أخي الصغير
جلست الأم بجانب ابنها ووضعت يده على بطنها الكبير، ثم أخرجت صورة صغيرة من حقيبتها وأرته إياها قائلة: «انظر يا خالد، هذا أخوك الصغير!» حدّق بالصورة قليلاً، وقد بدت على وجهه علامات القلق فسألته أمه: «ألستَ متحمسًا يا عزيزي؟» أجابها خالد، «بلى!» ولكنه لم يكن كذلك في الحقيقة، فقد كان الطفل الوحيد لمدة سبع سنوات، وشعر بأن الاهتمام الذي لقيه من قِبَل عائلته سيتحوّل إلى أخيه الصغير عندما يولد، ولن يعود هو محور الاهتمام مثلما اعتاد سابقًا.
بعد مدة وجيزة، ذهب خالد برفقة والده إلى المستشفى ليزور أمه بعد أن وضعت مولودها. ثم أخذ يتأمل أخاه الصغير، «كم هو جميل ولطيف! وما أشدّ شَبهه بي!» شعر خالد بدَفق من الحب تجاه أخيه طه بعد أن أحاطت يده الصغيرة إصبع خالد بحنان، ولكنه تذكر سريعًا أنّ طه هذا سيكون منافسه على اهتمام عائلته، فانتشل أصبعه من يده الصغيرة ونظر إليه نظرة حزم، وقرر أن لا يدع عواطفه تتدخل بعد الآن.
بعد أن عادت الأم إلى المنزل ومعها طه، حصل ما توقّعه بالضبط. فلقد أقبل أفراد العائلة والأصدقاء إلى منزله مهنئين بالمولود الجديد، حاملين معهم الهدايا للمولود. كان الجميع يسلمون على خالد بسرعة، وما إن يحضر طه ملفوفًا ببطانية حاكتها له الجدة خصيصًا، حتى يتنافسوا على حمله بين أذرعهم، ولسانهم يلهج بالثناء والصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - عند رؤيتهم لوجهه المليح. ولقد شعر خالد أن أمه قد انشغلت عنه أيضًا، فكانت تقضي معظم وقتها في إطعام طه وتغيير ملابسه وغسله والاعتناء به. فلم تعد تقضي وقتًا طويلًا معه كما كانت تفعل.
كبر طه رويدًا رويدًا، وكبرت غيرة خالد منه. ولكنه أخفى الغيرة بطريقة ممتازة، فكان يتصرف تصرف الأخ المسؤول والمحب في وجود أهله، وكان يتصرف عكس ذلك في غيابهم. كان يلاعب طه ويهتم به ويفيض عليه بالمشاعر الكاذبة بوجود أهله، فأصبحوا يثقون به ويفخرون باعتنائه بأخيه، كما أصبح طه متيّمًا بخالد بسبب هذا الاهتمام على الرغم من مضايقات خالد لأخيه في غياب والديهما في بعض الأوقات.
كان طه يعاني من مرض الربو... وكان خالد يراقب والدته وهي تعطي أخيه الدواء.. وفي مرة جاءت الصغير أزمة الربو والأم مشغولة، فأسرع خالد وأعطى أخيه العلاج، ولكن حالته ازدادت سوءًا، فاسرعوا به إلى أقرب مستشفى بعد أن كان الصبي الصغير يصارع من أجل الحياة! أحاط الأطباء بطه محاولين مساعدته، ولكنه كان هائجًا وخائفًا على الرغم من محاولات أهله العابثة لـتهدئته. وبما أن خالدًا كان يسعى جاهدًا لإرضاء والديه من أجل كسب ودّهم، فقد قرر مساعدتهم.
تقدم خالد نحو طه، وأحاطه بذراعيه فتوقف طه عن المقاومة وأمسك أصبع خالد بيده الصغيرة، فتذكر خالد عندها شعوره الدافق بالحب تجاه طه عندما أمسك أصبعه لأول مرة في المستشفى. في تلك اللحظة، عاد شعور الحب من جديد، ولأول مرة ضمّ خالد أخاه بدون تكلّف أو اصطناع وهمسَ في أذنه. «أحبك أخي...» وبينما نام طه بين ذراعي خالد، قدم الأطباء الرعاية اللازمة لطه... كان خالد يفكر طيلة وجوده في المستشفى مع طه كيف ستكون حياته بدون أخيه، وتساءل: «ماذا لو فقدت أخي؟ هل كنت لأسعد؟» ولكن مجرد تفكيره في تلك الإمكانية جعلت عينيه تترقرقان بالدموع... دموع حب الأخوة.
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن