كاتبة سوريّة وإعلامية، في مصر، مشرفة على موقع (إنسان جديد)
إدمان التسوق تحت المجهر
"لنذهب إلى السوق إذاً"، عبارة تقولها أغلب الفتيات والسيدات عند كل شعور بالملل أو الضغط النفسي، أما "السوق، التسوق، الشراء، التنزيلات، الموضة" فكلمات بقدر ما تحمله للفتاة أو السيدة من سعادة بقدر ما ترهقها وترهق من يعيش معها لقلة التوازن في الإنفاق أو انعدامه في بعض الأحيان، وخصوصاً عندما يصير التسوق إدماناً.
فالتسوق عادة كغيره من العادات يمكن أن يصبح إدماناً، ويسمى في الطب النفسي بــ (الحمى الشرائية). ويعرَّف بمايلي: حالة هوس نفسي تُفقد صاحبها السيطرة والتحكم بالإرادة، حيث يشعر بسعادة اصطناعية سريعة تساعده على الهروب من الواقع، ثم ما يلبث أن يشعر بالندم أو الانزعاج، إذ إن رفع المعنويات بالشراء يكون مؤقتاً.
وقد أثبتت الدراسات أن هذه الحمى تصيب النساء أكثر من الرجال، ففي استبيان أجراه موقع (البلاغ الإلكتروني) عام2012م على 50 رجل و50 امرأة وضّح الاستبيان أنّ:
98% من النساء يجدن في التسوق متعة يفتقدها 94 % من الرجال.
84% من النساء لا يمانعن من التجول في أرجاء المحلات حين ينتهين من قائمة المشتريات، بينما يفرُّ 90% من الرجال من المتاجر مباشرة بعد انتهاء التسوق.
86% من النساء يستسلمن لإغراء الشراء أكثر من الرجل، حيث يقمن بشراء سلع تزيد على حاجتهنَّ
50% فقط من النساء يتسوقن بقائمة محددة للطلبات، بينما 94% من الرجال يلتزمون بقائمة التسوق التي وضعوها لأنفسهم.
وتتحكم الرغبة في التسوق في نفوس النساء أو الفتيات لأسباب عديدة منها:
• الملل والكآبة والشدات النفسية التي تتعرض لها الفتاة أو المرأة بسبب ظروفها الاجتماعية أو الفيزيولوجية التي تخضع لها كل شهر.
• عدم وجود أنشطة نسائية (في مجتمعاتنا العربية) تملأ أوقات الفتيات وتمنحهن فرصة تفريغ المشاعر السلبية.
• عدم وجود تميز شخصي تتفوق فيه الفتاة وتثبت من خلاله شخصيتها وكفاءاتها؛ الأمر الذي يجعلها تلجأ للمزيد من التسوق الذي يمنحها مظهراً مميزاً بين أقرانها.
• الإعلانات التجارية التي توجّه للنساء وتستأثر باهتمامهن، وقد أثبتت دراسة أجرتها كلية الإعلام في جامعة القاهرة أن 80% من الإعلانات التجارية موجهة للمرأة باعتبارها أكثر ضعفاً أمام بريق الإعلان.
• الأسواق التجارية المغلقة (المولات) التي توفر للمرأة جواً مريحاً وممتعاً في التسوق، مما يجعلها تنظر لعملية الشراء على أنها نزهة تقوم بها.
• انتشار التسوق الإلكتروني والبطاقات الائتمانية التي تجعل عملية الشراء أسهل من قبل، وتورِّط المتسوق بالشراء دون إحساسه المباشر بما نقص من ماله أو فقد.
والسؤال: كيف تعرف الفتاة أنها مدمنة على التسوق؟
يأتي الجواب في دراسة أجرتها جامعة "لانكستر" ببريطانيا تقول: إن وجد المتسوق نفسه يكرر سلوكه باستمرار، بغض النظر عن أي عواقب اجتماعية أو مالية وخيمة يمكن أن يجدها نتيجة ذلك التسوق؛ مثل تضخم ديونه الشخصية وانهيار علاقاته بمن حوله؛ فهذا يعني أنه مدمن.
ومما لا شك فيه أن الإدمان على التسوق يتسبب بأضرار وخيمة لا تقتصر على الاختلال المادي الذي يمكن أن يصيب الفتاة والتردي الاجتماعي بينها وبين من تعيش معهم، بل يتعدى ذلك إلى عادة سيئة أخرى ترتبط بإدمان التسوق، وهي الاستهلاك المفرط الذي يصل بصاحبته إلى الإسراف المنهي عنه، فقد نهانا اللّه تبارك وتعالى عن الإنفاق الزائد عن الحاجة، فكيف بمن يسرف في أيامنا هذه، وهناك مئات الألوف من أبناء الأمة قد شُرِّدوا وهُجِّروا وحوصروا ونال منهم الجوع والبرد والمرض، ولبثوا ينتظرون الإغاثة والعون والمساعدة...!!
الأمر الذي يجعل الإقلاع عن إدمان التسوق ضرورة واجبة، وذلك بعقد العزم والنية ومساعدة النفس بإجراءات عملية يقوم بها المدمن أو المدمنة، وتتمثل في:
• عدم الذهاب للسوق إلا عند تحديد الهدف بدقة، وتفقد الأغراض الشخصية كالملابس والأحذية وغيرها قبل الذهاب للسوق لإدراك كمية الفائض منها، وتحديد الحاجة الفعلية.
• التقيد بشراء اللازم والضروري، ومغادرة السوق مباشرة فور الانتهاء من الشراء.
• الاستعاضة عن الذهاب إلى السوق للتسلية بقصد أماكن أخرى كزيارة الأقارب والأصدقاء، والتوجه للأماكن العامة كالحدائق والمتنزهات.
• زيارة المنكوبين والمشردين واللاجئين لإدراك مدى حاجتهم لما ننفق زيادة، وإلزام النفس بمساعدتهم، وتخصيصهم بمبالغ ثابتة شهرياً.
• اصطحاب مبلغ مالي محدد عند الذهاب للسوق، والتقيد به لشراء اللوازم، وعدم الاعتماد على البطاقات الائتمانية.
• عدم الإصغاء لعبارات الترويج التي يقولها البائعون والابتعاد عن متابعة الإعلانات التجارية.
ولا ننسى جميعاً قول اللّه تعالى: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) (الأعراف: 31).
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة