باحث أكاديمي | فلسطين
إنما أنا بشرٌ مثلكم
كتب بواسطة ساري عرابي
التاريخ:
فى : المقالات العامة
957 مشاهدة
ليس سرًّا أنّ النبيّ،صلّى الله عليه وسلم، كان بشرًا، والقرآن كثّف من التأكيد على بشريته، "قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إليّ"، فليس في البشر من ضرورات المعنى الإنساني ما النبي مستثنى منه، بما في ذلك حبّ النساء، تمامًا كما بقية الأنبياء "وما أرسلنا قبلك إلا رجالاً نوحي إليهم فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون * وما جعلناهم جسدًا لا يأكلون الطعام وما كانوا خالدين".
والنبيّ -صلى الله عليه وسلم - نفسه اهتمّ بالتأكيد على بشريّته "ولكن إنما أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون، فإذا نسيت فذكروني"، "إنما أنا بشر، وإنه يأتيني الخصم، فلعل بعضكم أن يكون أبلغ من بعض، فأحسب أنه صدق، فأقضي له بذلك"، "إنما أنا بشر، إذا أمرتكم بشيء من دينكم فخذوا به، وإذا أمرتكم بشيء من رأيي، فإنما أنا بشر "، "اللهم إنما أنا بشر، فأيما رجل من المسلمين سببته أو لعنته أو جلدته، فاجعلها له زكاة ورحمة"، وما في هذا المعنى أكثر من أن يحصى، بما في ذلك الغرائز الآدمية، كالجنس وحب النساء، "وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني ".
بل إنّ عظمته في قدرته على القيام بأعباء الرسالة، وما تقتضيه من شفافية روحانية عالية، بالرغم من آدميّته الطبيعية، وهو ما اجتمع في حدبث بديع جامع مشهور، وهو قوله: "حبب إلي من الدنيا النساء والطيب، وجعل قرة عيني في الصلاة ".
وقد كنّا دائمًا، وكان المسلمون طوال مئات السنوات، يعلمون الأحاديث التي تتعلق ببشريته وحياته الزوجية وما يتصل بها من علاقات خاصّة.. بلا إشكال، وكان ذلك في وعينا الفطري، من كمالات آدميته، وعظمته في النهوض برسالته، ولم يكن يحجزنا عن هذا الفهم السويّ أيّ تصوّرات رهبانية أو متقزّزة من غرائز البشر التي ركّبها الله فيهم، ولو لم يكن النبي كالناس تمامًا، لما توفّر فيه نموذج القدوة وداعي التأسّي، وهذا من حكم قصّ القرآن مواضع التأديب الرباني لبعض أنبيائه، وإظهار جوانبهم الإنسانية، من حزن، وغضب، وما يبدو من عجلة، وبعضها -بقليل من التأمّل- قد يكون أكثر مدعاة للاستغراب من القضية الجنسية في حياة النبي، فإذا كان المصنوع على عين الله، والمؤيد بالوحي، تظهر فيه بشريته بهذه القوّة، فكيف من هم دون الأنبياء!؟
لكن الجانب الجنسي، حتى لو كان فيه شيء من التميز أو الفرادة، يظل جانبًا محدودًا من شخصية النبي وحياته ودعوته ورسالته، فنحن نقرأ أحاديث إتيانه أزواجه من بين آلاف الأحاديث التي تُجلّي سيرته وسنته ورحمته وخلقه العظيم وحكمته وعبقريته ودلائل نبوته.. الخ، ولا نختزل النبيّ في الجانب الجنسي.
اختزال النبيّ صلى الله عليه وسلم في الجانب الجنسي، هو ضرب من التشويه المتعمد، والدفاع عن سلوك كهذا، أو إرجاع المشكلة إلى الأحاديث النبويّة التي تناولت هذا الجانب، مغالطة واضحة، فالنبي صلى الله عليه وسلم هو مجموع تلك الأحاديث لا بعضها، بينما الرسومات جعلت هذا هو النبي وفقط، هذا فضلاً عن الشكل الموحي لتعزير اختزاله في الرجل الذي لا قضية له إلا اشتهاء النساء.
وبعض ما يستغرب اليوم، لا يلحظ بساطة مجتمع المسلمين في ذلك الوقت، وتصالحهم مع بشريتهم، وعادية كثير مما يبدو مستعظمًا اليوم، وحاجة المسلمين للإرشاد والتعلم من الحياة النبيّ الخاصة للقدوة والأسوة.
المصدر : موقع مجلة إشراقات
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
أثر تغيير الأسماء والمفاهيم.. في فساد الدنيا والدين!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!