درستْ في كلية الصيدلة جامعة دمشق
بين لوم النفس ومحاسبة الذات
بين لوم النفس ومحاسبة الذات
يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم "إن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كذا وكذا، ولكن قل: قدَّر الله وما شاء فعل، فإنَّ لو تفتح عمل الشيطان". صحيح مسلم.
وعن عائشة قالت، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقتُ الهدي، ولحَللت مع الناس حين حلُّوا". صحيح البخاري.
المتأمل في الحديثين الشريفين، قد يظن أن بينهما تناقضًا، ففي الحديث الأول ينهانا النبي الكريم عن قول "لو"، بينما في الحديث الثاني، يقول "لو".
وبنظرة متدبرة للحديثين، نعرف أن لو الأولى التي نهانا عنها رسولنا صلى الله عليه وسلم هي لو المبالغة في لوم النفس، لو التي تجعل نظرتنا لنفسنا دونية، وكأنها توهمنا أننا فاشلون بالفطرة، ولا أمل منا.
لو التي تأسرنا في نطاق المشاعر السلبية، ولا تحررنا منها، كي ننطلق للعمل.
صحيح أن الله تعالى امتدح النفس اللوّامة في القرآن الكريم، لكنها النفس التي تستخدم اللوم للتحفيز، وليس للتثبيط.
اللوّامة هي صيغة مبالغة، والمبالغة تكون إما بالكم أو بالتكرار، أو بهما معًا، عندما تكون المبالغة بكمية اللوم التي نوقعها على أنفسنا، فإنها تقيّدنا وتضعف همتنا، بينما عندما تكون المبالغة بالتكرار، بحيث كلما قصّرنا أو أذنبنا، تذكرنا ذنبنا وتقصيرنا، فاستغفرنا ربنا، وكررنا لوم أنفسنا على الذنب الجديد، وقمنا لنصلح ما أفسدنا، ونتدارك ما فاتنا، هذه المبالغة الصحيحة في لوم النفس، اللوّامة ليست هدفًا بحد ذاتها، بل هي وسيلة كي نصل إلى الهدف، والذي هو محاسبة النفس كي تصبح أفضل، وهي نفسها "لو" التي قالها الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، في حديثه الثاني.
في " لو" لوم النفس: نبقى عالقين في دوامة الحديث السلبي مع الذات، وجلد الذات، ولا ننتقل إلى مرحلة العمل.
بينما في "لو" محاسبة النفس: نعيش قدرًا من المشاعر السلبية سواء ندمًا أو إحباطًا، أو انزعاجًا، ثم ننتقل إلى مرحلة العمل، مرحلة تقييم الموقف، لتصبح لو هنا، هي لو التقييم، نسأل أنفسنا ما هو سبب أخطائنا؟
وماذا يمكننا أن نفعل في المرة القادمة كي نتدارك هذا الخطأ؟
نسأل أنفسنا ذلك ونحن نستحضر الحديث الشريف ( كل ابن آدم خطّاء) هذا ما كتبه الله على البشر جميعًا، فلا نتوقع أننا بعد ذاك السؤال لن نخطئ نهائيًا، بل نعرف أننا نسأل هذا السؤال، كي نقلل من الأخطاء... وكي نصلح الخطأ بعد ارتكابه... وكي لا نتمادى في الأخطاء... وكذلك كي لا نضيّع على أنفسنا فرصًا مستقبلية.
أما لو ألغينا " لو" بكل أشكالها، من حياتنا، فلن نحاسب أنفسنا، ولن نتألم لذنوبنا، وإننا سنصل إلى مرحلة اللامبالاة، ونخطئ ونذنب ونؤذي غيرنا، ونحن نظن أن هذا حقنا، وكم رأينا من اشخاص يؤذون دون رادع من دين أو ضمير، وسألنا أنفسنا مرارًا، كيف وصل هؤلاء إلى هذه الدرجة!.
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة