في ظلال الهجرة النبوية
كتب بواسطة محمد عبد الرحمن صادق
التاريخ:
فى : في رحاب الشريعة
1826 مشاهدة
من المعروف أنه ما من حدث من أحداث السيرة النبوية ولا موقف من مواقفها إلا وهو معين لا ينضب من العبر والعظات والدروس التي تصلح لتربية الأمة جيلاً بعد جيل إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
من أهم أحداث السيرة النبوية هو حدث الهجرة من مكة إلى المدينة ومن عبق الهجرة سأذكر بعض ما تعلمته منها عسى أن أضيف في هذا الجانب قطرة تشفع لي بين يدي ربي.
1- تعلمت من الهجرة النبوية المباركة أن التربية الإيمانية والصبر على البلاء والتضحية والبذل والعطاء في مكة كانوا ثمناً لهزيمة مشركي مكة ويهود المدينة وفتح الروم وفارس.
2- وتعلمت أن ضبط النفس من أهم عوامل الثبات وأنه يفوت على العدو فرصاً يخطط لها ويستدرج المسلمين إليها فمن المعروف أن العربي في ذلك الوقت كان عنده من الأنفة والإباء ما يجعلانه لا يقبل الضيم في نفسه غير أنه في سبيل الدين تحمل المسلمون ما يتعارض مع الطبيعة التي تربوا عليها حفاظاً على دينهم إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولاً.
3- وتعلمت أن الدعوة كالتيار الجارف وكالرياح العاتية فهي لا تجد مغلقاً إلا فتحته، ولا عنيداً إلا أذلته، ولا هينا لينا إلا استوعبته، وهي من النواميس الغلابة التي تقوِّض عروش الطغاة وتقصم ظهور الجبابرة.
4- وتعلمت أن ضريبة النصر والتمكين لابد من دفعها مقدماً، كاملة، وعن طيب خاطر وانشراح صدر بعدها يغير الله من حال إلى حال حتى يصبح رعاة الغنم سادة للأمم.
5- وتعلمت أن الله تعالى إذا أراد أمراً هيأ له أسبابه وأزال عواقبه وأتمّه مهما كانت الحسابات المادية والعقلية ومهما كانت الإمكانيات البشرية.
6- وتعلمت أنه ما من أمر مهما كانت صعوبته وأهميته أن للمرأة فيه دور جوهري وأساسي قد يستعصي على أشاوس الرجال فالإسلام عندما جاء رفع مكانة المرأة من الثرى إلى الثريا.
7- وتعلمت أن البيت هو القاعدة المتينة والحصينة للانطلاق وأن حسن إعداد البيت المسلم هو الركن الشديد بعد الله تعالى في الملمات.
8- وتعلمت أن القائد بتصرفاته وسلوكياته يؤصِّل لمن خلفه فلابد وأن يكون مُتعقلاً حكيماً يسع بتصرفاته الجميع ويراعي قدرات الجميع، فالفاروق عمر رضي الله عنه حين هاجر علانية مُتحدياً صناديد قريش لم يكن أكثر شجاعة من النبي صلى الله عليه وسلم ولكنه في وجود النبي صلى الله عليه وسلم مجرد فرد يضرب نموذجاً يدلل به على أن الدعوة بها من الأفراد من لديهم من الجرأة ما يقتلعون بها قلوب المغاوير من المشركين، وعلى أن الدعوة لابد وأن يكون بها مثل هذا النموذج في كل مرحلة من مراحلها وفي كل حدث من أحداثها.
9- وتعلمت ألا أواجه خصمي بنفس أسلحته فغايتي ليست كغايته وخلقي ليست كأخلاقه وأنني إذا ترخصت في ذلك لن ينتهي الصراع إلا والنفس قد خبثت، والأخلاق قد اعوجت، والقلب قد علاه الران فيتوغل في الحرام ولا يأنف من الشهوات والشبهات والمنكرات وحينها أكون قد تنكبت الطريق وكنت أنا وخصمي عند الله سواء، والعياذ بالله.
10- وتعلمت أنه ما من إنسان إلا وفيه شيء من الخير وأن الداعية الأرب الحصيف هو الذي يبحث عن هذا الخير في مكنون النفوس ويتبناه ويهذبه ويطوعه ويحسن توجيهه لصالح دعوته ولتحقيق أهدافها.
11- وتعلمت أن الدعوة تسع الجميع وتصلح للجميع، فهي تسع الفاروق عمر بقوته وشجاعته، وتسع الصديق أبو بكر بحكمته وتضحيته، وتسع صهيب الرومي بفداء نفسه بكل ماله، وتسع بلال الحبشي بضعفه وقلة حيلته، ولا تستثني أحداً.
12- وتعلمت أن المسلم كيس فطن يتعامل مع كل موقف بما يصلح له في ضوء ما أباحه الشرع.
13- وتعلمت أن دعوة الآخرين للخير بالنسبة للداعية كالماء والهواء فالنبي صلى الله عليه وسلم وهو المطارد في الهجرة لقي بريدة بن الحصيب الأسلمي فدعاه إلى الإسلام فأسلم وكان سبباً في إسلام قومه فدعا لهم النبي صلى الله عليه وسلم وقال: "أَسْلَمُ سالَمَها اللَّهُ، وغِفارُ غَفَرَ اللَّهُ لَها، أما إنِّي لَمْ أقُلْها ولَكِنْ قالَها اللَّهُ عزَّ وجلّ" (صحيح مسلم).
14- وتعلمت أن من مسئولية الصاحب أن يخفف من أحزان صاحبه ويهدئ من روعه ويربط قلبه بالله وحده.
15- وتعلمت أن من ترك شيئاً لله عوضه الله، فالمهاجرين تركوا ديارهم وأوطانهم وأموالهم من أجل الفرار بدينهم والحفاظ عليه فأثابهم الله فتحاً ونصراً وعزاً وتمكيناً وسيادة وريادة لو أنفقوا فوق أعمارهم أعماراً ما بلغوا معشار ذلك.
16- وتعلمت أن القلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء، فهذا سراقة الذي سال لعابه ليظفر بجائزة قريش وهي مائة ناقة لمن يأتي بمحمد حياً أو ميتاً يعود أدراجه بعبارة واحدة من النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال له: "عد يا سراقة ولك سواري كسرى" فعاد سراقه وأذن الله له بالهداية فأسلم ونال سواري كسرى في عهد الفاروق عمر رضي الله عنه. قال الإمام علي ابن أبي طالب كرم الله وجهه ورضي عنه:
قطرةُ من فيض جُودِك تملأ الأرض رياً *** ونظرةُ من عين رِضِاك تجعل الكافر ولياً
17- وتعلمت أن الإسلام يقضي على عصبيات الجاهلية المنتنة حيث جاء الإسلام إلى المدينة فقضى على الصراع الذي كان بين الأوس والخزرج وجعل أوثق عرى الأخوة هي الأخوة في الله مثلما حدث بين المهاجرين والأنصار.
18- وتعلمت أن المسلم عزيز النفس يترفع عن حطام الدنيا ويتعفف عما هو في يد غيره فعندما آخى النبي صلى الله عليه وسلم بين الصحابي الجليل عبد الرحمن بن عوف والصحابي الجليل سعد بن الربيع رضي الله عنهما وعرض سعد على عبد الرحمن نصف أملاكه فما كان من عبد الرحمن بن عوف إلا أن قال له: "بارك الله لك في أهلك ومالك دلني على السوق"، فعلى المسلم أن يتخذ شعاراً لا يفارقه "إذا كنت تنتظر من أخيك العطاء فهو ينتظر منك العفاف".
19- وتعلمت أن دور السوق في الإسلام لا يقل أهمية عن دور المسجد حيث قال تعالى: " فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ " لذلك حرص النبي صلى الله عليه وسلم على تأسيس المسجد ثم السوق كما حرص على تأمين مصدر المياه المتمثل في شراء بئر رومية من اليهود، كل ذلك لنعلم أن الأمة لابد وأن تمتلك مقدراتها الأساسية ولا تسمح لنفسها أن تكون لقمة سائغة لأعدائها.
20- وتعلمت أن الخوف سيزول والجراح ستطيب والحرمان سينتهي والحال سيتبدل وأن الله تعالى لا يبتلي العبد إلا ليصطفيه، وأن الله تعالى لا يصطفي إلا الأصفياء الأنقياء الأتقياء الأطهار الأبرار ليكونوا خاصته وورثة رسالته بل والموقعين عن رب العالمين.
إن كل ما ذكر ما هو إلا غيض من فيض، وقليل من كثير، ولكنه يصلح للبناء عليه ممن هم أكثر مني زاداً حتى تكتمل ظلال شجرة الهجرة المباركة.
المصدر : موقع بصائر
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة