيأ لها ثم يتوجه إلى داره فإذا صلى المغرب جماعة أفطر ثم جلس للدرس في بيته وهذا الدرس يحضره طلبة العلم والعامة. ويؤخر صلاة العشاء لأجله فإذا صلاها مع الجماعة ذهب إلى مضجعه من غير أن يكلم أحداً أو ينام وهو مسند ظهره إلى الحائط ذاكراً لله تعالى ثم يقوم للتهجد حتى يقرب الفجر.
وقد عُرف عن الشيخ - رحمه الله - الحكمة في دعوته والتحبُّب إلى الشباب غير الملتزمين بهدف هدايتهم، وقد كان يزور المساجين فيدعو المظلوم إلى الصبر ويدعو الظالم إلى التوبة. وقد كان - رحمه الله تعالى - زاهداً متواضعاً فلم يصلِّ إماماً بالناس طوال حياته مع أنه لم تَفُتْه جماعة قط وكان إذا جاءته فُتيا أحالها إلى أحد تلامذته أو إلى موضعها في كتب الفقه. وكان لا يستمع إلى غيبة أحد ولا يمكِّن أحداً منها في مجلسه وإذا تكلم أحد في أمور الدنيا أسكته مهما كانت منزلته. ولعل القارىء لسيرته - رحمه الله - يظن أنه شيخ صاحب سُبحة وسواك فحسب، لا يخوض في الأمور العامة، ولكنه كان على العكس من ذلك فالشيخ رحمه الله تعالى صاحب المواقف الجليلة المشهودة في الجهاد ضد الفرنسيين المحتلين لبلاده فقد أعلن الجهاد ضدهم وسافر إلى البلاد هو والشيخ علي الدقر والشيخ هاشم الخطيب رحمهما الله تعالى في حملة جهادية لاستنفار المجاهدين في المناطق، وقد قدّم العون المادي والمعنوي للمجاهدين، وكان القواد الفرنسيون يخافونه ويطلبون رضاه. ومما يُذكر أن المندوب الفرنسي شعر بالخطر فجاء إلى دار الحديث فأُدخل غرفة فارغة وحده وانتظر قريباً من نصف ساعة فدخل عليه الشيخ البدر فقام له احتراماً فطلب المندوب إلى الشيخ تهدئة الأوضاع فكان من جواب الشيخ:
· لا تهدأ الثورة إلا بخروجكم(وما سمح للمندوب أن يطيل معه الكلام).
رحم الله الشيخ محمد بدر الدين الحسني وأسكنه في أعلى جنانه وحشرنا مع النبيين والصالحين وحسنُ أولئك رفيقاً.
رحم الله الشيخ محمد بدر الدين الحسني وأسكنه في أعلى جنانه وحشرنا مع النبيين والصالحين وحسنُ أولئك رفيقاً.
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة