متخصّصة في مناهج تعليم اللغة العربية، كاتبة في مجال التربية | باريس
العنف المدرسي في المجتمعات المعاصرة !!
تزايدت ظاهرة العنف في المجتمعات المعاصرة، و بين فئات المجتمع الواحد لاسيّما العنف المدرسيّ الّذي تنوَّعت وسائله ونمت كمّاً وكيفاً.. في أستراليا ثلث المفصولين من الطُّلاب سنة 2008م بسبب "العنف الجسديّ". وفي بلجيكا تثبت بعض الدِّراسات أنَّ الأسباب الرَّئيسيَّة لترك مهنة التَّدريس تتمحور حول العنف الّذي يلقاه المعلِّمون. وفي فرنسا، على كلِّ عشرة طلاب طالب متضرِّر مادِّيّاً أو نفسيّاً من العنف..
• العنف المدرسيّ: ما مفهومه؟
هو تعرُّض فرد أو مجموعة إلى مواقف وتصرُّفات سلبيَّة من طرف فرد أو أفراد متعدِّدين بطريقة متكرِّرة، والسُّلوك السَّلبيّ يبدأ بالإثارة والاستفزاز ليصل إلى الأضرار الوخيمة..
• ضدَّ مَن يمارس هذا العنف؟
يمكن أن يكون مع الذَّات بالنُّزوع إلى الانحراف (التَّدخين، المخدّرات..).
ويمكن أن يُوجَّه إلى الآخر (تلميذ، مدرِّس). أيّ سبب يمكن أن يفجِّره وبدون ضوابط، فقد يكون أحد الأسباب التَّفوُّق الدِّراسيّ.. طول الشَّخص.. قصره.. ضعيف.. بَدِين.. سرقة الهاتف المحمول...
ويمكن أن يمارَس تجاه المحيط (كتابة على الجدران، على الطَّاولة.. تحطيم أدوات العمل..).
• آثاره:
قد تترتَّب عن العنف المدرسيّ أضرار مادِّيَّة كالجروح الجسديَّة الظَّاهرة والدَّائمة من جرَّاء الخصومات، الألعاب الخطيرة. ويعدُّ العنف الرَّقميّ من أخطر الوسائل. ويمكن أن يؤول الأمر إلى انتحار الضَّحيَّة، وهذا ما وقع لفتاة تعرَّضت لتحرُّشٍ جنسيٍّ في المدرسة عام 2006م في بولندا، أَطلق إثرها وزير التَّربية خطَّة إصلاحيَّة بموجبها تُنَفَّذ عقوبات جرائم العنف بصورة شديدة كتغريم آباء الطُّلاب العدوانيِّين، إرسال بعضهم لخدمة المجتمع، قرار عقوبة السّجن للمعلِّمين الّذين لا يبلِّغون عن أعمال العنف...
والأضرار متفاوتة الخطورة، منها الصُّعوبات في التَّركيز لدى من مورس ضدَّهم العنف واضطراب النَّوم والأحلام المزعجة، أو الانزواء التَّدريجيّ عند غياب السَّند، خاصَّة وأنَّ مثل هذا النَّوع من العنف يتمُّ في غياب الكبار..
• مَن يمارس العنف؟
عموماً ظاهرة العنف تكشف عن عدم توازن شخصيَّة ممارسيه الذين لم يتربَّوا على حسن توجيه نوازعهم الفطريَّة الغريزيَّة بطريقة تحترم القيم والمثل العليا والمعايير الإيجابيَّة، فالفرامل المساعدة على ضبط الميول الغريزيَّة شبه مفقودة.
• دَور الأسرة في التَّوجيه التَّربويّ:
دَور الأسرة هامٌّ جدّاً في بناء الفرد الإيجابيّ. في الأسرة المعاصرة تقلَّص هذا الدَّور لأسباب متعدِّدة، من أهمّها ترك القيم وإهمال الرِّعاية الأخلاقيَّة. وكثيراً ما يلتجئ الأبوان لترك الطِّفل في المحاضن بسبب العمل، فترتبك التَّربية. وفي البيت يتربَّى الطِّفل تحت وطأة التَّعب الضَّاغط على الأبوين بعد جهد يوم كامل، توتُّر أعصاب كليهما لأتفه الأسباب، فالانفعال ثمَّ الانفلات اللَّفظيّ.. ولا وجود لطرف منهما يتحمَّل الرَّعاية المباشرة داخل البيت بعيداً عن الضُّغوط الخارجيَّة. أضف إلى هذا ظاهرة التَّفكُّك الأسريّ المتفشِّية في المجتمعات، وارتفاع نسب الطَّلاق.. انهارت الأسرة و بدأ يندثر مفهومها. وغاب النّموذج المتوازن، والتَّربية الإيجابيَّة تقوم أساساً على القدوة الحسنة. . كما أنَّ فقر العائلة يُشعِر الطِّفل بالنَّقص والحرمان بين الأقران، ويولِّد الحقد والكراهية تجاه الآخرين، ويؤدِّي إلى الممارسات العنيفة..
• ماذا عن دَور المؤسَّسات التَّربويَّة.. وسائل الإعلام.. والتَّواصل الرَّقميّ؟!
يعيش الطِّفل في بيته العنف عبر وسائل الإعلام والتَّواصل الرَّقميّ بما يُبَثُّ من محتويات بادٍ فيها الانحلال الأخلاقيّ و مظاهر العنف و التَّطرُّف..
أمَّا في المدرسة فيتلقَّى معلومات منفصلة عن الهدف التَّربوي، التَّعليم اليوم أبعد من أن يربِّي ليحسن الفرد التَّعامل مع غيره..!
للمربّين دَور بنَّاء يشارك في تحديد وجهة الطِّفل الأخلاقيَّة وبناء الشَّخصيَّة الإيجابيَّة.. فأين المعلِّمون اليوم من هذا الدَّور..! لا تعليم بدون تربية، ولا تربية بدون أخلاق وقِيم.. ولا فلاح بدون قدوة حسنة. التَّعليم اليوم يحتاج إلى مراجعة أسسه وأهدافه ووسائله.. الإنسان يكون عنيفاً عندما يتواجد في مجتمع يعتبر العنف سلوكاً ممكناً مسموحاً به، وفي مجتمعاتنا المعاصرة يعيش الطِّفل العنف في كلِّ مكان، داخل البيت وخارجه.. وهذا ما يفسِّر ظاهرة العنف المدرسيّ وغيره.
لا بدَّ من إصلاحٍ جذريٍّ، أساسه التَّربية الرَّشيدة الموجّهة إلى حسن استثمار الوقت والطَّاقات، عبر الأسرة وحسن توزيع المهامِّ فيها بطريقة تضمن للطِّفل الرِّعاية الإيجابيَّة، ففصل المرأة عن أمانة الرِّعاية في بيتها وتحميلها عِبأين ثقيلين خارج البيت وداخله، يجب أن يراجَع.. التَّعليم يجب أن يرتبط بالتَّربية البنَّاءة.. والأَولى أن تختصر وسائل الإعلام الوقت المخصَّص للحوارات السِّياسيَّة الفضفاضة، وتستثمره للتَّوجيه التَّربويِّ الإيجابيِّ، وتغيّب العنف والإطناب في ذكره.
لن تجدي الحلول التَّرميميَّة المبنيَّة على العقاب دون معالجة الجذور المؤدِّية إلى هذه الظَّاهرة.. الإحصائيَّات تثبت أنَّ العنف المدرسيَّ متفشٍّ أكثر في الأوساط الحضريَّة الّتي انسلخت من القِيم.. حضارة اليوم اهتمَّت بالرُّقيِّ المادِّيِّ وتخلَّت عن الأخلاق.. ولا أفضل من أسس التَّربية القرآنيَّة الّتي تبثُّ روح الودِّ والتَّكافل في المجتمع، وتجعل الفرد يترفَّع عن الإيذاء (لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ). ولا أرقى من تربية الرّسول صلى الله عليه وسلم المترجمة في قوله: ((لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ)). (البخاري ومسلم).
المصدر : مجلّة إشراقات
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
القول الفصل.. بين الظلم والعدل!
الأُسرة السوريّة خارج القضبان
هل انتصرت سوريا أم انتصر أعداؤها؟
ما الذي يحدث اليوم في سورية؟
مَعركةُ الأمّةِ الأولى