الشيخ محمد الغزالي ومئة عام على مولده
ومرت مائة عام على ميلاد عملاق كبير من عمالقة الفكر الإسلامي في العصر الحديث، الشيخ محمد الغزالي.
ولد الشيخ الغزالي في السبت 5 ذي الحجة 1335هـ، 22سبتمبر 1917م، وتوفي رحمه الله في السبت 20شوال 1416هـ/9مارس 1996م.
الشيخ محمد الغزالي والأستاذان سيد قطب ومحمد قطب يمثلون في رأيي أهم أقطاب الفكر الإسلامي في العصر الحديث.
ونعني بالفكر الإسلامي هنا: الفكر المستند على قواعد الأصول الإسلامية من قرآن وسنة، والمنطلق بعد ذلك في دروب التفكير العقلي والاستدلال النظري والحلّة اللفظية والبلاغية.
ونستطيع أن نقول: إن الكلام الذي تكثر فيه النصوص الشرعية مع التفسيرات المباشرة لها، دون سياحة عقلية واستدلالية، هو كلام شرعي فقهي علمي أكثر من كونه فكراً.
والكلام الذي يكثر فيه ذلك الاستدلال العقلي والفكري، مع الاعتماد على النصوص والأصول دون الإكثار منها، والتفسير المباشر لها هو كلام فكري أكثر من كونه علمياً وشرعياً وفقهياً.
وذلك الذي نقوله جرياً على ما يشبه الاصطلاح بين أهل العلم والفكر، والمهتمين في النظر لفنون الكتابة في دائرة النص الإسلامي.
الشيخ الغزالي كان مفكراً أديباً أكثر من كونه عالماً فقيهاً، وكانت أغلب معاركه معارك فكرية، ولم تكن فقهية إلا في النادر منها، وعندما نقرأ له فنحن نقرأ لمفكر أديب فيلسوف.
الشيخ الغزالي كان مفكراً أديباً أكثر من كونه عالماً فقيهاً، وكانت أغلب معاركه معارك فكرية، ولم تكن فقهية إلا في النادر منها، وعندما نقرأ له فنحن نقرأ لمفكر أديب فيلسوف
كان الشيخ الغزالي في بداية حياته واحداً من رموز جماعة الإخوان المسلمين، وكان من دعاتهم ومفكريهم الذين يشقّون طريقهم لقيادة الركب، قيادة الركب في التوجيه والرؤية، وإن لم يكن في القرار، ثم كان خطأ الشيخ الغزالي -رحمه الله- عندما أراد أن تكون له مقاليد القرار أيضاً، وقد تعجل في ذلك، ولو تريث قليلاً لصار الأمر إليه في النهاية، فالذين هم مثله لا بد أن تكون المرجعية كلها إليهم.
بعد موت الإمام حسن البنا، وتولي المستشار حسن الهضيبي منصب المرشد العام للإخوان المسلمين، كان الشيخ محمد الغزالي ممن ثاروا على ذلك ولم يرضوا به، بل وتآمروا في ذلك للانقلاب على المستشار الهضيبي، لكنهم أخفقوا في ذلك، وفُصلوا من الجماعة، وكتب الشيخ الغزالي منتقداً للجماعة ولقيادتها، لكنه عاد بعد ذلك لرشده، واعتذر عمّا بدر منه للمستشار الهضيبي، وصار إلى يوم وفاته علماً من أعلام جماعة الإخوان المسلمين، عالماً وموجهاً ومفكراً لها، وإن لم يكن منها كفرد من التنظيم. وقد مثّل الشيخ الغزالي في ذلك الصورة الأمثل لأولئك القادة والأفراد الذين تركوا تنظيم الإخوان، ثم ظلوا على وفائهم للفكرة والمنهج، وظلوا من أهم الرموز وصانعي الأفكار.
مثّل الشيخ الغزالي الصورة الأمثل لأولئك القادة والأفراد الذين تركوا تنظيم الإخوان، ثم ظلوا على وفائهم للفكرة والمنهج، وظلوا من أهم الرموز وصانعي الأفكار
كان الشيخ الغزالي من علماء قولة الحق، الذين لا يخشون في سبيلها لومة لائم، ولذلك كان من المكروهين من السلطة والسلطان على مدار كل الأنظمة والحكام.
في عهد الرئيس أنور السادات، ذاع صيت الشيخ كداعية، وخطيب، ومفكر، وكان إماماً وخطيباً لمسجد عمرو بن العاص، أكبر مساجد القاهرة ومصر وإفريقيا كلها. فأقاله السادات تحت ادعاء استخدامه لمنبر المسجد كمنبر سياسي.
وفي محاولة اغتيال الرئيس حسني مبارك في إثيوبيا في عام (1995م)، ولما عاد مبارك لمصر بعد نجاته من الموت، استقبله الكثيرون، وعقد مؤتمراً صحفياً، وكان على رأس مستقبليه أعلام الدعوة الإسلامية حينها،(الشيخ الشعراوي، والشيخ جاد الحق-شيخ الأزهر-، والشيخ محمد الغزالي).
وتحدث الشيخ الشعراوي إليه أمام وسائل الإعلام، وقال كلمته المشهورة: "إن كنت قدرنا فليوفقك الله، وإن كنا قدرك فليعنك الله على أن تتحمل".
هذا هو الجانب الظاهر من المشهد، لكن الجانب الذي لم يظهر، والذي يسجّل في سجلات التاريخ للشيخ الغزالي، هو ما حكاه بعد ذلك الشيخ حيث قال: "لما جلسنا مع مبارك في جلسة خاصة، أنا والشيخان الشعراوي وجاد الحق، وجّه مبارك حديثه إلينا وقال: "ادعوا لنا يا مشايخ، أنا أصحو كل يوم في الصباح، وهمي إطعام سبعين مليوناً".
فنظر إليه الشيخ الغزالي مغضباً وقال محتداً: "تطعم من!، أنت لا تستطيع أن تطعم نفسك، الله هو الذي يطعمهم ويطعمك".
فرد مبارك على الشيخ على استحياء واضطراب: "نعم يا شيخ، أنا لم أقصد".
ثم همّ الشيوخ بالخروج، فخرج معهم مبارك مودعاً، وصمم على فتح باب السيارة بنفسه للشيخ الغزالي!
هكذا حكى الشيخ الغزالي لخلصائه، وحكوا هم من بعده لنا.
كان الشيخ الغزالي من دعاة إعمال العقل إلى أبعد حد، وكان من معارضي التقليد والتبعية إلى أبعد حد كذلك، وكانت هذه النقطة هي أكثر ما جر عليه عداء التيارات الظاهرية في تفسير النصوص، وتيارات التقليد المذهبي.
كان الشيخ الغزالي من دعاة إعمال العقل إلى أبعد حد، وكان من معارضي التقليد والتبعية إلى أبعد حد كذلك، وكانت هذه النقطة هي أكثر ما جر عليه عداء التيارات الظاهرية في تفسير النصوص، وتيارات التقليد المذهبي
كانت بعض التيارات الإسلامية من أكثر من يتربص بالشيخ، ويتربص الشيخ بها، يأخذون عليه إيغاله في العقلانية إلى حد نقد الواضح القاطع من النصوص، ويأخذ هو عليهم الاهتمام بالقشور والظواهر، واعتماد فقه كان يسميه هو (الفقه البدوي).
ويراه فقه بيئة لا يصلح لكل البيئات، ولا يصح في عصرنا الحديث إلا أن نبحث عن فقه يناسبه، على أن يُستقى من النصوص والأصول، ويراعى في ذلك ظروف العصر ومتغيراته.
من أكثر ما اتُّهم به الشيخ الغزالي تجرؤه على رفض أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم؛ لمجرد مخالفتها الظنية للعقل والعلم، غير أنه لم يكن كذلك مطلقاً، بل كان الشيخ الغزالي من المدافعين عن السنة إلى أبعد حد، ويرى مع ذلك تنقيحها وتنقيتها من العلائق والشوائب .
ومن أكثر كتبه التي أثارت اللغط حوله وحول منهجه في هذه النقطة، كتابه (السنة النبوية بين أهل الفقه وأهل الحديث)، وما زال يثير هذا الكتاب اللغط والمعارك، وما زالت الردود تتوالى عليه.
وخلاصة رؤية الشيخ الغزالي في هذا الكتاب، هو أننا لا بد أن نفرق بين أهل الحديث الذين يتمحور عملهم في رواية الحديث، والكلام حول صحته من حيث الرواة والسند، وبين أهل الفقه الذين يأخذون مادة الحديث، وينظرون فيها بعين الفقه والمقاصد؛ لاستخلاص المقصود والمفروض.
ويرى أن أكبر جناية على الإسلام أن نخلط بين الصناعتين والفريقين، فنعمد بالفقه وأصوله إلى أهل الحديث والرواية.
عندما نقرأ للشيخ الغزالي، يتبين لنا من أول وهلة أننا نقرأ لفيلسوف مفكر أديب، فالأفكار وتسلسلها والجدال العقلي المنطقي، والحلة اللفظية البديعة، لكننا سنجد أن أغلب كتب الشيخ تنقصها وحدة الموضوع، فأغلب كتبه عبارة عن تجميع لمقالات كُتبت في مواضيع شتى، أو مواضيع متقاربة متشابهة، أما أن تجد كتاباً يعالج قضيةً واحدة من أوله إلى آخره، فهذا هو القليل النادر، وسنجد إسهابات كثيرة، واستطرادات عديدة، وتكراراً كبيراً.
أغلب كتب الغزالي عبارة عن تجميع لمقالات كُتبت في مواضيع شتى، أو مواضيع متقاربة متشابهة، أما أن تجد كتاباً يعالج قضيةً واحدة من أوله إلى آخره، فهذا هو القليل النادر، وسنجد إسهابات كثيرة، واستطرادات عديدة، وتكراراً كبيراً
وقد كان للشيخ حال مع مقدمات كتبه، حتى أنه قد جُمعت مقدمات هذه الكتب في كتاب، وقدّم لها الشيخ الغزالي، وتحدث في مقدمته هذه عن عيبه في كتاباته الذي ودّ لو تداركه، وهو التكرار، وعدم وحدة الموضوع في أغلب كتبه كما أسلفنا.
رحم الله الشيخ محمد الغزالي! وأجزل له العطاء والثواب على خدمته للإسلام وأمته، فلقد أحيا الله به وبأقرانه الدين، وجدده في نفوس المؤمنين به، وما يزال الله يبعث المجددين لهذا الدين عصراً بعد عصر، حتى يظل هذا الدين الخاتم ديناً حيّاً نابضاً قوياً، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
المصدر : موقع بصائر
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة