العربية... لغة لن تموت في حوار مع د. محمد حسان الطيان
رغم كلِّ التحديات التي واجهت اللغة العربية، ورغم كلّ المحاولات التي لم تنقطع بشكلٍّ حثيث عن إظهار العربية بمظهر الضعف والقصور، أثبتت لغة قرآننا الكريم - تلك اللغة المكرمة - وجودها وفاعليتها... لكن التحدي الكبير الواجب علينا العمل بجدٍّ تجاهه هو ضعف ارتباط أبناء العربية بها، وتقصيرهم تجاهها...
حول التوجيهات الصحيحة لعلاقة العرب بلغتهم كان لنا الحوار التالي مع د. حسان الطيان.
ضيفنا في سطور
سوري من مواليد دمشق1955م، متزوج وله أربعة أولاد.
عضو مراسل بمجمع اللغة العربية بدمشق.
أستاذ مشارك في الجامعة العربية المفتوحة بالكويت.
والمنسِّق العام لمقررات اللغة العربية فيها.
له العديد من المؤلفات، منها: «كيف تغدو فصيحاً» و«جماليات اللغة العربية» وغيرها.
1. «منبر الداعيات»: نلحظ انحساراً في استخدام اللغة العربية، إذ يمارسها العرب بشكل غير صحيح فضلاً عن تقهقر بلاغتها وفصاحتها، فما الأسباب؟ وما الحلول برأيك؟
أسباب التقهقر كثيرة جداً، أكثرها اتصالاً بنا فساد المؤسسة التعليمية؛ فمهنة التعليم
باتت مهنة مَنْ فَشِل في حياته، فمن يدخلون فرع اللغة العربية إنما يدخله لأن درجاتها أجبرته على ذلك فلم يستطع أن يدخل قسماً آخر؛ ينبغي أن يدخل قسم اللغة العربية من أن يكون عاشقاً لها لا دخيلاً عليها.
ومعلوم أن الطالب إذا لم يحب اختصاصه فلن يُبدع فيه، ولن يكون شأنه فيه شأن المبدع الذي يعشق اختصاصه، حيث ترى العجب لإبداعاته وإتقانه وتمكّنه،
ومن ثم ترى العجب في تعليمه لهذه اللغة بحيث ينقل عشقه لطلابه فتغدو اللغة على ألستنهم
أغنية لا ضريبة تُفرض عليهم وكلفة ينفرون منها ويتقاذفونها ويتجنبونها.
كما أن المسألة ينبغي أن تبدأ باختيار المدرِّس الكُفء العاشق للعربية المتمكّن
من قراءة القرآن ترتيلاً وتجويداً وفهماً وإدراكاً للمرامي والبلاغة، ثم بإعطاء المعلم
حقه بالراتب الذي ينبغي أن يكفيه.
2. «منبر الداعيات»: بوصفك عضواً مراسلاً في مجمع اللغة العربية بدمشق: إلى أي مدى استطاعت المجامع أن تقوم بدورها في حماية لغة الوحي؟ وكيف تقوّم قدرتها على المواكبة والمسايرة لكلّ مستجدات العلم والتكنولوجيا من خلال تعريب مصطلحاتها؟
المَجامع قامت بدور عظيم، والمطلوب منها أكثر من ذلك؛ فمهمتها تتعدى حدود جدران المَجمّع لتخرج إلى فضاء المجتمع بإعلاناته... بمطبوعاته... بتدريسه... في ظني أن مهمة المَجمع أن يبسط سلطته ومراقبته على كل ذلك حتى نُنَقّيَ هذه البيئة التي لُوثت تلويثاً عجيباً،
وحتى نضمن الأمن اللغوي وهو أَوْلى بكثير مما يبحث عنه بعض الساسة من وجوه الأمن الأُخرى.
3. «منبر الداعيات»: بوصفك أستاذاً مشاركاً في الجامعة العربية المفتوحة بالكويت، والمنسِّق العام لمقررات اللغة العربية فيها، نريد أن نتعرّف - بحسب تقويمك - على واقع اللغة العربية بين طلاّب هذه اللغة العظيمة?
واقع اللغة بين طلابها أليم، وأنا واحد ممن يعاني من مشكلة تدريس اللغة العربية.
قد أعاني أكثر من غيري لأنّي أدرِّس العربية لغير المختصصين، وهذا بلاء في الحقيقة بُليت به.
لأن الطالب ليس مقتنعاً للأسف بلغته، وليس حريصاً أبداً على إتقانها...
هو حريص على أن يأخذ المقرّر وأن ينجح فيه بأي شكل من الأشكال.
فالواقع بين صفوف الطلبة أليم جداً يحتاج إلى المزيد من الوعي أولاً، وإلى المزيد من المعالجة. ونسأل الله سبحانه وتعالى العون، ونسأله تعالى أن يلهمنا سبلاً سليمة لتأدية هذه المهمة
التي نحملها على عاتقنا، والله المستعان.
4. «منبر الداعيات»: برأيك بعد كل المتغيرات والمستجدات المعاصرة: كيف ننمّي تذوّق جيل العصر الإلكتروني - أطفاله وشبابه - للغة العربيـة الفصيحـة وقدرتَه على استخدامها وإكسابها الجاذبية؟
من سبُل التنمية أن نعرض دائماً لجماليات اللغة العربية، مُضيفين بعض الطُّرف،
وهي تذكرة رائعة يمكن أن تُحكى على مسامع الطلاب فتشدّهم وتجعلهم أكثر شوقاً لدروس اللغة العربية.
5. «منبر الداعيات»: تفشّى استخدام اللهجة العامية في مجتمعاتنا، فلم تَسْلم منها النصوص الأدبية سواء بشكل جزئي أو كلّي، فهل يستوعب الأدب مفردات وتراكيب العامية؟
وعلى من تقع المسؤولية في تنامي استخدامها؟
أزمتنا أزمة إنسان لا أزمة لسان. العربية برغم الأخطار المُحدِقة بها بخير، يحتاج لمن يستخرجه... فربنا سبحانه وتعالى حفظها بحفظ أهلها لها أيضاً...
ينبغي أن تكون النهضة على المستوى الفردي والاجتماعي الرسمي والدولي،
فإنّ الله يزَع بالسلطان ما لا يزَع بالقرآن», كما قال سيدنا عثمان رضي الله عنه؛
فمسؤولية الفرد مسؤولية عظيمة وكذلك مسؤولية المجتمع، ولكن مسؤولية الدولة أعظم،
وهي التي يمكن أن تأخذ الأمر بحزم ليس معه أي تراخ، فتسنّ تشريعات من شأنها أن تحفظ لنا وعلينا لغتنا الإعلامية، كأن تسمح بمحاسبة الأدباء على استخدامهم العاميّة بنصوصهم.
6. «منبر الداعيات»: كيف يمكن للغة العربية أن تصمد في زمن عولمة الثقافة وسيادة اللغة الإنجليزية؟
السبيل للنهوض بلغة القرآن هو أن نتمسك بها فلا نتخلى عنها أبداً، ومن السبل التي
تَحضُرني أن لا تُغرينا المدارس الأجنبية. ومن المؤسف أن بعض أرباب اللغة العربية يضعون أولادهم في مدارس إرسالية مبرّرين ذلك بضمان مستقبلهم!
وجمعية الاتحاد الإسلامي عندها مشروع عظيم - وهو المدرسة الدولية - آفاق تسعى إلى ترسيخ دعائم العربية والشريعة في نفوس الطلبة والسموّ بأخلاقهم الإسلامية،
بالإضافة إلى أنه يصبو إلى تعليم متميز راقٍ، فأنا لستُ أبداً ضدّ تعليم الفرنسية والإنكليزية،
بل أنا مع إتقان اللغة الأجنبية إتقاناً لا يشوبه خلل، ولكن ينبغي أن لا يكون ذلك على حساب لغتنا العربية أبداً.
7. «منبر الداعيات»: ما السبيل للنهوض بلغة القرآن الكريم من كبوتها، واستعادة الثقة بقدرتها على مواكبة التطور والتحديث، وعلى تقوية الأمة وتوحيدها؟
والله هذه لغة لن تموت بإذن الله، فهي لغة خالدة ما دامت السموات والأرض والجبال حتى
يرث الله الأرض ومَنْ عليها. واستعادة الثقة بقدرتها على مواكبة التطور الحديث تحتاج إلى
عمل وجدّ، وإلى أن نأخذ الكتاب بقوة صغيرنا وكبيرنا عالمنا ومتعلمنا مسؤولنا ورعيتنا، فالمسؤولية مشتركة بين الجميع وهي: رفع راية اللغة العربية حتى تعود إلى سلطانها القديم
يوم كان الناس كلما أرادوا أن يتعلموا شيئاً أو يطوروا أنفسهم يُقال لهم لا بدّ أن تتعلموا
العربية أولاً؛ فزاد المعرفة هو العربية.
في الختام، نشكر د. الطيان على هذا الحوار الطيِّب.
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة