ما معنى الاستخارة ؟ ومتى نستخير؟
كتب بواسطة هدى عبد الرحمن النمر
التاريخ:
فى : في رحاب الشريعة
2534 مشاهدة
كان رسولُ اللهِ - صلَّى اللهُ عليه وسلَّم - يُعَلِّمُ أصحابَه الاستخارةَ في الأمورِ كلِّها، كما يُعَلِّمُ السورةَ من القرآنِ، يقولُ: "إذا همَّ أحدُكم بالأمرِ فليركَعْ ركعتينِ من غيرِ الفريضةِ، ثم لْيقُلْ: اللهم إني أَستخيرُك بعِلمِك، وأستقدِرُك بقُدرتِك، وأسألُك من فضلِك، فإنك تَقدِرُ ولا أقدِرُ، وتَعلَمُ ولا أَعلَمُ، وأنت علَّامُ الغُيوبِ، اللهم فإن كنتُ تَعلَمُ هذا الأمرَ -ثم تُسمِّيه بعينِه- خيرًا لي في عاجلِ أمري وآجلِه -قال: أو في دِيني ومَعاشي وعاقبةِ أمري- فاقدُرْه لي ويسِّرْه لي، ثم بارِكْ لي فيه، اللهم وإن كنتُ تَعلَمُ أنه شرٌّ لي في دِيني ومَعاشي وعاقبةِ أمري -أو قال: في عاجلِ أمري وآجلِه- فاصرِفْني عنه، واقدُرْ ليَ الخيرَ حيثُ كان ثم رَضِّني به" [البخاري].
بدايةً/ نجد أن المصطفى صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان يؤكد على الاستخارة في الأمور كلها، وليس فقط في الشؤون الكبرى كالزواج والسفر وما شابهها، ثم يقول "إذا همّ" أي عزم على الأمر، فالاستخارة إذن ليست عند التردد في اتخاذ قرار فحسب، بل كذلك عند العزم على قرار ما أو الميل القلبي لأمر ما، فالاستخارة هنا بمثابة "اعقلها وتوكل"، أي أنّك مقدم على القرار بنور التوكل على الله وتفويض النتائج إليه، مستبشرا بلطفه وحكمه، لكن ما عليك إلا أن تقارب وتسدد وتثق في الحفظ الإلهي، ولو جاءت النتائج على غير ما كنت تحب، فـ "لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمراً"، إن الاستخارة هي طلب تثبيت وإرشاد من المولى، وميثاق عهد من بعد بالثقة المطلقة في التدبير الإلهي واللطف الرباني، وإن خفيت الحكمة عنّا حتى حين.
إن الاستخارة هي طلب تثبيت وإرشاد من المولى، وميثاق عهد من بعد بالثقة المطلقة في التدبير الإلهي واللطف الرباني، وإن خفيت الحكمة عنّا حتى حين
ثانياً/ بالتأمل في عبارة "عاقبة الأمر"، نجد أنها تلفت عين البصيرة إلى المقصود في حديث "أمرُ المؤمنِ كله خير"، فكله خير في عاقبته وليس في ذاته، أي من حيث أنه "إذا أصابته سراء فشكر" كان شكره هو الخير له وليس السراء في ذاتها، إذ قد تكون شرا في حق من يبطر ويجحد ولا يشكر، "وإن أصابته ضراء صبر" كان صبره هو الخير له وليس الضراء، فقد تكون شراً في حق من يجزع ويسخط ويتذمر، فالخير في العاقبة بناء على شكرك وصبرك، أي تعاملك أنت مع عطايا الله وهباته من سراء وضراء ونعمة وبلوى.
وثالثُ البصائر في هذا الدعاء العظيم/ ألا تتشرط على الله، ولا تغتر بما يظهر لبصرك القاصر من ظواهر الخير والشر، فإنك حقيقة لا تدري ما الأصلح لك ، فلعلك أن تحسب الخير في أمر فتقدم عليه، ثم لا تأتي النتائج على ما تحب وترضى، أو تمتنع عن آخر ثم يبدو لك من النتائج ما يجعلك تحسب أن خيراً فاتك، صحيح أنه لا بأس في الدعاء برزق معين كالزواج أو الوظيفة، ولعله لا بأس أحيانا بتحديد نوع الرزق، لكن البأس كل البأس في التشنج لشروطك، وكأنك موقن أن هذا الرزق خير لك وحقك، فتنافي بلهفتك القلبية قول لسانك "إنك تعلم ولا أعلم"! والفقه كل الفقه أن تعي معنى تفويض الاختيار إلى الله، فتدعو "واقدُر ليَ الخيرَ حيث كان".
لا بأس في الدعاء برزق معين لكن البأس كل البأس في التشنج لشروطك، وكأنك موقن أن هذا الرزق خير لك وحقك، فتنافي بلهفتك القلبية قول لسانك "إنك تعلم ولا أعلم"
وكم ورد المال والبنون في القرآن الكريم على أنهما زينة الحياة الدنيا، وورد في الأحاديث من فضل تربية الأبناء وسعة المال، وفي ذات الوقت وردت نماذج كالوليد بن المغيرة وصاحب الجنتين وأبي لهب وغيرهم ممن لم يغن عنهم المال والبنون والجاه شيئاً؛ لأنهم لم يعملوا في رزق الله بأمر الله، كل ما ترزق وكل مادة هذه الحياة إنما هي سلاح ذو حدين ، مصداق قوله تعالى: {ِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} [الملك: 2] وليس أحسن رزقاً أو أوسع ملكاً!
ادع الله تعالى دعاء مفتقر لا يعلم، فهو يفوض الأمر لمن هو أعلى وأعلم، ولا تدخل عليه دخول العليم الخبير الواثق من اختياره، فيكون لسانك في وادٍ وقلبك في أودية أخرى!
كذلك، تعاملك مع الرزق إن كان خيراً فهذا الرزق في حقك خير، وإن كان تعاملك معه شراً، فهو في حقك شر، العبرة بتعاملك أنت لا بأصل الرزق، وفقه التعامل هبة من المولى سبحانه وتعالى، والاستخارة هي المفتاح له إذا فقهتها لساناً وقلباً.
المصدر : موقع بصائر
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن