ماجستير في الدراسات الإسلامية
غزّة العزّة.. مَعلَم وشاهد حضاري للأمّة

غزّة اليوم - قصَدْت ذلك أم لم تقصدْهُ- باتت معيارًا عالميًا، نقيس عليه مستوى تحضّرنا وتمدّننا كإنسان وبشر بشكل عام، ونقيس عليه مستوى تأسلمنا وإيماننا وعبادتنا لله تعالى كمسلمين في الكوكب.
فغزّة وشعبها الصامد في أرضه المدافع عنها الرافض للنزوح عنها المتشبّث بها، أحدثا زلزالًا قويًّا جدًّا في وعي البشرية المعاصرة، في شريحة النخبة المفكّرة الأكاديمية منها، ونشطاء الحريات والحقوق، وشريحة الشباب الجامعي الغربية منها خاصّة بشكل واضح .
والذي أودّ طرحه الآن ليس هذا، بل ردة فعل المسلمين - المحيطين بغزّة والجيران لها في المنطقة.
لفتني عدد المعتمرين في هذا الرمضان المعظّم، الذين بلغ عددهم ٣ مليون معتمِر، والذين لم يستوعبهم صحن الحرم المكّي، فتوقّف الطواف لفترة لشدّة الزحام .
في حسبة مالية سريعة نجد أنّ كلفة الاعتمار في رمضان للشخص الواحد لا تقلّ عن ألف دولار وصعودًا....
وإذا التفتنا صوب شعب غزّة المقتول المذبوح المسجون المشرّد المطارَد المُجَوَّع المُعطَّش المضطهَد المحاصَر المراقب، سننتبه لشيء خطير في وجه المقارنة بين ثلاثة مليون معتمِر وشعب غزّة المسلم!
شعبُ غزّة يعيش حصارًا جويًّا بريًّا بحريًّا يُمنع عنه وصول الماء ليموت عطشًا ويمنع عنه وصول الدواء ليموت مرضًا ويمنع عنه وصول الطعام ليموت جوعًا بأوامر من كيان القردة!
البَلَدان اللذان يحاصران شعب غزّة المسلم هما دولتان مسلمتان! لا هما قعدتا على جنب وأعلنتا النأي بالنفس مثلًا وأنهما أضعف من أن يخالفا أوامر كيان القردة! فتركا مثلًا الحبل على الغارب وغضّا الطرف عن ما قد يحصل ولن يحاسبهما أحد! وهذا أضعف الإيمان، وهو سبيل ناجح تاريخيًا ويحققّ نتيجة إيجابية حقيقة لو كانت نياتهما صادقة!
ولا هما وقفتا في صفّ شعب غزّة ورفضتا أوامر الكيان، فصاغتا وثيقة طوارىء ينفيا إعانتهما عسكريًا للمقاومين الغزاويين ولكنهما لن يقفا مكتوفي الأيدي أمام الإبادة الجماعية لشعب مسلم مسالم فقير مسلم مثلهما فسيمداهم بمقومات الصمود من أدوية ومال وطعام وشراب! وهذا نجح سابقًا في كذا بؤرة إبادة جماعية اقترفها المجرمون في بقاع الكوكب شرقه وغربه وشماله وجنوبه. لا فعلا هذا ولا هذا .. بل ويا للهول، شاركا بحصار واضطهاد وحبس أكثر من مليوني مسلم وجلسا يحرسان الحدود، ويا للهول، هما اللذان يمنعان هروب الغزاويين من القصف والاستهداف الحربي ويحرصان على أن يستشهد المسلمون على مرمى حجر من المعبر على ألا يهربوا بحياتهم .
يحضرنا جميعًا حصار الكافرين لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وكل من آمن معه في شِعْب أبي طالب.. حيث حاصرهم الكافرون في هذه الشِّعْب لمدة ثلاث سنوات، منعوا عنهم الشراء والبيع والتبادل التجاري وقاطعوهم في كل شىء ونبذوهم فلم يتزوجوا منهم حتى...
لكن كفّار قريش لم يسمحوا لأنفسهم بالهجوم عليهم قتلًا وذبحًا وتعذيبًا واغتصابًا وهم محاصرون لا حول لهم ولا قوة في بقعة جغرافية صغيرة! وبلغ الحزن من بعض كفّار قريش عليهم أن لم يتحملوا أكثر من ذلك فمزقوا البيان المتفق عليه وفكّوا الحصار شفقة على أقربائهم!
يحضرنا في هذا المشهد قصة المرأة المسلمة التي حبست هرّة في مكان ما، ومنعت وصول الطعام والشراب إليها، وامتنعت هي عن إطعامها حتى فماتت الهرّة ودخلت المسلمة النار بسبب جريمتها بحق حيوان.
وأعود لأحكي عن ثلاثة مليون معتمِر في هذا الرمضان المعظّم من سنة ١٤٤٦ هجرية، الذين دفعوا آلاف الدولارات ليعتمروا، في نفس الوقت الذي يسشتهد المسلمون الغزاويون وهم جياع! عطاش! مرضى! في العراء! مسجونين! تحت التعذيب! بالاغتصاب! قتلًا قصفًا حرقًا وهم أحياء!!
ألا يجب أن ينتبه المعتمِر أن الوقت حاليا هو وقت طوارىء للأمّة المسلمة؟ ألا يخطر ببال المعتمِر أنّ الأولوية الآن لوضع ماله في مصرف طوارىء للأمّة :
• إغاثة اللهفان.
• تأمين من لا بيت له.
• إطلاق العاني ( دفع الفدية لتحرير المخطوفين والمسجونين عند كيان القردة).
• مصارف الزكاة الثمانية كلها متحققة في شعب غزّة.
• إطعام وصنع الطعام .
• تأمين ماء شرب.
• تكاليف عمليات جراحية.
• شراء الأجهزة الصناعية الطبية لمن خسر أعضاءً وأطرافًا.
كل هذه الكوارث التي تستوجب التبرع والتصدّق وأداء الزكاة، ألم ينتبه لها المعتمِر في زمن الطوارىء الحاصل والكارثة؟ هل وصل بنا الإهمال واللا مبالاة والغثائية إلى هذا الحال الذي يُفرح القردة والشامت والمبغض!
لا يقل لي أحد أنّ شعب غزّة هو الكسبان من عبادة ٣ ملايين معتمِر! لأنْ إلا ويكون فيهم من دعا لغزّة وهناك الدعاء مستجاب! لأنّ الاعتمار في هذا الوقت بالذات - خاصّة - لمن سبق له واعتمر ليس مطلوب كعبادة في سياق العبادة المتعدية التي فرضتها الطوارىء الحالية والله أعلم.
هناك عبادة الوقت.
هناك عبادة يتعدّى أثرها مفروضة علينا اليوم.
هناك أولوية عبادية فرضها علينا الله تعالى في هذا الوقت.
قياسًا على المذبحة والإبادة الحاصلة في غزّة تبهت وتبتعد وتتنحى عنها كل العبادت الفردية.
هذا ما أؤمن به..
هذا الوعي الناقص المنسحب على ثلاثة مليون معتمر وغيرهم ممن يعبد وممن أهمل العبادة من المسلمين يتسبب بتأخير وفوات الفرص لإنقاذ غزّة، هذا التراخي والغباء يتسبب بتراجع فرص نزول النصر.
ألا يتدبّر هؤلاء أن نبينا صلى الله عليه وسلم هو الذي علّمنا أنّ إعانة المحتاج وتفريج كربه وقضاء حاجته مُقدّم على اعتكاف المسلم في العشر الأواخر؟ وأين؟ في المسجد النبوي؟ أين هذا الوعي منكم أيها المعتمرون؟ ألا تتدبّرون أمر الوحي الذي 'ينزع الإيمان' عن الذي يستأثر بما يحب فلا يقدّم أخيه المؤمن على نفسه؟
أموالًا باهظة جدًّا دفعها كل معتمِر على عبادة آثر بها نفسه ومنعها عن من هم أولى بها منه ومن عمرته، والله تعالى المعبود فيهما واحد!! الله تعالى الذي عبده المعتمر وأدّى مناسكه بين يديه راجيًا منه القبول، هو نفسه الرب الله المعبود الذي يرى مسلمي غزة يستشهدون جوعًا وعطشًا وسجنًا وتعذيبًا ومرضًا؟ ويراك في الحرم تذرف الدموع!
ليست عبادة العمرة هي المطلوبة الآن منا كمسلمين ،المطلوب إنقاذ غزّة وشعبها وضخّ كلَّ الأموال لإنقاذهم ،والسعي والسفر والعمل لإنقاذهم .
الوعي الوعي الوعي بواجب الوقت ومعذرة إلى ربكم..
المصدر : موقع مجلة إشراقات
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
غزّة العزّة.. مَعلَم وشاهد حضاري للأمّة
ترتيب الأولويات.. وأثرها في تحقيق الذات!
لم يصبر النَّتِن ياهو
الإنسان كما يريده القرآن ـ الجزء الثالث
رمضان والاغتنام الحقيقيّ لمَواسم الخير