التغريبة السورية
ربما يعلم "المجتمع الدولي"، والنظام السياسي العربي الصامت، المتفرج على ما يجري من مذابح في المنطقة العربية، ومعهما فئات من هذه الشعوب المتواطئة مع الأنظمة المجرمة بالصمت والترقب و"انتهاز الفرص"، ربما يعلمون أنهم وجميعا سيدفعون الثمن غالياً جداً، وفي القريب العاجل، وقد مَنحوا الجزارين فرصة مفتوحة لقمع الثورة بارتكاب الفظائع والتهجير على الطريقة الإسرائيلية.
وإذا حصرنا الحديث عن سورية، فإن أحداث "حماة1982"، كانت قد تَوجت ثورة شعبية استمرت خمسة أعوام، في وجه استبداد وحشي وصل حدّ نزع حجابات النساء بالقوة في شوارع دمشق، قاده في حينه "رفعت الوحش" – وهو اسم العائلة الذي استبدلته باسم الأسد- ، مما اضطر السوريين ومن كل الانتماآت، وليس من "الإخوان المسلمين" فقط- كما يدّعي أبواق النظام - لحمل السلاح كي يَدْفعوا عن أنفسهم وأهليهم السجن والقتل والتعذيب والتشويه والاغتصاب.
تمّ إخماد الثورة حينها بمجازر تُذَكِر بأهوال المغول والتتار والإغريق، لكنها تفتقر إلى مواثيق الشرف والرجولة وعظمة فرسان جنود الإغريق والمغول والتتار!، راح ضحيتها ما لايقل عن عشرين ألف مواطن أعزل.
بقي المجرمون "طُلقاء"، وبما نهبوه من أموال الشعب السوري ،وفي "صمتٍ وهِمّة" كان يجري عسكرياً وإعلامياً بناء نظامٍ "شبحٍ" في الظل، استعداداً للمعركة!!، وقد جاءت بعد ثلاثين عاماً، من التدمير المنهجي للشعب السوري، إنسانياً واجتماعياً واقتصادياً ، ليجد نفسه أعزلاً في وجه تنظيمات مُتسرطنة تتكيء على شبكة علاقات إقليمية، تستمد منها قوتها، والتي سيكون فيها ذاتها مصرعها ومن حيث لاتحتسب!.
احتمالان لا ثالث لهما في المشهد السوري، الأول: انصياع النظام لإرادة الشعب، وبكلام عربي واضح،لإرادة الأغلبية التي غُيّبت وقُمعت وأًخرست ولُجمت، وإحداث انتقال إداري للسلطة، أو إصلاحات تحقق على مدى زمني محدد هذا الانتقال، والثاني: انفجار الأوضاع، ليس في سورية فحسب، بل في المنطقة بأسرها، الشيء الذي هدد به وحرفياً أحد أبواق النظام السوري، قائلاً : " سنفتح لكم الجبهة وسنشعل المنطقة من السعودية إلى الجولان"!.
اشتعال المنطقة، سيكون على طريقة الحرب الأهلية اللبنانية، حيث ستدخل القوى الكبرى عربيا ًوإقليمياً وعالمياً ، لتدير معارك مصالحها على الأرض، ليس في سورية فحسب، بل في العراق، ولبنان، واليمن، والسعودية نفسها!،وقبل ذلك، في إيران، التي يمور شعبها وينوء بتركة نظام طائفي شمولي مستبد، يحرم الأغلبية من تحقيق إرادتها في عيش كريم حر بعيدا عن فرض رؤى دينية خاصة بالقوة على شعب حر، يرفض موقف حكومته من الشعب السوري، وما يجري في سورية من مذابح يندى لها جبين الإنسانية.
كذلك في تركيا، التي كانت قد تحالفت مع الضباع ، ولم تحسب حساباً إلى أن الضباع لا ترقب في أحد ديبلوماسية، ولاسياسة، ولا استراتيجية!، ولا إلاً، ولا ذمة!.
تركيا التي تستقبل النازحين السوريين، الذين ضاقت بهم بلادهم، وأَعَمَل فيهم نظامهم سكاكين الغدر والعقوبات الجماعية، طار صوابه إذْ تجرأ شعبه فنادى بالحرية والكرامة، فحشره بين فرم شبابه أو اغتصاب أطفاله، فخرجوا على وجوههم في "تغريبة" تذكرنا بتغريبة "حاتم علي" الفلسطينية، وهم لايعلمون أن من يخرج من داره قلما يعود إليها!.
تركيا التي دعمت النظام وسكتت على جرائمه ثلاثة أشهر، ومنعت هؤلاء الفارين من الحديث مع الوكالات الدولية، ووسائل الإعلام، حفظاً لدورِ مصالحةٍ وتجسير "قد" تقوم به بين الشعب والنظام "الشبح" الذي تأكد أنه الحاكم الفعلي لسورية، والذي لم يُبق لنفسه من مُصدِقٍ ولاصَديق!، تركيا بكل هذه الشحنة السياسية الدبلوماسية الهائلة، أصبحت هدفاً لأبواق النظام الذين تقطر كلماتهم سمّاً زعافاً، يطلقون تهديداتهم لتركيا، كأنها المسؤولة عما يجري في بلد الأهوال "قلب الرعب الصامد".. "سورية العظمى" بمصاصي دمائها، وباتكائها على النظام العام العالمي الذي لا يريد الاستغناء عن خدمات هذه العصابة فيها!.
ماسيرغم النظام العالمي على التحرك إذاً، ليس احتمال انفجار الأوضاع الإنسانية والاجتماعية والسياسية على صورة مخيفة في المنطقة، ولكن تَسيُب الأمور لتُفتح معها كل حدود إسرائيل، وتَحَوُل المنطقة إلى مرتع للاحتراب العشوائي، سَيَصُب قطعاً في حدود العدو الذي زرعه في أرضنا النظام العالمي الذي وُلِد بعد الحرب العالمية الثانية، صمامَ أمانٍ لاستمراره! ، بعد ان عاشت شعوب المنطقة نصف قرن من القمع والإرهاب بيد هذا التحالف الشيطاني بين المستعمر والمستوطن والمستبدين، بهدف تغييب إرادة الأمة، ومنعها من العودة إلى الفعل والحياة.
بيد شعوبنا اليوم، تكمن إمكانية رسم خارطة إنسانية سياسية جديدة، ليس للمنطقة فحسب ، بل للعالم كله، نكون فيها أحراراً كراماً، أو نستمر في خانة العبيد!.
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن