هل التربية متعة أو عبء؟
كتب بواسطة خلود المعلم
التاريخ:
فى : زينة الحياة
2126 مشاهدة
إنَّ مرحلة الطفولة مرحلة هامَّة حيث إن معظم الناس يُبرمَجون منذ مرحلة الطفولة على أن يتصرَّفوا بطريقة معيَّنة، وأن يعتقدوا اعتقادات معيَّنة، وهذه البرمجة إمَّا أنْ تكون إيجابيَّة وإمَّا أن تكون سلبيَّة، وذلك بحسب البيئة التي يعيش فيها الطفل، وحسب ثقافة الوالدَين، وغير ذلك من الاعتبارات، ويصبح كثير من الأبناء عندما يكبرون سجناء برمجتهم واعتقاداتهم السلبية التي تحدُّ من قدراتهم في الوصول إلى ما يريدون وتحقيق ما يرغبون.
ولعلَّنا لا نبالغ إن قلنا: إنَّ أهم مشروع في حياة الآباء والأمهات، وفي حياة المجتمعات هو تربية الأبناء، هذه التربية تُعتبر أهمَّ من أيِّ مشروع آخر في الأُسرة وفي المجتمع.
لكن بصراحة، لعلَّ البعض منَّا يقف مستغرباً حين يعلم بأنَّ الأم والأب يقومان بالتخطيط لشراء بيت مثلاً، أو التخطيط لسَفر ترفيهيٍّ، أو مشروعٍ تجاريٍّ، وبالمقابل لم يجلسا مرَّةً واحدةً في حياتهما للتخطيط الحقيقي لتربية الأبناء. وفي كثير من الأحيان يخطِّط الوالدَان لتربية أولادهم في مجال واحد، فنراهم يتَّجهون جميعاً نحو التخطيط في المجال الأكاديمي والتحصيل الدِّراسي، فيهتمون بنوع المدرسة التي سيسجِّلون فيها ابنهم وبالحقيبة المدرسيَّة والدفاتر والمقلمات والزِّيِّ المدرسي وغيره من الأمور التحضيرية، وفي بالهم أنَّ هذا هو التخطيط الكامل لحياة ابنهم. ويظلُّون كل العام يراقبون خطَّتهم ويدعمونها بالأستاذ الخصوصي وغيره من التغذية الراجعة للخطة الفاشلة.
وحتى لا نطيل عليكم في مقالتنا تعالوا معنا بسرعة إلى بيت القصيد: علينا ألَّا نغفل أنَّ التربية عمليةٌ تقوم على وجود التكامل بين مكونات الطفل؛ نموِّه الجسدي والانفعالي والاجتماعي والذهني والحركي، بحيث لا يطغى الاهتمام بجانب على حساب جانب آخر. فإذا قرَّرنا التخطيط لتربية أولادنا علينا أخذ كل هذه الأمور بعَين الاعتبار. ولا بُدَّ هنا من التوضيح وإعطاء الأمثلة:
إنَّ نمو الإنسان يتكوَّن من خمسة جوانب رئيسة:
1. النمو الجسدي: مثل الطول والعضلات والعظام وكل ما يتعلَّق بالجسد؛ فالعقل السليم في الجسم السليم.
2. النمو الانفعالي أو الشعوري: مثل الحُب والكره والخوف والأمان وكل ما يتعلَّق بالمشاعر.
3. النمو الاجتماعي: مثل التعاون، وتقبُّل الآخرين، والعدوانية، والخجل، وكل ما يتعلَّق بعلاقته بمَن حوله.
4. النمو الذهني أو العقلي: مثل قدرته على التذكُّر، والتحليل، والتركيب، والاستنتاج، والكلام وغيرها.
5. النمو الحركي: قدرته على المشي والجري والركض والقفز بتَوازن صحيح وسليم، وقدرته على المسك بالأشياء واستخدام الأدوات والآلات والوسائل.
فعند التَّركيز على الدِّراسة والتَّحصيل العلمي مع وجود ضغط على الطفل سيُحدث ذلك خللاً في النمو الانفعالي عنده.
لماذا التخطيط؟ وهل كلُّ الآباء والأمهات يدركون أهمية التخطيط؟ هل كلُّ الآباء والأمهات يعرفون كيف يخطِّطون لتربية أبنائهم؟
إنَّ أغلب الأجوبة التي سمعتُها خلال الأبحاث التي قمنا بها خاصة في لبنان وفي المناطق النائية بالذات؛ كانت تدفعنا إلى الشعور بالإحباط والتشاؤم. إنَّ موضوع التخطيط غير موجود في أجندة أولياء الأمور، هم يعتقدون أن اهتمامهم بالإنفاق وتأمين الحاجيات هو قمَّة التخطيط والتنفيذ. لا يُدركون أبداً أن التخطيط يحتاج إلى وضع أهدافٍ واضحةٍ؛ وكما قلنا في كافة الاتجاهات. التخطيط يحتاج إلى اجتماعات رسميَّة بين الأب والأم، ووضع الأولويات مع الميزانيَّة المالية، ووسائل التَّحفيز والتَّعزيز مع وسائل العقوبات لتقويم بعض السلوكيات التي تظهر عند أطفالنا أثناء تنفيذ الخطة. وعلينا أن ندقِّق النظر إلى البيئة المحيطة بأبنائنا ونقيِّمها قبل أن نضع الخطط.
ولا نستغرب لو قلنا: إنَّ مجتمعنا يحتاج إلى توعية كاملة في هذه المجالات، وحبَّذا لو يتوجَّه الآباء والأمهات نحو البحث عن دورات تدريبيَّة في مجال تربية الأبناء.
التربية في مجتمعاتنا ما زالت تستمدُّ معلوماتها من ينابيع جافة ومن معتقدات خاطئة، وإن الأخصَّائيين التربويين يجدون صعوبات كبيرة في تعديل سلوك الأهل قبل النظر إلى موضوع التخطيط الأُسري المتكامل، فالتأرجح ما زال قائماً بين العنف والحزم، وبين الرحمة والدلال الزائد، وبين السُّلطة والتسلُّط، وبين الأساسيات والكماليات، وبين ما يحبه الأهل ولا يرغبه الولد، وهكذا كأننا نبحث عن الزوايا في قلب الدائرة.
ولا أريد أن أترك القرَّاء يتخبَّطون في فكرة التخطيط دون أن أُعطي فكرة عملية. فمثلاً نستطيع أن نستخدم مبدأ القدوة في تخطيطنا لحياة أبنائنا، مثلاً:
أرغب أنْ يبدأ أبناؤنا بأداء الصلاة على وقتها، ولذلك يجب عليَّ ولمدة شهر كامل أن أُصلِّي الصلاة على وقتها بطريقة يرى فيها أبنائي مدى مُتعتي وحُبِّي وتغيري الإيجابي في صلاتي.
وإن كنتُ أرغب أنْ يقرأ ابني كلَّ يوم في كتابٍ باللغة الأجنبية لكي يقوِّي لغته ومخزونه اللغوي؛ عليَّ أن أشتري كتاباً وأبدأ بالقراءة بشكلٍ يوميٍّ مع الانتباه إلى ما يرافق هذه القراءة من كلمات تشجيعيَّة وتحفيزيَّة بشكلٍ غير مباشر، فيتعلَّم أبنائي منِّي بطريقة القدوة وليس بطريقة الوعظ والتهديد والترغيب التي لم تعد مجدية في عالمنا هذا.
وإذا رغبت أن يقول ابني لي قبل أن يطلب مني شيئاً: أمي لو سمحت أريد كذا وكذا؛ فعَلَيَّ ألا أطلب منه شيئاً إلَّا وأقول له: لو سمحت يا بُني أريد أن تقوم بكذا وكذا.
التخطيط في التربية ضروريٌّ لحياة أفضل ولمستقبل أفضل ولمراهقة أفضل لأولادنا. لا نريد أن يصل أولادنا إلى سنِّ المراهقة مرهقين متعبين، ولْتَكن التربية في حياتنا متعة بدل أن تكون عبئاً.
المصدر : مجلّة إشراقات
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن