.كاتبة من غزة . عضو رابطة الكتّاب والأدباء الفلسطينين. كاتبة في صحيفة فلسطين اليوم
الرواية العربية بين الأدب والتجارة!
من المعروف أن الرواية من أرقى الأجناس الأدبية التي تنقل الواقع، وتناقش قضاياه، بعد أن هيمن الشعر على الساحة الأدبية العربية لحقبة طويلة.
من الملاحظ أن هناك تزايداً ملحوظاً في الإنتاج الروائي في السنوات الأخيرة، وربما يؤول ذلك لتعدد دور النشر من ناحية، واهتمام الجمهور بالفن الروائي من ناحية أخرى، وركض بعض الكتاب نحو المادة وهي الناحية التي تعد من أخطر ما يواجه الجنس الأدبي، حيث يصبح الأدب مادة للبيع والشراء، لا يُعول عليه نقل رسالة ما، وبلوغ هدف سامٍ، بل يصبح مادة تجارية، همها الأول زيادة حجم المبيعات، ليس بسبب التذوق الأدبي من الجمهور، بل بطريقة الجذب الرخيص، حيث تُغلف ( قلة الأدب) بغلاف الأدب، والمسمى( رواية)... هذا النوع الرخيص الذي لا يهتم بأدنى تقنيات العمل الأدبي، بل يكون ركيكاً من هذا الاتجاه. جل اهتمام هذا النوع هو إغراق القارئ في عبثيات الحياة التي تشغله عن واقعه، وتدني منه ثقافات دخيلة لا تمت لثقافتنا بصلة، ولا لأخلاقنا وديننا بوصفنا مسلمين.
أصبحت بعض الروايات، ونقول: بعض_رغم وجود كم هائل من هذا النوع_ تركز على الإباحية، والعلاقات المحرمة، وتغوص في منحدرات الألفاظ، وهي أقرب ما يكون للغة الشارع المنفلت الضائع... لا أخلاقيات، لا انعكاس للواقع، لا ثقافة... وكأن المواطن العربي خالي البال من كل الهموم، فلا قضايا وطنية، ولا قومية، ولا مشاكل اجتماعية بما فيها أحلام الشباب، البطالة، الفساد الاجتماعي... كله ينحصر في تأجيج شهوة الشباب، وحصر تفكيرهم بما يقع بين دفتي أدب السوق.
ما نعانيه اليوم هو فرط في الكم الروائي مع تدني الجودة، فالتركيز على الكم وليس الكيف اصبح هاجساً لمن يتاجرون بالعقول تحت مسمى الأدب.
الكارثة لا تكمن هنا فقط، بل أيضا تكمن في إلصاق مسمى( الأديب فلان، صاحب الرواية...) فقد أصبح ذاك التاجر بتجارته غير الأخلاقية أديباً، وصار العبث الذي خطه يسمى رواية.
إن انعقاد حفلات التوقيع التي نسمع بها كل يوم تجعلنا نتساءل عن هذا الكاتب أو ذاك، ومتى نضجت أدبيته، وكيف ظهر فجأة بلا مقدمات، وهل في إنتاجه الأدبي ما يستحق أن يُقرأ؟ أم أنها مجرد ضجة لتسليط الضوء على بقعة نراها مشعة، ثم لا تلبث بعد مدة أن تنطفئ!
إن الأدب كي ينضج يحتاج عمراً عقلياً، لا يرتبط بالسن بقدر ما يرتبط بالمحاولات والتجربة والموهبة والقدرة اللغوية والقدرة على الإبداع.
للأسف الشديد، الأدب المنحدر في تقدم مستمر، يغزو السوق والعقول، والأدب الملتزم في تراجع، فقلة قليلة من تلتزم بقضايا المجتمع الحقيقية، وقضايا الواقع.
فالأدب الآن يغرد خارج السرب، ونقصد بالسرب: ضوابطنا وثقافتنا وواقعنا... بعضهم يسميها جرأة وانفتاحاً وتواصلاً حضارياً، وفي الحقيقة هو غير ذلك. هو إغراق العقول في لهو وقضايا لا تشبهنا، ولا تشكل ظواهر مجتمعية عندنا، بل وتجرهم نحو انحدار فكري وتأخذهم من واقعهم وتغذي فيهم اللامبالاة، وتعمق لديهم ركاكة الثقافة.
نحتاج أدباً بما في الكلمة من معنى، أدباً يزيد مخزوننا الثقافي، ينمي قدراتنا، يضيف إلينا، ولا يأخذ منا. نحتاج أدباً راقياً يكن حجة لنا لا علينا، الكم لا يعنينا، بل يعنينا الكيف، وكتّاب التجارة الرخيصة عليهم أن يكفوا، فسيسألون عما كتبوه، وما أحدثوه في العقول.
ونتساءل هنا: لم لا يكون هناك رقابة ثقافية على الإصدارات المكتوبة؟ على الأقل تنحية أكثرها سوءا ... عصر السرعة والتكنولوجيا لا يعني الانفلات من مجال الأصالة... إن كنت ترى نفسك أديباً، فانظر ماذا أضفت وماذا ستضيف للعالم من حولك!
المصدر : موقع إشراقات
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن