بداية التاريخ اليهودي كملاذ للسرديات الصهيونية
لقد كان واضحاً أن أهم مسوغات توظيف الصهيونية للديانة اليهودية، يكمن في توفير الأرضية لصياغة البرنامج السياسي للحركة، الذي يعتبر أهم بنوده: العمل على إقامة وطن قومي لليهود على أرض فلسطين؛ حيث أن الديانة اليهودية ولا شئ غيرها قد منح الصهيونية "الشعب" والأرض والمحتوى الثقافي والتراثي واللغة.
وقد أخذ الدين اليهودي طريقه للتأثير بشكل مباشر على البرنامج السياسي للحركة الصهيونية الذي أقر في المؤتمر الصهيوني الأول الذي عقد في "بازل" عام 1897. فقد اشتمل البرنامج على تعبيرات ومصطلحات دينية، فاحتوى البرامج على مصطلح "البيت القومي لشعب إسرائيل في أرض إسرائيل"، والتعبيران "شعب إسرائيل" و "أرض إسرائيل"، وهي تعبيرات دينية.
من هنا فقد تحولت الحجة الثيولوجية إلى مركب أساسي في المحاججة السياسية للصهاينة بحق اليهود على أرض فلسطين. وقد استند الزعيم الصهيوني العلماني إسحاق أوسشكين في خطاب ألقاه في السابع والعشرين من شباط 1919 أمام مؤتمر السلام الذي عقد في أعقاب انتهاء الحرب العالمية الأولى للحجة الدينية في مطالبته بوطن "قومي" لليهود على أرض فلسطين، حيث قال: "المطلب التاريخي للأمة اليهودية أن تعاد إلى حدودها، وإعادة الأرض التي وعدت بها العناية الإلهية بني إسرائيل قبل أربعة آلاف عام" .
ويمكن القول إن استناد الصهاينة إلى الحجة الثيولوجية في تسويغ وجود القومية اليهودية، مكنهم من تعميم ثلاث مفاهيم أساسية أقنعت معظم اليهود بأسطورة القومية اليهودية، وهي: الوحدة، والخصوصية والاستمرارية .
وعندما تعرض البرنامج الصهيوني لمشكلة تشتت اليهود في مختلف أنحاء العالم ووجود فروق لا حصر لها بين شتى المجتمعات اليهودية، شدد على أن ذلك لم يمنع وجود "مشاعر الوحدة بين جميع اليهود في كل شئ، فهم شعب واحد ينتمي إلى جنس واحد" .
وعندما وجد الصهاينة أن اليهود مهددون بخطر الامتصاص والاندماج ضمن مجتمعات غير يهودية وكان هذا التهديد يتناول بوجه خاص أولئك اليهود الذين يعيشون في أوروبا الغربية والولايات المتحدة الأمريكية، فقد ركزت الصهيونية على خصوصية اليهود كشعب وكأمة وعنصر وجنس، فهم جنس واحد وأمة واحدة، لكنهم مختلفون فقط في الثقافات والقيم والحضارة.
وتم التركيز على "الخصوصية اليهودية" و"الهوية اليهودية"، وهو ما مكن المنظرين الصهاينة من تقديم تفسير لرفضهم الاندماج بشعوب أو أجناس أخرى، وكانت الحجة تقول: لما كان لليهود صفاتهم الخاصة، كان من الطبيعي أن يتعذر اندماجهم في مجتمعات أو شعوب أو أجناس أخرى. وواظبت الصهيونية على اللعب على وتر اللاسامية، والزعم بأن العداء لليهود متأصل لدى الشعوب الأخرى، وأن هذه الحقيقة غير قابلة للتغيير، وإن تعرضهم لاضطهاد هو أمر شامل في العالم كله ولا مجال للتخلص منه، وذلك لدفع الحماس في نفوسهم نحو فكرة الوطن القومي .
ولكي يبرر الصهاينة برنامجهم السياسي، فقد أرجعوا تاريخ وحدة اليهود وخصوصيتهم إلى أبعد تاريخ ممكن، لكي يترسخ الاعتقاد أنهم كانوا موحدين قبل التشتت، وأن سبب تشتتهم يعود بشكل خاص إلى مشاعر اللاسامية لدى الشعوب الأخرى، بعبارة أخرى فإنه كان عليهم أن يصوروا فلسطين وكأنها مهد "الشعب اليهودي" تاريخياً وجغرافياً، وأنهم كانوا فيها شعباً واحداً وعنصراً واحداً ذا ثقافة خاصة مميزة، وبالإضافة إلى كل ذلك كان عليهم أن يؤكدوا أن هذه الخصوصية أو الطابع المميز لليهود لم تنقطع في تاريخهم الطويل، وإنهم كانوا بالتالي يتطلعون ويطمحون على الدوام إلى العودة إلى أرض الميعاد.
من هنا فإن وضع المشكلة في هذا السياق يجعل من الطبيعي والمشروع أن يستخلص من ذلك أن الحل الوحيد للمشكلة اليهودية يكمن في إيجاد دولة يهودية في فلسطين.
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة