الشهيــد أبو بكر الرملي رحمه اللـه (ت 362 هـ)
هل سمعتَ به مِن قَبل؟
شخصية غمرها التاريخ، ونسيتها الأجـيال، وتناساها بعض العلماء، وحفظتها لنـا بطون الكتب.
شخصية يتضوع منـها مسك الشهادة عبقاً فوَّاحاً، حمزاويَّةٌ أبت إلا السيادة ولو كان الثمنُ الدمَ القانـي، شخصيَّة خلَّدها موقف لا يقوم به إلا الرجال الخُلَّص من شوائـب النفس والأنا، بكلمات تعبِّر عن حقيـقة أمانة العلم التـي لا تشهد إلا بالوحدانـية الخالصة لقيُّوم السموات والأرض.
فيا ترى مـن هو إمامنا أبو بكر الشهيد؟
إنه الإمام القدوة الشهيد أبو بكر محمد بـن أحمد بـن سهل الـرمليُّ، المعروف في حياته بـابن النابلسي رحمه الله .
من أهل الـرملة في فلسطين، كـان شاعراً وإماماً في الحديث والفقه، هكذا عرَّفه الذهبيُّ رحمه الله في كتابه ( سير أعلام النبـلاء) بقوله: الإمام القدوة الشهيد. وليس فيما حباه به من ألقاب كلمةٌ يقـال عنها: إنها من المبالغة في المدح والثناء, بل تعبير عـن واقع سيرته وحياته.
عندما تملك بنو عبيد الفاطميون عـلى مصر بعد أن أقاموا لهـم دولـة في المغرب العربي، أظهروا فيها معتقدهم الفـاسد الإلحادي متسترين بعباءة آل الـبيت، ناسبين أنفسهم إلى فاطمةَ الزهـراء رضي الله عنها.
رأى حينها الإمـام أبو بكر رحمه الله أن خطر هؤلاء العبيديين من أبناء المذهب الإسماعيلي الباطني أشـدُّ من خطر الروم المتربّصين ببلاد المسلمين وكلاهما عدوٌ لأمة الإسلام، ولكنَّ الروم لا يتعدّى خطرهم الأرض والثـروات والخيرات ، أمّا العبيديّون فعلاوة على ذلك يسـعون في فتنة المسلمين في دينهم باستمالتهم إلى مذهبهم الفاسد, ففتنتهم أشـد من الروم لأنّها في الدّين، والله تعالى يقول (والفتنة أشدّ من القتـل)؛ أي: فتنة العقيدة والإيمان.
فأفتى للعامة والخاصة والدولة بجواز قتـال الدولة العبيديّة التي تدّعي الخـلافة الإسلاميّة وهي تعطّل أحكام الشّريعة، وكان يكثر الذمَّ لمعد بـن إسماعيل (المعزِّ الفاطميِّ), وكان يقول: لو أن معي عشرةَ أسهم لرميت تسـعةً في المغاربـة وواحداً في الروم .
فعندما اسـتولى العبيديّون على بلاد الشام طلبوا أبا بكر وبحثوا عنه حتى أُلقِـَي القبضُ عليـه في دمشق، فاعتُقِلَ وقُيِّدَ وبُعِثَ بـه إلى القاهرة ، وأُحضِرَ بين يدي المعزِّ الفاطميَّ ، فقـال له المعِزُّ: بلغني عنك أنـك قلت : لو أن معي عشرة أسهم لرميت الروم بتسـعة ورميت المغاربة بسهم.
فقال أبو بكر رحمه الله : ما قلت هـذا . فظن المعِزُّ أنه رجع عن قوله، فقال : كيف قلت؟
قال : بـل قلت: إذا كان مع رجل عشرة أسهم ، وجب أن يرميكم بتسعة وأن يرمي العاشر فيكم أيضـاً، فإنكم غيرتم الملَّة ، وقتلتم الصالحين، و ادعيتم نـور الإلهيّة.
حينها أمر المعِزُّ به ، فشُهِّرَ به بين النـاس، و في اليوم الثاني ضُرِب بالسيـاط ضربـاً شديـداً، ثم أمر بسلخه في اليوم الثالث، فجيئ بيهودي يسـلخه فبدأ من مفرق رأسه حتى بلـغ الوجه ، فكان أبو بكر يـذكر الله، ويصبـر، ويقرأ قولـه تعالى: (كان ذلك في الكتـاب مسطوراً) . حتى بلغ السلَّاخُ صدره ،فرقَّ لـه قلبُه فرَحِمَه ، فوكزه بالسكين موضعَ قلبه.
وبذلك خُتِمَ له، وقضى الشهيد أبو بكـر رحمه الله نحبَه ولـم يبدِّل تبديلاً ، وهو بذلك حجَّةٌ على من جاء بـعده مـن أهل العلم ، يعلِّمهم كيف يصونون العلم عن الابتذال في أسواق السياسة, وكيف تكون ضريبة العلم، وكيف يذود عن حياض الإسلام من جعله الله عز وجل ثالث ثلاثة بالشهادة لله بالوحدانية؛ حيث يقول عزَّ من قائل: (شَهِدَ اللهُ أنّه لا إله إلا هـو والملائـكةُ وأولو العِلْم قائـماً بالقِسْط).
وقد كان الإمام الحافظ الدارقطني إذا ذكـر أبابكر الرمليَّ بكـى.
ورآه ابـن الشعشاع المصريُّ في المنام بعد استشهاده في أحسن هيئة، فقال له: ما فعل الله بـك ؟ فقال:
حَبَــاني مالكـي بدوامِ عـزٍّ ووَاعَدَني بقُــربِ الانــتصارِ
وقرَّبَـني و أدنــاني إليــهِ وقال أنعِمْ بعيــشٍ في جِـوَارِي
هذا هو الشهيد أبو بكر الرمليُّ رحمه الله رحـمةً واسعة, وأسكـنه فسيح جنّاته, وحشرنا الله عزّ وجل وإيَّاه تحت لواء سيد الأنبياء ـ صلى الله عليه وسلم ـ يوم القيامة.
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة