ذكرى النكبة و قوانين النصر في القرآن الكريم
تظلنا اليوم الذكرى الحادية و السبعون لنكبة فلسطين عام 48 و تحل علينا الذكرى هذا العام في شهر رمضان المبارك شهر القرآن، و تحديداً في اليوم العاشر منه؛ لنتذكر أيضاً حرب العاشر من رمضان عام 73 و التي حطمت أسطورة الجيش الذي لا يقهر ما اضطر الولايات المتحدة الأمريكية و الاتحاد السوفيتي آنذاك لتقديم إمدادات للصهاينة من أجل أن يتداركوا أمرهم..
تمر بنا هذه الذكرى في هذا العام و المسلمون في أسوأ أحوالهم؛ ففلسطين لم يتبق منها سوى ما يقارب 22% و الباقي تحت سيطرة الصهاينة يقيمون عليها دولة، و معظم العرب يتقربون اليوم من دولة الاحتلال سراً و علانية، بل أصبحنا نسمع أصواتاً إعلامية عربية مسلمة تدعو "لإسرائيل" بالنصر، بل سمعنا علماء شريعة في هذا الوقت يحرمون الدعاء على "إسرائيل" بحجة أن إسرائيل هو اسم سيدنا يعقوب -عليه السلام- و هم يعلمون علم اليقين أن الداعين على إسرائيل إنما يقصدون دولة الصهاينة المارقة..!! ناهيك عما تمر به دول العرب والمسلمين من مخاضات عسيرة على مستوياتها الداخلية؛ ففي سوريا و العراق و ليبيا و اليمن و الجزائر و السودان من الأحوال ما لا يخفى على أحد، إضافة إلى المنازعات بين المجموعات الفقهية و العقدية على اختلافات تاريخية فرقت قلوبهم و شتتت شمل الجسم الإسلامي!!
و في ظل هذه الحال تتجلى أسئلة: متى نصر الله؟؟ لماذا لا يستجيب الله دعاءنا المستمر منذ سبعين عاماً؟؟ أوليست الآيات تعدنا بالنصر؟؟ أوليست الأحاديث الصحيحة تخبر عن هزيمة اليهود؟؟
و الجواب أن القرآن الكريم جعل للنصر قوانين؛ و جعل النصوص التي تعد بالنصر مرتبطة بالقوانين و السنن؛ فالنصر له خصائص و شروط و أنواع.. إن حققنا شروطه استمتعنا بخصائصه و خير أنواعه..
أما خصائصه فثلاث:
1- أنه من عند الله: "و ما النصر إلا من عند الله"..
2- أنه نصر حاسم : "إن ينصركم الله فلا غالب لكم"..
3- أنه له ثمن: "إن تنصروا الله ينصركم و يثبت أقدامكم"..
أما شروطه فثلاثة مجتمعة:
1- الإيمان الحق (قولاً و عملاً):
فالنصر للمؤمنين و بالمؤمنين الذين يتمثل الإيمان عندهم بالقول و العمل و وحدة الصف و اجتماع الكلمة و حسن إدارة الاختلاف.
"و كان حقاً علينا نصر المؤمنين"..
"هو الذي أيدك بنصره و بالمؤمنين"..
2- الإعداد الحق (قدر الاستطاعة) :
"و أعدوا لهم ما استطعتم من قوة" و القوة جاءت نكرة؛ لتستوعب كل متغيرات القوة وفقاً لتغيرات الزمان والمكان؛ لتشمل القوة الإعلامية و الثقافية و الاقتصادية إلى جانب القوة العسكرية..
3- الدعاء الحق (المقترن بالإيمان و الإعداد و العمل):
ذلك أن الدعاء وحده دون إيمان و إعداد يشبه دعاء من يدعو بالذرية الصالحة لسنوات طوال ليكتشف أنه غير متزوج أصلا فأنى يستجاب لذلك..
و لما دعا الصحابة ربهم يوم بدر استجاب لهم؛ لأنهم كانوا غاية في الإيمان، و بذلوا أقصى ما يستطيعون من قوة و إعداد "إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين"..
و أما أنواعه فثلاثة:
1- استحقاقي: للمؤمنين الذين حققوا شروط النصر و لو كانوا أقل كفاءة من الخصم؛ كنصر المسلمين في بدر..
2- تفضيلي: بين فريقين متصارعين غير المسلمين، فتكون الغلبة وفقاً للأسباب المادية المحضة؛ كنصر الروم على الفرس..
3- تأديبي: هدفه إيقاظ المسلمين من غفلتهم يتمثل بنصر الكفار على المسلمين؛ لاختلال تطبيق شروط النصر عند المسلمين؛ كالهزيمة المبدئية للمسلمين يوم أحد "أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم"، و يوم حنين "و يوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئاً وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين" ..، و كهزائمنا المعاصرة المتلاحقة..
و لذا تأتي هذه الذكرى لتكون فرصة لنا لإيقاظ ضمائرنا شعوبًا و حكاماً..
و نسأل الله أن يهيئ لنا أسباب النصر و أن يجعلنا من العاملين لأجل النصر.. و الحمد لله رب العالمين..
المصدر : موقع بصائر
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن