د.غنى عيواظة: دكتوراه في الفقه المقارن، محاضِرة جامعيّة شاركت في العديد من المؤتمرات الدّوليّة والنّدوات.
قصّة حياة قرآنيّة
![قصّة حياة قرآنيّة](https://ishrakat.com/cms/upload/articles/7817_600X400articles.jpg)
إنْ كنتَ من محبِّي قراءة القصص فلا تعتقدْ بأنّ شراءك لبعضها هو المجال الأوحد لتتنقَّلَ بين أسطرها، مُطلِقًا عِنان الخيال لتفكيرك إلى حيث وصل الكاتب فيها، مع كونها مجرَّد رواية، قد تكون غير حقيقية من نسج تأليف الكاتب، أو واقعيّة جرت أحداثُها بالفعل وانتقلت بعدها إلى صفحات القصّة تاركة العِبَر لمتناوليها.
ولكن مهما نقل الكاتب تلك الأحداث بدقَّة نعلم أنّ المُجريَ الحقيقيَّ لها هو الله سبحانه، لذا عُدْ مرَّة ثانية واقرأها من الكتاب الأصليّ القرآن الكريم، إذ قال سبحانه: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَٰذَا الْقُرْآنَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ(٣)} ( سورة يوسف).
العديد من القصص تنسجُ خطواتِ حيواتِ مَن مضى، وجُلُّهم من الأنبياء والرُّسل، وتحمل بين آياتِها معانيَ للصّبر على الشّدائد، مقوِّية الإيمان بالله تعالى، لتبقى في سياق الحياة الطبيعيّة بمجرياتها المعروفة من المتبصِّرين خلف شاشة الأحداث بأرواحهم.
ففي قصّة سيّدنا محمّد صلّى الله عليه وسلّم، نرى غلامًا نشأ يتيمًا، فربَّته والدتُه، فجدُّه، ثمَّ عمُّه، وشبَّ راعيًا للغنم، وتزوَّج خديجةَ رضي الله عنها، وقد تخلَّق بأجمل الصّفات من أمانة وصدق، حتى جاءه الوحْي ذات مرَّة في غار حراء ليمليَ عليه افتتاح عهد النّبوّة أنْ: { إقرأ * إقرأ باسم ربّك الذي خلق}، أي اقرأ ما أراد الله لك من خلاله أنْ تصلَ لمعرفة أنّه الخالق، أعجزَنا في خلقنا من مادة بسيطة، فنقطع بعدها أواصر العبوديّة، أو نتمرّد بالمعصية والكفر بنعمه، والدّعوة إلى غير سبيله.
واستمرَّ في نشر الدّعوة، مع صدِّ قريش له، حتّى أذنَ الله سبحانه له بالهجرة حيث استقبلته يثرب بأجمل ترحاب، وأكرمه الله بنصر في الغزوات، وكان ما نراه من تقدِّم الحقِّ على الباطل من ضمن طبيعة علوِّ السُّنَن الكونيّة الحقَّة، وتجلَّى ذلك مع ترسيخ لقيمة الإعجاز للنّبوّة في حادثة الإسراء والمعراج.
ولكن لو عرَّجنا إلى قصّة يوسف عليه السّلام سنجدُ مجريات قصّة غير مألوفة، تثبت أنّه هو الحفيظ سبحانه، والمقدِّر، كلُّ شيء يجري بأمره ولحكمة هو يعرفها، وما علينا إلّا أنْ يكونَ أمرُنا كلُّه خيرًا.
فها هو الفتى يوسف عليه السّلام يرمي به إخوتُه في البئر لشدَّة حبِّ والده له، ويختلِقون بعدها لأبيهم قصّة ذئبٍ أكلَه، لتأخذَه سيّارةٌ من النّاس ويبيعوه ليدخلَ قصر الملك، وتُراوده امرأةُ العزيز عن نفسها، فيثبت أمام الفتن، ويُسجن، وتتجلَّى مهارة تفسير الأحلام لتنقذَه من سجنه، مع أنّه نبيٌّ، ولكنّ مجرّد كون الإنسان نبيًّا لا يعني أنّه سيتجرَّد من كينونتِه الأساسيّة، بل عليه أنْ يسعى بما لديه من مهارات قُدُمًا نحو هدفه.
فتربَّعَ على عرش مصرَ، وعاد إليه إخوته طالبين العون، ونُسجت من جديد حبكة قصّة فقدان صُوَاع الملك ليعودَ بقميصه على وَجْهِ أبيه فيردّ اللهُ إليه بصرَه، ويأتيه إلى مصر، ويخرّوا جميعهم ليوسفَ سُجَّدًا.
وبالعودة مرَّة أخرى لقصص القرآن سنجد فيها ليس فقط ما يوسِّع الخيال وأُفُقَ التّوقّعات، بل ما يقوّي ذرّات الإيمان، لتذعن النّفسُ بكامل الإرادة أنّه لا إله إلّا الله وأنّ محمّدًا عبده ورسوله.
المصدر : موقع مجلة إشراقات
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الثورة البيضاء.. بلا سيف ولا دم مهراق!
قصّة حياة قرآنيّة
التحليل النفسي لرسومات الأطفال
رسالة الشعر
مسرى الأرض ومعراج السماء.. بيان وأضواء!