إنَّ مَعَ العُسْرِ يُسْراً
~~إنَّ مَعَ العُسْرِ يُسْراً) (الشرح: 6) في هذه الآية خير عظيم، إذ فيها البشارة لأهل الإيمان بأن للكرب نهاية مهما طال أمده، وأن الظلمة تحمل في أحشائها الفجر المنتظر.
وإن النصر مع الصبر وإن الفرج مع الكرب، وإن في رحم كل ضائقة أجنَّةُ انفراجها ومفتاح حلها، وإن لجميع ما نعانيه من أزمات حلولاً مناسبة إذا ما توفر لها عقل المهندس ومِبْضَعَ الجرّاح وحرقة الوالدة.. وعلى اللّه قصد السبيل.
وقد بثت هذه الآية (إنَّ مَعَ العُسْرِ يُسْراً) الأمل في نفوس الصحابة رضوان اللّه عليهم حيث رأوا في تكرارها توكيداً لوعود اللّه عز وجل بتحسن الأحوال، فقال ابن مسعود: لو كان العسر في جِحْر لطلبه اليسر حتى يدخل عليه. وذكر بعض أهل اللغة أن (العسر) معرّف بأل، و(يسراً) نكرة، وأن العرب إذا أعادت ذكر المعرفة كانت عين الأولى، وإذا أعادت النكرة فكانت الثانية غير الأولى، وخرجوا على هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم: لن يغلب عسر يسرين.
وفي الآية إشارة بديعة إلى وجود الفرج في الشدة مع أن الفرج لا يزامن الشدة، وإنما يعقبها، وذلك لتطمين ذوي العسرة بقرب انجلاء الكرب.
ونحن اليوم أحوج ما نكون إلى الاستبشار بهذه الآية؛ حيث يرى المسلمون الكثير من صنوف الإحباطات والهزائم وألوان القهر والنكد؛ مما أدى إلى سيادة روح التشاؤم واليأس، وصار الكثيرون يشعرون بانقطاع الحيلة والاستسلام للظروف والمتغيرات. وأفرز هذا الوضع مقولات يمكن أن نسميها بثقافة الطريق المسدود! هذه الثقافة تتمثل بالشكوى الدائمة من كل شيء، من خذلان الأصدقاء، ومن تآمر الأعداء، من تركة الآباء والأجداد، ومن تصرفات الأبناء والأحفاد!
وهؤلاء الانهزاميون أصحاب ثقافة الطريق المسدود يوجهون النقد دائماً نحو الخارج؛ فهم في ذات أنفسهم يتوهمون أنهم على ما يرام، وغيرهم هو الذي يفعل كل ما يحدث لهم! وإذا رأوا من يتجه إلى الإصلاح أطفَؤوا حماسته بالقول: لن يدعوك تتعلم، ولن يدعوك تربي، ولن يدعوك تتفوق... وكل ذلك يفضي إلى العطالة والبطالة.
ولعلنا نلخص الأسباب الدافعة إلى تلك الحالة البائسة فيما يلي:
1ـ التربية الخاطئة التي يخضع لها الفرد:
وتلك التربية قد تقوم ببث روح التشاؤم واليأس من صلاح الزمان وأهله، كما تقوم ببث نوع من العداء بينه وبين المجتمع الذي ينتمي إليه، عندها يقطع انتماءه له، وصلته به، وينعزل عنه شعورياً وينتمي إلى أسرته، أو جماعته، وبعدها يصبح عضواً سلبياً مشلولاً.
2 ـ التعامل مع الواقع على أنه لا يتغير:
يميل أكثر الناس إلى النظرة التبسيطية التي لا ترى لكل ظاهرة إلا سبباً واحداً، ولا ترى في تركيبها إلا عنصراً واحداً. وهذه النظرة الخاطئة تفضي إلى معضلة منهجية كبرى، هي عدم القدرة على تقسيم المشكلة - موضع المعاناة - إلى عناصر رئيسية وأخرى ثانوية، كما تؤدي إلى عدم القدرة على إدراك علاقات السيطرة في الظاهرة الواحدة، وعدم القدرة بالتالي على تغييرها أو تبديل مواقعها.
والنتيجة النهائية هي الوقوف مشدوهين أمام مشكلة متكلسة مستبهمة لا نرى لها بداية ولا نهاية، والمحصلة النهائية هي الاستسلام للضغوط وانتظار المفاجآت، مع أننا لو باشرنا العمل الممكن اليوم لصار ما هو مستحيل اليوم ممكناً غداً.
3 ـ عدم الانتباه للعوامل الداخلية للمشكلة:
والذي يحدث أننا كثيراً ما نبصر المؤثرات الخارجية، وهي مؤثرات قاهرة حقاً، ونغض الطرف عن العوامل الداخلية؛ فنحن مثلاً لا نملك إقناع الأعداء بأن يخففوا من غلوائهم في عدائنا، لكن الذي نستطيعه هو تقوية أنفسنا حتى لا نكون لقمة سائغة لهم. لكن المشكلة أن أصعب أنواع المواجهات مواجهة الذات، وأن أرقى أنواع الاكتشاف اكتشاف الذات!
4 ـ عدم إدراك سنة اللّه في قوله تعالى: (وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُها بَينَ النَّاسِ) (آل عمران: 140).
تتعاقب الأحوال كما يتعاقب الليل والنهار، وما بعد رأس القمة إلا السفح، وما بعد السفح إلا القاع. وإن دفع أية قضية إلى حدودها القصوى، سيؤدي في النهاية إلى كسر ثورتها، أو إنهائها بصورة تامة.
ضاقت فلما استحكمت حلقاتها
فرجت وكان يظن أنها لا تفرج
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن