في عالَمٍ افتراضيّ يوازي الواقعَ الذي نعيشه، بل ويضاهيه في درجة اهتمام جموع الناس به وبذلِ أوقاتهم الثمينة له، يكثُر الجدلُ في تأثير هذا العالَم _الذي لم يكن موجوداً قبل عَقْد ونصف من الزمن _ على حياة الناس سلباً وإيجاباً.
فهُم بين مؤيِّد له داعٍ للولوج فيه، يستدلُّ بما فيه من سُبُل للخيرات و تبليغ للآيات، ونشر الكلمة الطيبة والتعرف على الثقافات المختلفة ومدّ جسور التواصل واكتساب المهارات.
وبين ناكر له، غير معترف به، يسميّ وسائل التواصل الاجتماعي: "وسائل التقاطع الاجتماعي"، وخاصة لصلة الرحم، ويعدّه عالَماً لهدر الأعمار، ورياء الأعمال، علاقاته زائفة، وضحاياه كُثُر، منهم مَن تلوّثَتْ عقائدُهم وفسدت أخلاقهم، وأكثرُ روّاده غُفّلٌ لاهون.
استأمن الله تعالى الإنسانَ أمانات عدّة، وسخرها له ليستعملَها بما ينفعه وينفع قومَه، فقال جلّ في عُلاه: ﴿ وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا﴾ [الإسراء؛36].
ومن الحمق أن يضيّعها في هذا العالَم، فيشنف آذانه للكلام المُسفّ والغناء الماجن، ويمدّ عينيه إلى المشهد الإباحي، ويبيع قلبه في سوق الفتن.
في خضم هذا الجدل، وفي التعريف بمخاطر مواقع التواصل الاجتماعي على العلاقات العامّة والخاصّة، وفي كيفية تعامل الشباب والمراهقين مع وسائل التواصل الاجتماعي، وفي مدى تأثير استعمال أجهزة التواصل على نفسيّة المستخدم وصحّته، وفي وسط تعلّق الأطفال بهذا العالَم، يظهرُ هذا الكتاب متوسط القطع كثير النّفع، يخطّه صاحبُ الهمسات اللطيفة: الدكتور حسان شمسي باشا ونجله الدكتور ماجد حسان شمسي باشا، وتنشره : "دار القلم" و "حروف".
يبدآه بمقدمة تشمل جملةً من الوصايا، وتعريفٍ بوسائل التواصل، ثم فوائدها وسلبياتها، وتأثيرها على الحياة الزوجية، و تأثيرها على الأطفال والمراهقين، ثم إدمان المواقع، والاحتساب ووسائل التواصل، ثم يختمانه بوصايا من القلب، وثلاثين وصية لإبعاد الأطفال عن الجوال والأجهزة اللوحية.
يفرغان فيه عُصارة تجاربهما ومطالعاتهما في هذا الشأن في ١٣٤ صفحة، ونوجزُ لكم أهمّ محطاته بالآتي:
• تعدُّ وسائل التواصل الاجتماعي واحدةً من أهم أسباب الطلاق والتشتُّت الأسري، عندما يسخرّها أحدُ الزوجين أو كلاهما للتعارف على أشخاص جُدد، يجودون لهم بالوقت والعاطفة، ثم يعود كلّ منهما وقد أنِفَ من شريكه، ولم يعد مثارَ إعجابه واهتمامه!!
• لا يُجدي نفعاً منعُ الأطفال من استخدام الجوالات والأجهزة اللوحية، لأن الغربة _ إذا وُجِدتْ _ وغيرة الأقران ستضطرهم إلى البحث عنها خارج البيت. وإن أفضل ما يمكن أن يسلكه الوالدان:
١- تخصيصُ مكان وزمان لجلوس الأولاد على النت.
٢- وضعُ برامج حمايةٍ وأمان تُجاه المواد الباعثة على العنف أو التطرف أو الإباحية.
٣- مراقبةُ الأولاد بطريقة لا تشعرهم بالتعدي على خصوصياتهم.
٤- التوجيه بعدم قبول طلبات أصدقاء السوء.
• تلعب وسائل التواصل الاجتماعي دوراً سلبياً في الصحة النفسية للمراهقين، ففي دراسةٍ نشرتها مجلة " the lancet child & adolescent health " أجرتْ مقابلات في بريطانيا على مدى ثلاث سنوات لـ 12000 مراهق، أعمارهم تتراوح بين ١٣ و١٦سنة، دخل كل منهم مواقع التواصل مثل ( انستغرام وفيسبوك وواتس آب وتويتر) ثلاث مرات كل يوم، فانتهت إلى أنّ هذه الفئة تعاني من ضيق نفسيّ بالغ وضعف في الصحة النفسيّة.
• إنّ أنجعَ سُبل التعامل مع المراهقين تجاه العالَم الافتراضي هي:
١- تعهُّدهم بالحوار والمناقشة.
٢- صلاح الوالدين وإخلاصهم، فهو خطوة مهمة لاقتداء الأبناء بهم.
• يصعبُ أن تجدَ الفتاة في عالم النت فارسَ أحلامها، وذلك لكثرة التزييف والخداع في هذا العالم. ولو حاولت ربما لم تسلم من السقوط في شباك المخادعين الذين يبدؤون حُمْلاناً وينتهون ذئاباً!.
• من سلبيات عالَم النت لمن لم يتحلَّ بإيمان كافٍ وعقيدة صُلبة التماهي مع أمواج الإلحاد التي يرسلها أعداء المسلمين.
• قد يُفضي هذا العالم بصاحبه إلى الإدمان، والإدمان على ألعاب الفيديو هو نوع من أنواع الاضطراب العقلي بتصنيف منظمة الصحة العالمية.
• من حسنات وسائل التواصل الاجتماعي أن تُستَعمل في سبيل الدعوة إلى الله تعالى، والتعريف بالإسلام، وإعداد المسلمين الجدد..
وينبغي لمن يستعمل تلك الوسائل لنشر رسالة الإسلام أن:
١- يحدد أولوياته بما يوافق النوازل وقضايا الأمة.
٢- أن لا ينصاع خلف المعارك المفتعلة.
٣- أن يمدّ جسور التواصل مع شرائح المجتمع كافة.
٤- أن يميت الباطل بإهماله.
٥- أنّ يتقي الله في كل حَرْف يسطّره.
• ومن الوصايا المهمة عند استعمال وسائل التواصل: إخلاص النيّة، عدم نشر الأراجيف، التثبت من نقل الأخبار، تجنّب السخرية، إبعاد الجوّالات عن أماكن النوم، المحافظة على اللغة العربية.
هذا، ووصايا أخرى، عدا معلومات وتوجيهات وردَتْ في طيّات هذا الكتاب تروي الظمآن وتدلّ الحيران.
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة