حدود طاعة الزوجة لزوجها
كتب بواسطة الشيخ محمد سالم بحيري
التاريخ:
فى : في رحاب الشريعة
7835 مشاهدة
ما حدود طاعة المرأة لزوجهــــا ؟ ( السؤال مختصر )
ج / الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله ، أما بعدُ؛
فهذا سؤال يتكرر هذه الأيام .
وهنا أمران، نصيحة للرجالِ والنساء، ثم بيان المسئول عنه .
أما النصيحة: فإنَّ القانون الذي يجبُ أن تبنى عليه بيوتُ المسلمين ليس هو (عليَّ كذا، وعليكَ كذا)، وإنما تبنى على قول ربنا سبحانه: (ولا تنسوا الفضلَ بينكم)، تبنى على قولِ ربنا سبحانه: (هل جزاء الإحسان إلا الإحسان) .
ذلك القانونُ الذي يجعلُ أمَّ سلمة رضي الله عنها لمَّا ماتَ عنها زوجُها، علمها النبيُّ صلى الله عليه وسلم ما تدعو به في المصبية، فقال: (إذا أصابت أحدكم مصيبة، فليقل: إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم عندك أحتسب مصيبتي، فأجرني فيها، وأبدلنا بها خيرًا منها)، فقالت: (إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم عندك أحتسب مصيبتي، فأجرني فيها) فلمَّا أن أرادت أن تقول: (وأبدلني بها خيرًا) قالت في نفسها: (ومن خيرٌ من أبي سلمة) .
فأيُّ خيرٍ كان عليه أبو سلمة رضي الله عنه لتقولَ زوجتُه عنه زوجتُه بعد مماتِه: (ومن خيرٌ من أبي سلمة) .
ذلك القانون الذي يجعل صديقة عائشة رضي الله عنها تقول واصفة زوجها: (إن دخل فهد، وإن خرج أسد، ولا يسأل عما عَهِد)، يعني: أي: إذا دخلَ البيتَ فإنه يتغافلُ عمَّا يراه من تقصيرٍ، أما إذا خرجَ فإنه أسد، أي: كالأسد في الجرأة والإقدام والمهابة، ولا يسأل عمَّا عهد يعني: إذا جاء بشيء لبيته لا يسأل عنه بعد ذلك، فليس ذلك من صنيع أهل الكرم والمروءة.
وتقولُ الأخرى واصفة زوجها: (وبجَّحَني فبجحت إلي نفسي .. أقول فلا أقبح، وأرقد فأتصبح، وأشرب فأتقنح) .
(بجحني فبجت إليَّ نفسي) يعني: أفرحتني وأسعدني، وملأ أذنيَّ بالكلام الحسن الذي تحسن به نفسي في عيني، على النحو الذي يكون من المحبة بين الرجل وامرأتِه من كلام الثناء والغزل.
(أقولُ فلا أُقَبَّح) أي: أتكلم على راحتي وسجيتي، فلا يقبح قولي، ولا يوبخني من أجلِه.
(وأرقد فأتصَبَّح) أي: أنام الصبحة، وهي نوم أول النهار، فلا أوقظ، وهي إشارة إلى أنَّه يكفيها مؤنة بيتها ومهنة أهلها.
ذلك القانون الذي يجعلُ أمَّ الدرداءِ رضي الله عنها تقولُ: (اللهم إنَّ أبا الدَّرداء خطبني فتزوجني في الدنيا، اللهم فأنا أخطبه إليكَ، وأسألك أن تزوجنيه في الجنة) .
فأيُّ حالٍ كان عليها أبو الدرداءِ لتقولَ أمُّ الدرداءِ ذلك، تخطبُ أبا الدرداء رضي الله عنه من الله في الجنة.
وهذا ليس حالَ الرجالِ فقط، بل حال النساءِ مثلُه في الإحسانِ، فما جزاءُ الإحسان إلا الإحسان.
تقولُ زوجة سعيد بن المسيّب رضي الله عنهما: (ما كُنَّا نكلِّم أزواجَنَا إلا كما تكلموا أمراءكم: أصلحك الله، عافاك الله).
ذلك القانون الذي يجعلُ أسماءَ بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنها وعن أبيها تصنع ما ليس بواجبٍ عليها، فتقولُ: (تزوجني الزبير وما له في الأرض مال ولا مملوك غير ناضح وغير فرسه قالت : (فكنتُ أعلفُ فرسه، وأكفيه مُؤنته، وأسوسُه، وأدُقُّ النوى لناضحِه، وأعلفه، وأستقي الماء، وأعجن، ولم أكن أحسن أخبز، فتخبز لي جاراتٌ لي من الأنصار، وكنَّ نسوة صدق، وكنتُ أنقلُ النوى من أرض الزبير التي أقطعه رسول الله صلى الله عليه و سلم على رأسي، وهي ثُلثا فرسخ.
ذلك القانون الذي يجعلُ الإمام أحمدَ بن حنبل رحمه الله يقول: (أقامت معي أمُّ صالح ثلاثين سنة، فما اختلفتُ أنا وهي في كلمة).
وهذا الذي نقصُّه عليكم ليس مثاليّات، والله لقد أدركتُ من أقاربي أكثر من امرأة تقولُ لي نحو قولة الإمام أحمد رحمه الله ورضي عنه .
فهي ليست مثاليّات بعيدة.
إنما حملهم ذلك طيبُ الطباعِ وحسن الأصول ومروءة الرجالِ ولينُ النساء وعلمهنَّ بدورهنَّ.
فالحياة الزوجية لا تقومُ على قولكما: (حقِّي وحقك) .
إنما يتعاشر الناسُ بالمعروفِ، إنما يتعاشر الناس بالمعروف .
قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: (وجماع المعروف بين الزوجين: كف المكروه، وإعفاء صاحب الحق من المؤنة في طلبه، لا بإظهار الكراهية في تأديته، فأيهما مطل بتأخيره.. فمطل الغني ظلم بتأخيره) .
وقوله: (كفُّ المكروه) هو: أن لا يؤذي أحدُهُما الآخرَ بقولٍ ولا فعلٍ، ولا يأكل أحدهما ولا يشرب ولا يلبس ما يؤذي الآخر.
وقوله: (وإعفاءُ صاحبِ الحقِّ من المؤونة في طلبه): إذا وجب لها على الزوج نفقة أو كسوة.. بذله لها، ولا يحوجها إلى أن ترفعه إلى الحاكم، فيلزمها في ذلك مؤونة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (مطل الغني ظلم)، وكذلك: إذا دعاها إلى الاستمتاع.. لم تمتنع.
وقوله: (لا بإظهار الكراهية في تأديته) : إذا طلبت الزوجة حقها منه أو طلب الزوج حقه منها.. بذل كل واحد منهما ما وجب عليه لصاحبه وهو باشُّ الوجه ضاحك السن؛ فخياركم خياركم لنسائهم.
هذا القانون الذي علينا أن نبني عليه حياتنا، الإحسان لا الندية .
أما عن مسألة (حدود طاعة المرأة لزوجها)
فقد نصَّ الفقهاءُ على أن طاعة الزوج ليست مطلقة في كلِّ أمرٍ، وإنما يجبُ على المرأة طاعة الزوجِ في أمورٍ: أن يكونَ المأمورُ به واجبًا مجمعًا على وجوبِه، أو واجبًا في اعتقادِ الزوجة، أو له تعلقٌّ بحق الزوج في أصل الاستمتاع أو كمالِه، أو له تعلق بالولد، لذلك نصُّوا على وجوب طاعة الزوج في أمرها بترك شرب الخمر وأكل لحم الخنزير؛ وعللوه بكونه مجمعًا عليه، ونصٌّوا على أن ما عطَّل حقه في أصل الاستمتاع أو كماله حرم عليها، كصيامِ تطوعٍ مطلقٍ واستئجارٍ وخروج من البيت بغير إذنه، بخلاف صيام راتب كعرفة وعاشوراء ومبادرة بالصلاة أول وقتها؛ لأن مثل الصيام لا يتكرر وقوعُه، والمبادرة بالصلاة لقلة زمانها لا تؤثر على حقه.
أما المباحات التي تصنعها الزوجة في بيتها = فالأصل أنه ليس للزوجِ منعها منها، فقد نصَّ الفقهاءُ على أنه ليس له المنعُ من مباحٍ لا يضرُّ حقه داخل البيت كاشتغالها بغزل وخياطة.
فدلَّ ذلك على أن موجب الحكم بوجوب طاعة الزوج ليس مطلق أمره، بل أمورٌ أربعة هي موجِبات الحكم بوجوب طاعة الزوج: كونُ المأمورِ به أو المنهيّ مُجمعًا عليه وجوبًا أو حرمة، أو في اعتقادِ الزوجة، أو له تعلق بأصل الاستمتاع أو كمالِه، أو كان له تعلق بالولد.
بقي أمرٌ رابعٌ هو ظاهرٌ عندي من كلام فقهاء أصحابنا الشافعية، وهو كونُ المأمورِ به المختلف في حكم له تعلقٌ بغَيْرَتِه وحشمتِه، نحو أمر الزوج زوجتَه بالنقابِ مثلًا في خروجها من البيت، فإنَّ هذا لما تعلق بغيرتِه وحشمته وجب الطاعة فيه.
أما عمَّا ذكرته في السؤال من قولك فيما لو قال لها: (متعرفيش صاحبتك دي) فالأصل أنها لا يجب عليها مقاطعة صديقتها في ذلك، ولكن من حقه أن يمنع صديقتها تلك من دخولِ بيته، ثم خروجُ زوجته من بيتِه إلى صديقتها مقيّد بإذنه؛ لأنَّ الزوج قد ينهى امرأته عن ذلك لا تعسفًا، وإنما لكون يراها امرأة مُخبّبة مُفسدة، أو امرأة لها عينُ سوءٍ وحسد، ونحو ذلك.
وقد سُئِلَ إمام دار الهجرة مالكٌ رضي الله عنه عن الرجل يتهم ختنته (يعني: حماته) بإفساد أهله فيريد أن يمنعها عن الدخول عليها ؟
فقال: يُنظر في ذلك؛ فإن كانت متهمة مُنِعَت بعض المنع ولا كلّ ذلك، وإن كانت غير متهمة لم تمنع الدخول على ابنتها .
هذا في "حماته"، فما بالك بصديقة تخببُ امراة على زوجها، أو تحسدهما، أو تمكر لهما.
الخلاصة: أنها لا يجب عليها مقاطعتُها ديانةً، ولكن دخول صديقتها إلى البيت مقيد بإذن الزوج، ويحرم أن تدخلها إلا بإذنه أو علمٍ برضاه، وكذلك خروجُ المرأة من بيتها مقيّد بإذن زوجها.
وأما قوله لها: (متعمليش شعرك كده) فيجبُ عليها طاعتُه في ذلك؛ إذ هذا له تعلق بحقه في الاستمتاع، وقد يكره طريقة معينة في تمشيط الشعر أو شكلِه، وكل ما تعلق بأمر الزينة يجب طاعة الزوج فيه؛ ما لم يكن محرمًا إجماعًا، أو في اعتقادِ الزوجة.
وأما قوله: (متقرأيش الكتاب ده، و لا قومي ف نص الليل اعملي اكلي) فلا يجب طاعتُه في هذين الأمرين.
فالزوجة حرّة في هذا الأمر، تقرأ ما شاءت، ما دامت لا تضر حق الزوجِ بالانشغال عن حقه في الفراش.
وأما الخدمة فلا تجبُ عليها عند أصحابنا الشافعية وجمهور الفقهاء (وأريد أن لا يقص النساءُ هذا فيستأسدن به على الرجال، ولا تنسوا الفضل بينكم) .
هذا إجمالًا، أما عن تفصيل الأمورِ التي تجب طاعة الزوج فيها، فإنها عشرُ حالات:
الحالة الأولى: إذا أمر الزوجُ زوجتَه بواجبٍ أجمَع العلماءُ على وجوبِه، كأن يأمرها بالصلاة المفروضة ونحوها، أو ينهاها عن محرَّمٍ أجمَعَ العلماءُ على تحريمِه، وطاعتُه هنا فرعٌ عن طاعة الله سبحانه، وعلى العكس من ذلك؛ فلو أمرها بترك الواجبِ أو فعل المحرم حرمت طاعتُه في ذلك؛ إذ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
وقد نصَّ على هذه الحالة أصحابنا الشافعية، فنصُّوا على أن للزوجِ منعُ زوجَته من شرب الخمر وأكل لحم الخنزير وسائر المحرمات.
الحالة الثانية: إذا أمَرَ الزوجُ زوجتَه بتأخير واجبٍ وجوبُه على التراخي مع امتدادِ زمانه .
مثالُ ذلك: أن يأمر الزوجُ زوجتَه بتأخير قضاءِ الأيام التي أفطرتها من رمضان بعذر، فيجبُ عليها طاعتُه؛ لأنَّ وجوبَ ذلك على التراخي لا على الفور.
قد صحَّ عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: «كانَ يكونُ عليَّ الصومُ من رمضان، فما أستطيع أن أقضي إلا في شعبان»، قال يحيى راوي الحديث: للشغل برسول الله صلى الله عليه وسلم.
فقد كانت تُؤخر قضاءَ الأيام لشغلها بحقِّ رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ولكن نحنُ قيَّدنا وجوبَ الطاعة بقيدين.
القيدُ الأوَّلُ: أن يكونَ الواجبُ الذي يأمُرُها بتأخيره واجبًا على التراخي .
القيدُ الثاني: أن يكون ممتدَّ الزمان .
فدلَّ القيدُ الأول على أنه لو أمرها بتأخير واجبٍ وجوبُه على الفور لم تجب طاعتُه، بل تحرم طاعتُه في ذلك؛ كما لو أمرها بتأخير صيامِ أيامٍ عليها من رمضان أفطرتها لغير عذرٍ، في هذه الحالة لا تجب طاعتُه، بل تحرم؛ لأن وجوب قضاء الأيام التي أفطرتها بلا عذر على الفور لا على التراخي.
ودَلَّ القيدُ الثاني – أي وقولنا: «مع امتداد زمانه» على أنها لا يجب عليها طاعتُه في الواجب الذي على التراخي مما لا يمتد زوجته، فليس به أن يمنعها من المبادرة بأداء الصلوات الخمس؛ لأن زمنها لا يمتد .
وقد نصَّ عليه أصحابنا الشافعية، قال النوويًّ رحمه الله: «وهل له منعها من المبادرة بها في أول الوقت وجهان، الأصحُّ المنصوصُ: ليس له؛ لأنَّ زمنَهَا لا يمتدُّ، بخلاف الحج».
الحالة الثالثة: إذا أمرَ الزوجُ زوجته بتركِ تطوُّعٍ مطلقٍ، فيجب عليها طاعتُه في هذه الحالة، كأن يأمُرُها بترك صيام التطوع المُطْلَق أو النوافل المطلقة .
ودليلُ ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم في «صحيح مسلم»: «لا تصم المرأةُ وبَعْلُهَا شاهدٌ إلا بإذنِه»؛ فدلَّ على تحريم صيامها التطوع بغير إذنه، والحديثُ محمولُ على التطوع المطلق، أما فرض رمضان فلا يجوزُ منعها منه إجماعًا، وكذلك يوم عرفة وعاشوراء ونحوه مما لا يكثر وقوعُه فليس له منعها منه، بخلاف الاثنين والخميس فله منعها منه، ومثل صومِ عاشوراء وعرفة سُنَنُ الصلاة الراتبة؛ فليس له منعها منها على الأصحِّ .
قال النوويُّ رحمه الله «وفي السنن الراتبة وجهان، أصحُّهما: ليس له منعها لتأكدها، وله منعها من تطويلها، وصوم يوم عرفة وعاشوراء كرواتب الصلاة، وصوم الاثنين والخميس كالتطوع المطلق فله منعها قطعًا».
الحالة الرابعة: إذا أمرَ زوجتُه بما يتعلق بإزالة كلِّ مُنَفِّرٍ عن كمال الاستمتاع، وذلك نحو أن يأمر الزوجُ زوجتَه بغسل حيض أو نفاسٍ وإزالة وسخٍ وريح كريه وحلق عانة وقص أظفار تستفحش ونحوه من المُنفرات عن كمال الاستمتاع، وكذا تجب طاعته في غسل ما نجس من أعضائها أو شيء من بدنها؛ لتوقف كمال التمتع على ذلك.
وقد نصَّ على ذلك أصحابنا، قال الرمليُّ رحمه الله: «(وتُجْبَر) كحليلة مسلمةٍ، أي: له إجبارها (على غسل حيض ونفاس) عقب الانقطاع لتوقف الحل للوطء عليه ... (وكذا جنابة) أي غسلها ولو فورًا ... (وتركِ أكلِ خنزيرٍ) ... ونحو بصلٍ نيء وإزالة وسخٍ وشعرٍ ولو بنحو إبط وظفر وكل مُنَفِّرٍ عن كمال التمتع ... لما في مخالفة كل ما ذكر من الاستقذار».
الحالة الخامسة طلب الزوج زوجتَه للجماعِ، فيحرمُ عليها عصيانُه في ذلك، وهو كبيرة من الكبائر؛ لنصِّ الشارع على اللعن فيها، فقد أخرج البخاري ومسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا باتت المرأة هاجرة فراش زوجها لعنتها الملائكة حتى تصبح»، ويستثنى من ذلك ما لو كان لها عذرٌ في الامتناع، كأن كانت حائضًا، فيحرمُ عليها تمكينه، أو كان بها مرضٌ يضرُّ معه الوطء فيحلٌّ لها الامتناع، ونحو ذلك من الأعذار.
الحالة السادسة: ما يتعلق بالخروج من مسكن الزوجيّة، فلا يجوزُ لها الخروجُ من مسكن الزوجية إلا بإذنه أو علمها برضاه.
ويستثنى من ذلك: ما لو احتاجت إلى الخروج لاستفتاءٍ في أمرٍ دينها لم يغنها عنه الزوج، أو خرجت للشكوى إلى القاضي من ضررٍ، أو خرجت لتُحَصِّلَ نفقة أعسر بها الزوج، فيجوزُ في ذلك أن تخرج بغير إذنه.
قال الخطيبُ الشربيني رحمه الله: «يجبُ على المرأة تعلمُ ما تحتاج إليه من أحكام الحيض والاستحاضة والنفاس، فإنْ كانَ زوجُها عالمًا لزمه تعليمها، وإلا فلها الخروج لسؤال العلماء، بل يجب، ويحرمُ عليه منعُهَا إلا أن يسأل هو ويخبرها فتستغني بذلك، وليس لها الخروج إلى مجلس ذكر أو تعلم خير إلا برضاه».
وقال أيضًا: «والنشوز: هو الخروج من المنزل بغير إذن الزوج، لا إلى القاضي لطلب الحق منه، ولا إلى اكتسابها النفقة إذا أعسر بها الزوج، ولا إلى استفتاء إذا لم يكن زوجها فقيهًا ولم يستفت لها».
الحالة السابعة: لا يجوزُ لها أن تدخل بيته أحدًا لا يرضاه، وذلك قولِ رسول الله صلى الله عليه وسلم في «صحيح مسلم»: «ولا تأذن في بيته وهو شاهد إلا بإذنه»، قال النووي رحمه الله: «(ولا تأذن في بيته وهو شاهد إلا بإذنه) فيه إشارةٌ إلى أنه لا يفتات على الزوج وغيره من مالكى البيوت وغيرها بالإذن في أملاكهم إلا باذنهم، وهذا محمولٌ على ما لا يعلم رضا الزوج ونحوه به، فإن علمت المرأة ونحوها رضاه به جاز».
الحالة الثامنة : ما يتعلق بأمر الزينة، فبعض أنواعِ الزينة لا تجوزُ إلا بإذن الزوج؛ لأنه قد يكرهها من ناحية الطبع وإن لم يعتقد تحريمها، ونصَّ عليه أصحابنا الشافعية في النمص، وفي الوصل بشعر طاهر لغير آدمي، وفي تحمير الوجنة، ونحو ذلك مما قد يكرهه الزوجُ طبعًا وإن لم يعتقد تحريمه.
الحالة التاسعة: ما يتعلق بالعمل، فلا يجوزُ لها أن تعمل إلا بإذن زوجها؛ وقد نصُّوا عليه في الاستئجارِ للرضاع وغيره، أما اشتغالها في بيته بما لا يضرُّ حقه فيجوزُ لها، وقد نصَّ عليه أصحابنا، قال الرمليُّ والهيتميُّ رحمهما الله: «لو اشتغَلَت في بيته بعملٍ، ولم يمنعه الحياءُ من تبطيلها عنه كخياطة بقيت نفقتها وإن أمرها بتركه فامتنعت؛ إذ لا مَانِعَ من تمتعه بها أي وقت أراد، بخلافِ نحو تعليم صغار؛ لأنه يستحي عادة من أخذها من بينهن، وقضاء وطره منها، فإذا لم تنتهِ بنهيه فهي ناشزة»، فجَوَّزُوا لها الاشتغال بنحو الخياطة ولو بغير إذنه، بخلاف اشتغالها بتعليم صغارٍ، فلا يجوزُ إلا بإذنه، وقال الرمليُّ الكبير رحمه الله «وليسَ للزَّوج منعُها من الغزل والخياطة ونحوها في منزله» .
الحالة العاشرة: ما يتعلق بأصل الحملِ أو بقائه، فيلزمها الطاعة فيها، فقد نصَّ أصحابُنا عليهم رحمة الله على أنه له أن يمنعها من استعمالِ دواءٍ يمنعُ الحمل، أو إجهاضِه حتى ولو كان نطفةً؛ لعظيم حقه في الولد.
قال الهيتميُّ رحمه الله: «(وتجبر هي وهي مسلمة على ...) وعلى عدمِ استعمالِ دواء يمنع الحمل وإلقاءِ أو إفساد نطفة استقرت في الرحم لحرمته ولو قبل تخلقها على الأوجه».
ولا يخفى أنه يستثنى من ذلك ما لو كان في الحمل ضرر غير محتملٍ على الأمِّ، وشَهِد بذلك طبيبان عدلان؛ كما هو مطرد في فروعِ أصحابنا.
ثمَّ ليتذكر الزوجُ قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خيارُكم خيارُكم لنسائهم)، ولتتذكر المرأة قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا صلَّت المرأةُ خمسَهَا، وحصنت فرجَهَا، وأطاعت بعلَهَا = دخلت من أي أبواب الجنة شاءت) .
ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ
وفقكم الله لما يحبُّ ويرضى.
الشيخ محمد سالم بحيري
المصدر : موقع إشراقات
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة