إلصاق الإرهاب بالإسلام.. تحقّقٌ وجواب!
لم يجد أعداء الإسلام وما أكثرهم قديمًا وحديثًا بُدًّا من أن يلصقوا تهمة الإرهاب بالإسلام وأهله، وقد وجدوا لهم مناصرين من أبناء جلدتنا، ليس بالقول والدعاية فقط، وإنّما بالتطبيق الذي يتستّر بالإسلام الجهادي ويمارس ما هو منافٍ لكلّ المعتقدات والأعراف والأخلاق الإنسانيّة.
وهو ممّا سنعرض له في سياق مقالنا مع الابتداء بالقول إنّ كلمة الإرهاب لم ترِد في كتاب الله بهذا اللفظ المتداول وإنّما جاءت بلفظ مشتقّ عمّا هو مرتبط ذكره بالإعداد لقتال الأعداء بما يُستطاع إعداده من أسباب القوّة المختلفة بلا تعريف لها، قال تعالى: ﴿ وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا ٱسۡتَطَعۡتُم مِّن قُوَّةٖ وَمِن رِّبَاطِ ٱلۡخَيۡلِ تُرۡهِبُونَ بِهِۦ عَدُوَّ ٱللَّهِ وَعَدُوَّكُمۡ وَءَاخَرِينَ مِن دُونِهِمۡ لَا تَعۡلَمُونَهُمُ ٱللَّهُ يَعۡلَمُهُمۡۚ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيۡءٖ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ يُوَفَّ إِلَيۡكُمۡ وَأَنتُمۡ لَا تُظۡلَمُونَ﴾(الأنفال٦٠). فإذًا المطلوب هو الترهيب وليس الإرهاب المطلق خارج المعركة و قد يأت الترهيب ليس حتّى بالقتال والسلاح بل بما يمكن إيهام العدوّ به وتخويفه منه. ومن تلك الوسائل النفسيّة ما أشارت إليه الآية الكريمة في كلمتي الإعداد والرباط، وذلك ممّا يجعل الأعداء في خوف دائم وقلق مستمّر. والرباط هو ما يدلّ على بقاء المجاهدين في جبهة القتال، ولو بالتجهيز والتجييش وتوهيم العدوّ بما لا يريحه ويسكن له بال، وهو ممّا يُسمّى في القوانين المعاصرة بالحروب النفسيّة، والتي سبق الإسلام غيره في الإشارة إليها بقرون من الزمن. ما يتوّج ذلك ويعزّزه ما جاء في الحديث الشريف: "أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ أحَدٌ مِنَ الأنْبِيَاءِ قَبْلِي: نُصِرْتُ بالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ، وجُعِلَتْ لي الأرْضُ مَسْجِدًا وطَهُورًا، وأَيُّما رَجُلٍ مِن أُمَّتي أدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ فَلْيُصَلِّ، وأُحِلَّتْ لي الغَنَائِمُ، وكانَ النبيُّ يُبْعَثُ إلى قَوْمِهِ خَاصَّةً، وبُعِثْتُ إلى النَّاسِ كَافَّةً، وأُعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ" صحيح البخاري. أي أنّ الله يوقع الرعب في قلوب الأعداء قبل أن يلقاهم الرسول والمؤمنون معه قبل شهر من الهجوم عليهم. ومن هنا يمكننا القول أنّ الترهيب في القتال عمل مشروع ومطلوب يستعمله كلّ من نزل ساحة الميدان وأراد أن ينال من عدوّه. وإذا كان لنا أن نطلق ونوصم أحدًا بالإرهاب فلا تتّسع المجلّدات للحديث عن أهله على مدى قرون مضت، إلى أن نصل إلى أيّامنا هذه، وذلك أنّ التاريخ القديم يشهد أنّ بلاد المسلمين تعرّضت لإرهاب دول وليس عصابات من زمن المغول والتتار الذين امعنوا تخريبًا وتدميرًا للحجر والشجر والبشر وأفسدوا في الأرض، إلى أن فيّض الله لهم من قادة المسلمين من أهلكهم وردّهم على أدبارهم خاسرين. وكذلك جرى مع الصليبيّين الذين جاءوا من بلاد الفرنجة ليقيموا معابدهم تحت ستار حريّة التجارة، بلاد الشام وفي فلسطين خصوصًا، ووصل إرهابهم إلى حدّ قتل الآلاف من النساء والشيوخ والأطفال في باحة المسجد الأقصى حتّى غاصت دماء الأبرياء إلى ركاب الخيول. وأرسل الله الناصر صلاح الدين فكسر شوكتهم، وأهلك جندهم.
ويستمرّ الإرهاب في بداية القرن العشرين بوجهه اليهوديّ الكالح حيث أعطت بريطانيا لليهود الوعد المشؤوم والمُسمّى وعد بلفور، ليكون ذريعة لشذّاذ الآفاق أن يريحوا أوروبّا وأهلها، ويأتوا إلى فلسطين تحت ستار أرض الميعاد.
وجاءت أكبر عصابات الإرهاب اليهوديّ، ومنهم من تخضَّبت يداه إلى قدميه بالإرهاب المنظّم، ووصل إلى سدّة الحكم في المولود اليهوديّ اللقيط في فلسطين. وتحوّل الشعب الأعزل المدافع عن أرضه وعرضه وحقوقه إلى شعب إرهابيّ. ومن استباحه وأمعن فيه على مدى سبعين عامًا وأكثر ذبحًا وهدمًا وطردًا واعتقالًا بقي في عرف ولسان من ناصروه وأمدّوه بالسلاح والمال وكلّ أسباب البقاء شعبًا مظلومًا مقهورًا يواجه وحيدًا في بحيرته بحارًا من الأعداء المتربّصين. وقد مارس هذا العدوّ الإرهابي الصهيونيّ بلباس يهوديّ توراتيّ مزعوم من الإرهاب في دير ياسين إلى مذابح صبرا وشاتيلا وما بينهما من دفن الجنود في مصر في صحراء سيناء أحياء، وكلّ ذلك لم يحرّك في ضمير ما يُسمّى بالعالم الحرّ في بلاد الغرب الكافر شعرة في رأسه، بل بقي في أذهان شعوب تلك البلاد في غالبها اعتبار المسلمين عمومًا والعرب منهم خصوصًا إرهابيّين يحبّون سفك الدماء، ويرهبون اليهود اللطفاء. ولم يقف الأمر عند هذا الحدّ فقد أراد أعداء الإسلام وبما يملكون من عملاء وأجراء من الحكّام أن يلصقوا بكلّ دعوة إلى تحكيم شرع الله في الأرض وإقامة الخلافة الإسلاميّة الراشدة وبأصحابها تهمة الإرهاب. فكان يمكن لهم أن يستعملها لهم عملاء يقوموا بتفجيرات واغتيالات مزعومة ليلقوا بالعلماء الشرفاء في غياهب السجون المظلمة، ويذيقوهم من العذاب الجسديّ والمعنويّ ما يشيب لهوله الولدان وتقشعر لجسامته الأبدان. وتطوّر في عقول الأعداء أكثر من ذلك، فهم حين أرادوا أن يلصقوا الإرهاب بالإسلام بأكثر من ذلك ساهموا في تسهيل وتأهيل من يُسمَّوْن باسم دولة الإسلام في بلاد العراق والشام قصدْتُ بها الاسم المختصر(داعش). وقد اعتمدت هذه الجماعات في كلّ عناصرها وقياداتها الأسلوب الإجراميّ المتشدّد في الدعوة للحكم الإسلامي المزعوم حيث تجسّد إرهاب الجماعة البعيد كلّ البعد عن الإسلام، إمّا بالجهل المطبق من أصحابه وإمّا بالترويض من أعدائه. فكان لذلك الإرهاب نماذج يُندى لها الجبين خجلًا، عبر الحرق والذبح والتنكيل ليس باليهود ولا الأعداء الحقيقيّين وإنّما بالمسلمين وأبناء الوطن المسالمين. وهكذا استطاع الأعداء أن يجدوا ما يروّجون له للعالم أنّ المسلمين من حولكم لو أنّهم حكموا وهذه الجماعة أنموذجًا لهم وتُرفَع رايتهم وتُطبِّق حتّى ما هو أدنى درجة في سُلَّم السُنَن عندهم، ومع ذلك فهي لا ترحم صديقًا ولا تعرف عدوًّا. ومن هنا يمكن القول أنّ الإرهاب الذي زرعه أعداء الإسلام وألصقوه بالإسلام دين السلام والوئام هو منه براء، ويشمل ذلك حتى فتوحات المسلمين والذي قال عنها أحد المؤرّخين الغربيّين قولًا منصفًا: (لم يعرف التاريخ فاتحًا أرحم من المسلمين). ومن لا يصدّق فليعد إلى وصايا الخلفاء الراشدين لمن أرسلوهم من الجنود فاتحين: (لا تقطعوا شجرة ولا تقتلوا طفلًا ولا شيخًا وإذا رأيتم راهبًا في صومعته فاتركوه وما يعبد).
والإرهاب الحقيقي هو الذي وجده الناس جميعًا في مشارق الأرض ومغاربها، ليس من زمن بعيد وإنّما في بداية الحروب العالميّة. حيث أنّ الأفعى الكبرى في العالم ـ قصدْتُ بها أميركاـ ألقت قنبلتين نوويّتين على بلاد اليابان. جعلت تلك الأماكن المستهدفة تتحوّل وأهلها إلى أرض محروقة، لا أثر فيها لحجر ولا بشر. ومن ثمّ أعطت هذه الأفعى لربيبتها دولة العدوّ الغاصب في فلسطين ليمارسوا الإرهاب المنظّم عبر ما جرى قديمًا ويجري حديثًا في أرض فلسطين السليبة ودُرَّتها غزّة الحبيبة، من إرهاب دولة مدجّجة بالسلاح والعتاد الحديث. وهي تمطر الأرض بالنار والبارود ولا تفرِّق بين طفل وشيخ وامرأة عجوز. وتحصد أرواح الأبرياء بالرصاص والقنابل والبارود. وبعد ذلك كلّه تقول نحن نقاتل الإرهابيّين الذين جاءوا من وراء الحدود ولم يجدوا من يصدقهم أو يسكت عن إرهابهم حتّى من هم من كانوا يومًا دعاة الوحدة والعروبة والصمود.
وإنّ من الواجب التعرّض له ما نشهده هذه الأيّام من إرهاب كمنهج للدول الظالمة العدوّة للإسلام وللإنسانيّة. فهي تصنِّف الإرهاب حسب مزاجها وما يخدم مصالحها. ولنا فيما يجري في غزّة من عام تقريبًا، وفي لبنان معها حاضرًا ما يوثِّق ويصدِّق كلامنا، حيث أنّ ماكينة التدمير الشامل والقتل بلا تفريق ولا تحقيق بين مدنيّ وجنديّ مقاتل هما السِمة للأعداء الصهاينة الإرهابيّين ومن يعاونهم. فهم قد هدموا البيوت على رؤوس أصحابها ولم يفرِّقوا بين عجوز قعيد ولا طفل وليد ولا امرأة حامل ولا طفل مسالم. فكيف يمكن وصف الإرهاب إذا لم يكن ذلك هو الإرهاب بعينه.
وأفضل ما يمكننا قوله وملخّص تعبيره أنّ الإسلام ليس دين إرهاب ولا سفك دماء بل هو دعوة الحقّ والسلام. وليس فيه إكراه ولا تعسّف، والتاريخ يشهد بذلك. ومن كان منصفًا حتّى من غير المسلمين يقرّ بذلك. والله يهدي إلى سواء السبيل والحمد لله ربّ العالمين.
المصدر : موقع مجلة إشراقات
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة