التساهل في فعل المعاصي والإصرار عليها
السلام عليكم ورمة الله وبركاته،
علمتُ أن الكفر يؤدي بصاحبه إلى الخلود في النار؛ ومن ثَمَّ أصبحتُ أخشى الوقوع فيه، أما المعاصي فأصبحت أفعلُها وأقول في نفسي: أنا عالمة بعقاب المعصية، لكنها ليست كفرًا، ومن ثَمَّ فلن تؤديَ بي إلى الخلود في النار، وحتى لو دخلتُ النار فلن أخلدَ وسأخرُج منها، وأدخل الجنة في النهاية.
ثم علمتُ أن الذي يعصي الله إذا كان لا يُهمه أَسخِطَ اللهُ عليه أم لم يَسخط، ولا يعنيه أحرام هذا أم حلال، وأنه لا فرقَ عنده بين الحالين، فإنه يكون من المعرضين، والإعراض نوع من الكفر.
فهل يَنطبق كفرُ الإعراض عليَّ؟ وهل كفرتُ بالذي ذكرتُه، أو أُعذَر بجهلي؟ وما حُكم عقد زواجي في هذه الحال؟
الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته؛ أما بعد:
فلا شك أن التهاون بالمعاصي واستسهالها أمرٌ من الخطورة بمكان، وصفة من صفات المنافقين؛ قال ابن مسعود رضي الله عنه: "إنَّ المؤمنَ يرى ذنوبَه كأنه في أصلِ جبلٍ يخافُ أن يقعَ عليه، وإنَّ الفاجرَ يرى ذنوبَه كذُبابٍ وقع على أنفِه، قال به هكذا، فَطَارَ"[1]، فعلى المسلم الصادق أن يحذَر من استصغار الذنوب واستسهالها، وما دمتِ أختي الكريمة أحسستِ بالخطورة، فهذا دليلُ خيرٍ، ومعينٌ بإذن الله على التوبة، وما سألتِ عنه يحتاج التفصيل الآتي:
أولًا: المراد بكفر الإعراض: الإعراض الكلي عن الدين، بأن يُعرِضَ بسمعه وقلبه وعلمه عما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم؛ كما قال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ ﴾ [الأحقاف: 3]، وليس المقصود به التساهلَ في معصية معينة غير كُفريَّة لشهوة معينة، فعلى خطورة التساهل بفعل تلك المعصية، لكن التساهل بذاته لا يوصِّل إلى الكفر.
ثانيًا: من يكفر فهل يُعذَر بالجهل؟ الجواب: نعم، وهذا قول عامة أهل العلم؛ قال الله تعالى: ﴿ وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا ﴾ [الإسراء: 15]، وقال تعالى: ﴿ رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ ﴾ [النساء: 165]، ولولا العذر بالجهل، لم يكن للرسل فائدة، ولَكَانَ الناس يُلزَمون بمقتضى الفطرة، ولا حاجة لإرسال الرسل، فالعذر بالجهل هو مقتضى أدلة الكتاب والسنة، وقد نصَّ على ذلك أئمة أهل العلم؛ كشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وشيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب رحمه الله[2].
ثالثًا: حكم عقد الزواج بالنسبة للمرتد إذا ثبتت رِدَّتُه شرعًا:
إن المسلم إذا ارتدَّ ثم رجع إلى الإسلام، فيبقى النِّكاح على العقد الأول؛ لأن الأصل بقاء النكاح، ما دام أنه معقود على وجه صحيح، وسبب الصحة باقٍ، ولم يُحفظ عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه فرق بين الرجل وامرأته إذا سبقها بالإسلام، أو سبقته به، وهذا القول رجَّحه بعض أهل العلم، وسبَق تفصيله في استشارة سابقة.
وأخيرًا: أنتِ على خير إن شاء الله، لكن عليكِ بالتوبة والاستغفار، وعدم العودة للمعاصي واستسهالها، وعدم الاستسلام لوسوسة الشيطان بأنكِ خرجتِ من الإسلام وكفرتِ وما أشبَه؛ لأنه يريد إدخالكِ في دوامة يصعُب الخروج منها، فلا زال إيمانكِ باقيًا إن شاء الله، وأنتِ على خير ما دمتِ استشعرتِ أخطاءكِ واستغفرتِ منها، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
[1] أخرجه البخاري (6308) باختلاف يسير، والترمذي (2497)، وأحمد (3629) واللفظ لهما.
[2] لقاءات الباب المفتوح للشيخ ابن عثيمين (33/ السؤال رقم: 12).
المصدر : الألوكة
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة