طالبة إعلام في الجامعة | لبنان
وسائل التواصل الاجتماعي سيف ذو حدين
أحدثت التطورات التكنولوجية الحديثة في منتصف عقد التسعينات من القرن الماضي، نقلة ثورية حقيقية في عالم الاتصال وتُظهر الإحصائيات أن شريحة الشباب هي الأكثر تأثراً بهذه الوسائل؛ فضمن قمة أبو ظبي الإعلامية أعلنت شركة (بوز آند كومباني) عن إطلاق أحدث تقاريرها حول استخدام الشباب العربي لهذه الوسائل بالتعاون مع شركة غوغل، وقد اعتمدت الشباب بين سن الخامسة عشر والخامسة والثلاثين، وبلغت العينة 3127 من 9 دول عربية: لبنان، الإمارات، مصر، البحرين، الكويت، الجزائر، قطر، الأردن، والسعودية.
يستخدم حوالي 83% من الشباب الإنترنت بشكل يومي، وأكد 40% منهم استخدام الإنترنت لمدة لا تقل عن خمس ساعات يومياً، بينما يقضي 60% أكثر من ساعتين يومياً مما يؤكد تزايد هيمنة هذه الوسائل على الشباب العربي.
وسائل التواصل وانعكاساتها الاجتماعية
عن تأثير انتشار هذه الوسائل على العلاقات الاجتماعية لدى مختلف شرائح المجتمع. تقول المتخصصة في علم الاجتماع زينب قدورة:
بالإجمال، فإن هذه الوسائل ساهمت في الإبقاء على التواصل مع الأصحاب والمعارف وزملاء العمل والأقارب المغتربين خارج البلاد، بتكاليف مادية تكاد لا تُذكر، كما أتاحت للأهل الاطمئنان على أولادهم والتعرف على أصدقائهم، علماً أن بعض الأبناء لا يرغب أن يكون أحد والديه على قائمة أصدقائه.
• أما عن انعكاسات تقنيات الاتصال على السلوك الاجتماعي والعلاقات الأسرية، تتابع زينب قائلة:
بالرغم من كونها تفتح باب التواصل مع عدد كبير من الأصدقاء، لكن هذه الوسائل قد تؤدي إلى ضعف في التواصل المباشر؛ ويرى 37% من الشباب أن هذه الوسائل أثرت بشكل سلبي على التواصل والترابط الأسري.
كما أن هذه الوسائل لا تنقل الأحاسيس والمشاعر التي لا يمكن أن تنتقل إلا من خلال المباشرة، حيث نبرة الصوت والابتسامة، قد تقولون ما لا تصفه الكلمات الكثيرة في دردشة إلكترونية، كما أن التواصل المباشر يُثري روح وقلب الإنسان لأن الأحاسيس والأخلاق والقيم تنتقل بين الجليس وجليسه، بينما جُلُّ ما يتعلمه الفرد في الوسائل الحديثة هو طريقة كلام الطرف الآخر.
• وعن موضوع زيادة عمق الهوة بين الأجيال تقول الباحثة الاجتماعية:
نلاحظ أن الأبناء باتوا يعلِّمون آباءهم كيفية استعمال الهواتف الذكية مما يوطِّد ويشجع التواصل والألفة فيما بين مختلف الأجيال، كما أنهم والأحفاد يعرضون الصور؛ ولكن قد يحصل بعض الجفاء بين الآباء والأبناء بسبب انشغال الشباب الزائد بهذه الوسائل، مما يُشعر الآباء بإهمال أبنائهم لهم وعدم تمضية الوقت معهم خاصة عند مَن كبر سنّه.
• وعن سؤالنا حول إرشادات عملية تجمع المواكبة والحفاظ على التوازن لردم الهوة بين الأجيال تضيف:
يجب تحديد الوقت المسموح به، أي لا يجوز مثلاً تجاوز وقت الانشغال بالفيسبوك 20 دقيقة يومياً في أيام الدراسة، وأيضاً إيجاد النشاطات التي تجذب الأبناء للتواصل المباشر مع أفراد الأسرة كالرحلات الترفيهية وزيارة المعارض الثقافية... كما أن الالتزام بالصلوات على وقتها وفي المسجد للرجال يقوّي الفرد ويُعطيه الإرادة لوقف المحادثات على الهاتف والتوجه إلى أمر الحال وهو الصلاة أول وقتها لا سيّما وأنها عمود الدين كما أخبر الصادق [.
وسائل التواصل وانعكاساتها النفسية
• عن سؤالنا عما إذا سببت وسائل التواصل عزلة نفسية لروادها وعن مخاطرها أجابت المتخصصة بعلم النفس آيات فتح اللّه:
إن العزلة باتت توجد لدى الأفراد ضمن الأسرة الواحدة؛ فنرى كثيراً أن أفراد الأسرة الواحدة باتوا يتواصلون عن طريق وسائل الاتصال من غرفة إلى أخرى مما يؤثر سلباً على التواصل والارتباط الأسري.
كما أن من نتائجها على مستوى الحوار سوء التواصل اللفظي، وبالتالي تراجع مستوى التربية الحسن وازدياد المشاكل الأسرية، ومن ثم القلق والتوتر بشكل مستمر بين أفراد الأسرة الواحدة، مما يؤدي إلى الابتعاد عن الصراحة وتجنّب اللقاءات فيما بينهم لتفادي المشاكل.
• ولدى سؤالنا عما إذا كان العالم الافتراضي بمضامينه وعلاقاته الإنسانية يسبب انفصاماً شخصياً وانفصالاً لدى مدمني استخدامه عن واقعهم، قالت آيات:
يتأثر الفرد بما يحيط به من وسائل تواصل بناءً على درجة إدراكه ووعيه، وكذلك قدرته وقابليته على التأثر بالمثيرات التي تحيط به أكثر من تأثره بالدعوة والتوعية الدينية والاجتماعية والثقافية وغيرها. وبطبيعة الحال تختلف درجة التأثر من فرد إلى آخر بحسب وعيه وثقافته الدينية والاجتماعية وقدرته على المراجعة الذاتية.
• هل يحدد علم النفس سنّاً معينة يسمح فيها للأطفال باستخدام هذه الوسائل؟
سيكولوجياً، عندما يمتلك الفرد القدرة على التمييز بين الأمور السوية واللاسوية يسمح له باستخدام هذه الوسائل، وفي شرعنا الحنيف التمييز يبدأ في سن السابعة، وبالتالي فعند هذه السن يسمح له باستخدامها، ولكن تحت رقابة الأهل وبتوعية دائمة لما فيه مصلحته.
وهناك العديد من الدراسات التي تشير إلى أهمية الرقابة؛ إذ إنها تُخضع الفرد لمجموعة من القوانين التي لا يمكن الخروج من إطارها، وذلك لمواجهته العديد من العواقب السلبية الناتجة عن سلوك المسار السيء في استخدامها.
• هل من إرشادات تؤمن للأطفال والشباب الاستخدام الآمن لوسائل التواصل الاجتماعي؟
للدورات المستمرة والتوعية الدائمة والإرشادات السليمة بطريقة مناسبة لكل الأفراد أهمية كبيرة، فضلاً عن فرض عقوبة للاستخدام اللاسوي. ومن الأمور الهامة التي أدت إلى سوء استخدام هذه الوسائل تنميةُ مفهوم الخصوصية لدى الأفراد، وأن العالم الخارجي - ومنه الأسرة - ليس له أية علاقة في معرفة أموره الشخصية، ولذلك أنصح بضبط هذا المفهوم أيضاً.
• ماذا يقول التربويون؟
يقول الأستاذ مروان الخطيب (منسق مواد الاجتماعيات في المدرسة اللبنانية العالمية) عن مدى تأثر الطلاب بهذه المواقع أنه بلغ أعلى مستوياته خلال الأعوام القليلة الماضية، وطبعاً قد ظهر العديد من النتائج عليهم على جميع الأصعدة، وخاصة من ناحية السلوكيات واللغة؛ جرّاء هذا التعرض الكثيف لوسائل الاتصال والذي غالباً ما تغيب عنه المراقبة المنزلية. ويضيف: أن على المدارس أن تضاعف جهودها بإدخال برامج أكاديمية تتفاعل مع هذه الوسائل والتقنيات، لأنها ستساعد في جذب الطالب إلى منهجه من جديد.
الآنسة مهى قاطرجي (مدرّسة لغة إنجليزية) تقول: من إيجابيات هذه الوسائل أن الطلاب أصبحوا يتابعون بعض الأخبار، مما زاد الثقافة العامة لديهم نوعاً ما. ولكن سلبيات هذه الوسائل تفوق إيجابياتها؛ لأنها أصبحت تؤثر على دراستهم بشكل كبير بسبب الالتهاء المتواصل بالهواتف الذكية دون رقابة.
وتنوه الآنسة مهى بأن لهذه الوسائل دوراً إيجابياً نوعاً ما في تحسين اللغة الإنجليزية عند الطلاب لفظاً. أما عن الناحية الأخلاقية فهي خطيرة على الطلاب، حيث يظهر الانحدار الأخلاقي من خلال استخدام ألفاظ وتعابير لا تليق... إضافة إلى أن هناك تأثراً واضحاً جداً بالثقافة الغربية.
أما الآنسة هبة نخال (مدرّسة لغة عربية في مدارس الإيمان)، هذه الوسائل قرّبت الطلاب وسهلت العمل الجماعي دون ضرورة الاجتماع. كما أن هذه الوسائل تؤثر على انضباط التلاميذ، إذ يقضون أوقاتهم مُسمَّرين أمام أجهزتهم، ومن ثم يفرغون طاقاتهم داخل الصفوف. ومن أهم نتائجها السلبية ضعف شخصية التلميذ وعدم قدرته على التواصل بسلاسة. وطبعاً التأثير الخطير على اللغة لفظاً وكتابة.
السيدة هلال خطّاب (معلمة فيزياء في مدارس المقاصد) تشارك الآراء السابقة بأن لهذه الوسائل تأثيراً إيجابياً من ناحية الانفتاح والتواصل على الآخرين، وآخر سلبياً على النواحي الأخلاقية وفي بناء ثقافات غربية تجرف هذا الجيل نحو أخطاء كثيرة. كما وأنها تؤكد على تأثر اللغة السلبي بهذه الوسائل خاصة عند المراهقين، فهم يتخلّون عن لغتهم بسهولة ظناً منهم بأنهم يواكبون التطور والحضارة.
• ... وماذا عن الشباب؟
أما بالنسبة لآراء الشباب فقد تعددت. تقول الطالبتان عائشة الرشيدي وجياد عكرة: إن لهذه الوسائل تأثيراً كبيراً على الحياة اليومية و أنها أشغلتهما عن واجباتهما الأسرية والدراسية، ولكن بالوقت ذاته فقد حسنت ثقافتهما وتواصلهما مع الأصدقاء والانفتاح على الآخرين.
على صعيد آخر يقول محمد شاتيلا وعمر جرادي، وهما طالبان أيضاً: إن هذه الوسائل لم تؤثر عليهما كثيراً، ولم تأخذ حيزاً كبيراً من اهتمامهما، وذلك لأن ألعاب الفيديو تثير اهتمامهما أكثر.
أما أحمد الرفاعي الشاب الجامعي المؤسس لمشروع إفطارات رمضان فيقول: إنه يبقى متصلاً بكل الوسائل من خلال هاتفه الذكي، ولكنه ينتقي الأوقات لكل من المحادثات الشخصية والأعمال الأخرى، ويضيف أن هذه الوسائل ساعدته بالتحضير للكثير من مشاريعه وأعماله على الصعيدَين الاجتماعي والعلمي.
ويؤكد أحمد أن الإنسان هو الأساس بتحديد خياراته، وأنه يقرر مدى تعلقه بهذه الوسائل وتمضية الوقت باستخدامها، وهو القادر على السيطرة عليها وتسخيرها لخدمته.
وختاماً: نقول لجميع الشباب إن هذه الوسائل هي سيف ذو حدَّين، ونحن من يحدد الاختيار؛ فهي قد تنقلنا إلى آفاق إيجابية واسعة من جهة، وقد تودي بنا إلى التهلكة من جهة أخرى. فعلينا أن نحسن الاختيار وأن نجعل منها سلّماً نرتقي به إلى المزيد من الثقافة والحضارة والعلم.
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة