التطور الرقمي هل يفاقم مشكلة البطالة؟
كتب بواسطة الإمام محمد محمود
التاريخ:
فى : تحقيقات
1946 مشاهدة
يشهد عالم اليوم تطورا تقنيا سريعا و مدهشا ، فقد شكلت الابتكارات التكنلوجية فرصة لتطوير مناحي الحياة وتسهيل الخدمات وزيادة كفائتها وتسريعها ، وقد ألقت هذه الثورة التقنية بظلالها على جميع القطاعات الاقتصادية سواء كانت قطاعت خدمية أو قطاعات صناعية، وتعدى ثمار هذا التطور قطاعات الإنتاج ليشمل قطاعات الخدمات الصحية والمصرفية والتعليمية.
وعلى الرغم من أهمية الإيجابيات التى أحدثتها الثورة التقنية الحديثة إلا أن المخاوف من سلبيات هذه التقنية قد بدأت تظهر تدريجيا وهي مخاوف قديمة ومتجددة في ظل صراع البقاء الذي يقوده الإنسان ضد الآلة التي اكتسحت عالم الانتاج منذ الثورة الصناعية وتسببت في فقدان ملايين الوظائف، بعد أن نجحت الآلة في تقليص حجم العمالة في المصانع. تعالج هذه المقالة دور التطور الرقمي في الاقتصادات المعاصرة و إلى أي حد يمكن أن تفاقم هذه الثورة التكنلوجية مشكلة البطالة إذا لم تتم تطبيق التقنيات الحديثة بطريقة ملائمة تراعي ظروف اقتصاد الدولة.
التطور الرقمي يجتاح القطاع الخدمي
من خلال الدراسات والبحوث التى تعالج مدى تأثير التغيرات التكنلوجية الحديثة على التشغيل أظهرت النتائج بأن العديد من الدول تحاول تغليب الجانب الخدمي على الجانب الانتاجي فيما يتعلق بتطبيق البرامج التقنية وذلك لتجنب خلق إختلال في سوق العمل نتيجة الآليات التقنية الجديدة.
هذه السياسة ساهمت بشكل كبير في التقليص من حجم تأثير هذه التقنيات على العمالة وتفادي الوقوع في فخ زيادة البطالة وما يتسبب فيه ذلك من مشاكل اقتصادية واجتماعية تعيق النمو وقد أطلق على هذه الظاهرة TECHNOLOGICAL UNEMPLOYMENT وهي الزيادة في حجم البطالة الناجم عن تطبيق التقنيات التكنلوجية الحديثة، ففي دراسة لمعهد CATO INSTITUTE أظهرت الدراسة أن استخدام الروبوتات في المصانع الأمريكية في بداية 1990 تسببت في فقد 100 ألف شخص لوظائفهم.
استطاعت دول عديدة تركيز التطور الرقمي في مجال الخدمات حيث استفاد هذا القطاع من التطورات الجديدة للثورة الرقمية وحقق تطورات مهمة سواء من حيث سهولة الخدمة أو من حيث سرعتها. هذا الإجراء خفف من اجتياح المنظومة التقنية لقطاع الإنتاج وبالتالي حد من آثارها على العمالة في قطاعات الصناعة ، لقد تسبب التطور التقني وإدخال الآليات التكنلوجية المتطورة إلى المصانع في العديد من دول العالم إلى تسريح آلاف العمال حيث استخدمت الربوتات والمنظومات الرقمية في عمليات الإنتاج عوضا عن العمال.
تقارير عن آثار الرقمنة على سوق العمل
تتسبب التطورات التكنلوجية المتلاحقة والتي يتم ادخالها إلى قطاع الإنتاجي وقطاع الخدمات إلى فقد من 5 – 10 ملايين وظيفة سنويا ، هذا الرقم يشكل تحديا كبيرا للحكومات التي يقع على توفير التوظيف. يرى أصحاب المصانع ورواد القطاع الخاص بأن الهدف الأساسي للعملية الاقتصادية هدف ربحي ،لذلك يلجأ هؤلاء إلى استخدام المنظومة التي تمنحهم تكلفة إنتاج أقل.
في بعض الدول الآسيوية و بالأساس الصين تم تقليص العديد من مراكز البيع التجزئة وتسريح عمالها بسبب قدرة المنظومة التقنية الجديدة على إدارة هذه المعاملات بطريقة سريعة ومرنة وهكذا وجد الآلاف من الموظفين أنفسهم بلا عمل. تفشي ظاهرة البطالة الناجمة عن إحلال الآلات والأنظمة الإلكترونية أدى بالحكومة وبعض المنظمات غير الحكومية إلى إقامة مؤتمرات و ندوات حول خطورة هذه الظاهرة وسبل مواجهتها من طرف القطاع العام والخاص على حد سواء.
في الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوربي لا يبدو الأمر مختلفا جدا ، فقد أشارت تقارير لخبراء صناعة الأنظمة الآلية أن 47% من الوظائف في عموم الولايات المتحدة الأمريكية ستختفي خلال الفترة من 10 – 20 سنة قادمة حيث سيتم إدخال أنظمة تشغيل أوتوماتيكية للمصانع ووحدات الإنتاج لا تحتاج سوى عدد قليل من الخبراء لتشغليها، في أوربا وضحت نفس التقارير أن نسبة الوظائف المفقودة نتيجة إحلال المنظومات التكنلوجية في القطاع الصناعي تبلغ 53% في السويد و 42% في ألمانيا.
هذه النتائج تضع الحكومات أمام تحدي حقيقي يفرض عليها إيجاد حل لهذه المعضلة،غير أن هذه النتائج لاقت انتقادات واسعة من العديد من الخبراء ومراكز البحث واتهمت الجهات التي أصدرت هذا التقرير بالمبالغة ، حيث أشار تقرير عن منظمة دول التعاون الاقتصادي OECD أن تأثير المنظومات الرقمية سيتسبب في فقد 9% من الوظائف في أسواق هذه الدول وترتفع هذه النسبة من بلد لآخر داخل المنظة حيث تصل هذه النسبة 12%في ألمانيا والنمسا ، لكن تنخفض هذه النسبة إلى 6% في أستونيا.
على الرغم من هذه الآثار التى أحدثتها الثورة التقنية خاصة على سوق العمل في البلدان التي تتبني هذه التطورات إلا أن بعض الدول استطاعت عبر سياسات واستراتيجيات فعالة المواؤمة بين هذا التطور التكنلوجب السريع ومتطلبات سوق العمل فمثلا تعتبر أستونيا من أكثر دول العالم استخداما للمنظومة الرقمية حيث تغطي هذه المنظومات خدمات الصحة ،الإسعاف،الخدمات الحكومية، التجارة الإلكترونية وحتى الإنتخابات حيث يمكن للشخص التصويت عبر المنظومة الإلكترونية الخاصة بالانتخابات،
تظهر النتائج التي أصدرتها منظمة دول التعاون الاقتصادي أن أستونيا تعتبر من أقل أسواق العمل تأثيرا بتسارع التطور التكنلوجي ويرجع الخبراء هذا النجاح الذي حققته أستونيا ودول أخرى مثل كوريا الجنوبية ونجاحهم في التوازن بين التطور الرقمي السريع وسوق العمل إلى استراتيجيات هذه الدول في تركيز المنظومة الرقمية في قطاع الخدمات وتقليصها في قطاعات الإنتاج الأخرى حد الإمكان.
لا تزال الآثار التى أحدثها التطور الرقمي محل نقاش ساخن بين مختلف المدراس الاقتصادية بين مقلل من حجم هذه الآثار و مبالغ في تأثيراتها وبين هؤلاء وأولئك مساحة للدراسة والبحث لتقديم حلول لإحدى معضلات الاقتصاد اليوم.
المصدر : إسلام أون لاين
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة