أسباب للرزق لا تخطر على البال
.
أثناء اكساء شقتي ؛ منذ عقد ونيف من الزمن ؛ احتجت إلى حمالين لنقل سيارة رمل ملقي في الشارع إلى شقتي في الطابق الأول -
ولم أستطع البتة أن أجد حمالًا واحدًا يحقق لي طلبي في تلك الفترة !
فاتصلت بأحد أصدقائي وكان ذو صلة مباشرة مع العمال أصحاب المهن المعمارية فأسعفني واستجاب لطلبي بصعوبة بالغة ومشقة كبيرة !
وأرسل لي حمالين لينقلا الرمل إلى الشقة ؛ كان الرجلان قد تجاوزا الستين من العمر؛ الأول رجل طويل ضخم مفتول العضلات قوي البنية مفعم الصحة والثاني رجل شديد القصر نحيل الجسم ضعيف البنية مقوس الظهر ؛ عليل الهيئة والمظهر !
قلت لصاحبي وأنا في أشد حالات الغرابة والاستهجان والاستفهام !
هل بمقدور هؤلاء إنجاز هكذا عمل من أصعب وأشق الأعمال ؟!!
قال لي صاحبي نعم وبسرعة تفوق تصوراتك لا تقلق إزاء الأمر !
قلت على مضض وغير قناعة كما تريد وجهزت لهم متطلباتهم ؛ وتركتهم وذهبت وأنا غير مقتنع وغير مطمئن للأمر برمته !
وبعد مضي ساعات قليلة والقلق والشك ياكلني من داخلي ذهبت إلى الشقة ثانية فشكوكي تساورني أن هناك شيئ ما ؛ فالوضع كله غير مقنع !
وكم تفاجأت عند وصولي اليهم وكانا قد قطعا اكثر من نصف الشوط في عملهما ! وقفت أنظر إلى طريقتهم في إنجاز عملهما فالرجل العليل يفتح أكياس الرمل ويجهزها فقط ولا عمل آخر له سوى ذلك ؛ والرجل القوي يملأ الأكياس ويحملها على كتفه ويطلع بها إلى الشقة !
عمل غير عادل من حيث توزيع المهام والأدوار والجهد غير العادي في هكذا عمل !
أحببت ساعة ذلك بعد أن أخمدت ماساورني من شكوك حولهما ؛ أحببت أن أكافئهما بشيئ من البوظة و(الكازوز) فقلت لهما سأجلب لكما مثلجات ومرطبات تعدل مزاجكما وطلبت من العامل القوي أن يذهب معي لأستفهم منه على انفراد ولا أحرجه امام العامل العليل
وسألته اسئلة كانت تدور بخلدي كان أولها هل هذا الرجل العليل يعمل أجيرًا مياومًا لديك أي باجرة يومية ؟!
قال لا إنه شريكي مناصفة !! تعجبت من ذلك قلت له ولكن هذا ليس عدلًا ، فأنت من تقوم بكامل العمل وليس فتح الأكياس وتجهيزها بعمل يشق عليك فلماذا ذلك ؟!
قال لي نعم ، أعلم ذلك وأعرفه جيدًا ولكن رزقي كله متعلق بهذا الرجل العليل ؛ وهو شريكي مناصفة من سنوات عديدة خلت ونحن على هذه الحال وسأريحك وأخبرك السر في مشاركتي له !
لقد كنت يومًا بحاجة صانع صغير ولم اجد ؛ حين جاء إلى هذا العليل يطلب أن يعمل صانعًا معي فوافقت على عمله واستحييت من نفسي أن أعطيه أجر ولد صغير آخر النهار خصوصًا أن لديه أسرة يرعاها فاعطيته الثلث من كامل أجرة الحمولة، وبقيت على هذه الحال بضع سنين إلى أن عرفت زوجتي بقصتنا فاستهجنت الامر وعارضت بشدة وطلبت أن اطرده نهائيًا ولا أقبله حتى بأجر صانع صغير !
فامتثلت لأوامرها وطردته عني نهائيا وخلصت منه !
وفي اليوم الثاني ذهبت كالعادة إلى مركز العمال الحمالين لأجد عملا اقوم به ولكن لم يطلبني احد ورجعت بيتي ولم أعمل في ذلك اليوم وعاودت الكرة في اليوم الذي يليه ولكن دون جدوى وتوقف عملي قرابة ثلاثة اشهر ونيف ! جلست خلالها افكر لماذا لم يطلبني احد للعمل وأنا الرجل القوي الشديد الذي ينجز وحده مايقوم به بضعة رجال ؟!!
فاستخرت ربي بصلاة ركعتين واحسست بعد الاستخارة أن السبب كان بطرد هذا الرجل العليل الذي قطعت رزقه بسبب انصياعي لرغبات زوجتي التي قرأت مفهوم الرزق بقراءة القوانين الدنيوية أي واحد زائد واحد يساوي اثنان !
وسرعان ما ذهبت الى بيت العليل ثانية وأخبرته أن يجهز نفسه للعمل في اليوم التالي - واقسم لك يا استاذ اننا في اليوم التالي عندما ذهبنا الى مركز الحمالين كنا أول من تم طلبهما للعمل ولم ينقطع عملي يومًا واحدًا بعد ذلك ! فشاركته مناصفة فزادت اجوري
وزادت البركة في جميع شؤون حياتي ومنذ ذلك اليوم وهو شريكي ومصدر رزقي !!
.
اتقوا الله في ضعفائكم وارحموا من في الارض يرحمكم من في السماء وليست العبرة في فقير وغني ولا في ضعيف وقوي العبرة أن تكون أعمالنا خالصة لله وأن تملأ الرحمة قلوبنا ويغشاها التسامح فكم من قوي بحاجة نصيحة وكم من غني بحاجة كلمة وكم من فقير بحاجة لقمة وكم من أرملة ويتيم بحاجة كلمة حنونة ونحن جميعنا وبكل أحوالنا بحاجة إلى أن ندرك الرحمة ونستشعرها.
المصدر : موقع إشراقات
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة