اغتنمي وقتك يطل عمرك!!
نعم أيتها الأخت الكريمة، فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول:"من سرّه أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أجله فليصل رحمه"[رواه البخاري ومسلم].
وهناك أحاديث بل وآيات عدة تتحدث عن زيادة العمر.
وللعلماء حول هذه الآيات والأحاديث أقوال عدة. منها أنّ هذه الزيادة في العمر كناية عن البركة فيه بسبب التوفيق إلى الطاعة وعمارة الوقت بما ينفع في الآخرة، وعدم تضييعه في غير ذلك من المعاصي التي تمحق بركة العمر ويقول الإمام ابن القيِم في (الجواب الكافي):"فوقت الإنسان هو عمره في الحقيقة، ومادة حياته الأبدية في النعيم المقيم، ومادّة المعيشة الضنك في العذاب الأليم. وهو يمرُ أسرع من السَحاب، فما كان من وقته لله وبالله، فهو حياته وعمره، وغير ذلك ليس محسوباً من حياته وإن عاش فيه طويلاً، فهو يعيش عيش البهائم فإذا قطع وقته في الغفلة والشهوة والأمانيِ الباطلة، وكان خير ما قطعه بالنوم والبطالة: فموت هذا خيرٌ له من حياته..".
وما أحكم تعبير الشاعر عن هذا المعنى في قوله:
نهارك يا مغرور سهوٌ وغفلةٌ وليلك نومٌ والرَدى لك لازم
تسرُ بما يفنى وتفرح بالمنى كما سرَ بالَذَات في النَوم حالم
وتسعى إلى ما سوف تكره غبَه كذلك في الدنيا تعيش البهائم
وإذا ما تأملنا من الناحية العملية في الأوقات المهدورة، وتفكرنا في مقدارها وعدم فائدتها، لرأينا العجب العجاب! نقتطف من الأمثلة على ذلك المثالين التاليين:
1-الإنسان الذي يعيش 60 عاماً إن نام 8 ساعات يوميّاً يكون بذلك قد أمضى ثلث عمره، أي 20 عاماً، نائماً دون استغلال لهذه الأوقات التي قضاها في النوم. فيكون عمره 40 عاماً لا 60 عاماً، لأن 20 عاماً مرت من عمره دون أن يشعر بها أو يستغلها في العمل النافع. وكل ساعة يزيدها في نومه يوميّاً على مدار الستين عاماً هب عبارة عن ضياع سنتين ونصف من عمره دون فائدة.
2-وإذا كان هذا الإنسان يضيّع ساعتين فقط يومياً أمام قاتل الأوقات وماحق البركات (التلفاز)، فإنه بذلك يكون قد أضاع خلال الستين عاماً 5سنوات من عمره أمام التلفاز دون استغلال. مع العلم أن الدراسة الفعلية للمرحلة الجامعية بأسرها، ومع التخصُص، لا تستغرق مقدار هذا الوقت، الذي سيسأله الله تبارك وتعالى عنه، ويحاسبه عليه حساباً دقيقاً كما أخبرنا بذلك الصادق المصدوق عليه الصلاة والسلام بقوله:"لن تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع خصال: عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه، وعن علمه ماذا عمل به" حديث صحيح، رواه الطبراني.
والإسلام بطبيعته دينٌ يقدِر الوقت ويعرف قيمته وخطورته على حياة الإنسان وعلى مصيره‘ فتوعَد لذلك كلَ من يستهين بأوقاته ويضيّعها في اللهو والفساد. لأن حياة الإنسان (عمره) ليست في الحقيقة إلا وقتاً يقضيه وعملاً نافعاً يؤدّيه. وبعبارة رياضيّة بسيطة يمكننا القول:
العمر= وقت + عمل نافع (صالح).
وبمقدار ما تقوم الأخت المسلمة بأعمال نافعة وبأعمال صالحة، خلال أوقاتها التي تقضيها وتحسب عليها وتمرُ من عمرها، بمقدار ما يكون عمرها نافعاً، مباركاً ومؤدِياً للغاية التي خلقها الله من أجلها. أما إذا سمحت هذه المسلمة وأذنت بضياع وقتها دون استغلال له، فإنها تكون بذلك قد أضاعت عمرها الذي هو من أثمن وأعزِ ما تملك.
ومن المؤسف جداً أن نسمع تلك العبارة القبيحة التي تأبى إلا أن تطرق أسماعنا من هنا وهناك وهنالك، ألا وهي قولهم:"إنا نريد أن نضيِع الوقت".
الله أكبر، كم هانت علينا أوقاتنا وأعمارنا!! فأي وقت هذا الذي يريدون أن يضيِعوه؟! إنه والله جزء ثمين من أعمارهم.
والأشد من ذلك أننا أكثر ما نسمع هذه العبارة تتردد في شهر رمضان المبارك، شهر استغلال الأوقات واغتنام الفرص، الذي جعل الله فيه ليلة القدر، ليلةٌ العمل فيها خير من عمل ألف شهر، أي: خيرٌ من عمل ثمانين عاماً.
فنبيُنا عليه الصلاة والسلام عندما أري أعمار الأمم قبله، كأنه تقاصر أعمار أمّته وخشي أن لا يبلغوا من العمل مثل ما بلغ غيرهم في طول العمر، فتتخلّف هذه الأمة عن ركب الأمم السابقة، ولا تكون خير الأمم لقصر أعمارها وقلة أعمالها، فأعطاه الله تعالى ليلة القدر وجعلها خيراً من ألف شهر. وبعد حرص النبي صلى الله عليه وسلم على زيادة بركة أوقاتنا وتطويل أعمارنا، وبعد إكرام الله سبحانه لهذه الأمة بأن أعطاها ما يعوِض عليها قصر أعمارها ويزيد في أعمالها إن هي استغلَته كما أراد تعالى، فبعد ذلك كلِه ترانا نسعى جاهدين ونبحث ونفتش عما يضيِع لنا أوقاتنا وينقص لنا من أعمارنا، ولو أنفقنا الأموال واشترينا الآلات والأدوات القاتلة والمدمِرة للأوقات!! فبالله عليكنّ، أيّ إنسان عاقل هذا الذي يسعى جاهداً ليتخلص من أثمن ما يملك؟! اللهم إلا إذا كان جاهلاً لقيمته وأهميته، وإلا إذا كان مفرِطاً ومستهيناً في أداء واجباته. لأن من المعلوم بداهةً أنّ الواجبات هي أكثر من الأوقات..
فكوني على يقين، أختي الكريمة، أنك إذا التزمت تطبيق أوامر الله تعالى وعملت جاهدةً لعمارة آخرتك والفوز برضوان الله والاستزادة من فضله سبحانه، وقمت بواجبك تجاه أمتك وتجاه المسلمين: بأنك لن تجدي عندك فضل وقت ولن تجدي فراغاً، بل ستجدين أوقاتك قصيرة بالنسبة لما تريدين وتودين أن تقومي به من الواجبات والطاعات والأعمال النافعة.
فالوقت بالنسبة لك هو أحد اثنين، إما صديق وخادم ودود يحقِق لك أهدافك وغاياتك، وإما عدوّ لدود يكون سبب مقتك وهلاكك والعياذ بالله، والذي يقرر ويحكم بذلك هو أنت حسب استغلالك إياه وتسخيرك وتذليلك له في تحقيق مبتغاك، وعدم إضاعته هباءً دون فائدة. ولله درّ قائل تلك الحكمة الذهبية المعبِرة:
"الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك".
إذاً فكلُ يوم يمضي، وكلُ ساعة تنقضي، وكلُ لحظة تمر ليس في مقدور أيٍ كان من الخلق أن يستعيدها ويستغلّها من جديد. وفي هذا يقول الحسن البصري رحمه الله:"يا ابن آدم إنما أنت أيام، كلما ذهب يوم ذهب بعضك". ويقول رحمه الله:"ما من يوم ينشقُ فجره إلاّ وينادي مناد: يا ابن آدم: أنا خلقٌ جديدٌ، وعلى عملك شهيدٌ، فتزوَد مني بعمل صالح فإني إذا مضيت لا أعود إلى يوم القيامة".
أما الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه فيقول:" ما ندمت على شيء ندمي على يوم غربت شمسه: نقص فيه أجلي، ولم يزد فيه عملي".
ويقول رضي الله عنه- أيضاً- :"إني لأمقت الرجل أن أراه فارغاً، ليس في شيء من عمل الدنيا ولا عمل الآخرة".
لذلك كان بعض السلف يقولون:"علامة المقت إضاعة الوقت"، وكان بعضهم يقول:"من كان يومه كأمسه فهو مغبون، ومن كان يومه شرّاً من أمسه فهو ملعون".
فسبحان الله، ما أثمن هذا اليوم! هذا الوقت القصير! وما أثمن الساعة واللحظة!. ما أثمن هذه الأوقات وما أغلاها يوم القيامة!! عندما يستغيث أهل النار بالله سبحانه بصوت عال مرتفع وبكاء وصريخ متوسِلين إليه سبحانه أن يخرجهم من النار ويردّهم إلى الدنيا، ليؤمنوا بدل كفرهم، وليطيعوا بدل معصيتهم، ولو كان ذلك لوقت قصير، ولو كان بمقدار ما يمكّنهم أن يقولوا: لا إله إلا الله محمد رسول الله...
هذا المعنى نتأمّله خلال آيات عدة، كقوله تبارك وتعالى:﴿والذين كفروا لهم نار جهنم لا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخفَف عنهم من عذابها كذلك نجزي كلَ كفور* وهم يصطرخون فيها ربَنا أخرجنا نعمل صالحاً غير الذي كنا نعمل أو لم نعمِركم ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير فذوقوا فما للظالمين من نصير﴾[فاطر:36-37].
وقد نبّهنا ودعانا الرحمة المهداة عليه الصلاة والسلام إلى استغلال أوقاتنا واغتنام أعمارنا قبل انقضائها وفوات أوانها، وقبل أن يحلَ بنا أحد المعوِقات السبعة المانعة من استغلال الوقت وحسن اغتنامه، فقال صلى الله عليه وسلم:"بادروا بالأعمال سبعاً، هل تنتظرون إلا فقراً منسياً، أو غنىً مطغياً، أو مرضاً مفسداً، أو هرماً مفنداً، أو موتاً مجهزاً، أو الدَجَال فشرُ غائب ينتظر، أو السَاعة فالسَاعة أدهى وأمرُ"،[رواه الترمذي وقال: حديث حسن] وقال صلى الله عليه وسلم واعظاً رجلاً:"اغتنم خمساً قبل خمس: حياتك قبل موتك، وصحتك قبل سقمك، وفراغك قبل شغلك، وشبابك قبل هرمك"[حديث صحيح: رواه الحاكم].
فهلاَ فتحنا أيتها الأخوات آذان قلوبنا لما قرأنا وسمعنا، وبدأنا بإعداد أنفسنا لاستغلال كلِ لحظة من حياتنا واغتنام كلِ فرصة من أعمارنا للعمل لآخرتنا، وتحقيق ما ينفعنا ويصلحنا، قبل أن يحلَ بنا أحد هذه المعوِقات التي تحول بيننا وبين العمل!! أم سنظلُ- والعياذ بالله- كمن يوافق حاله قول الشاعر:
يا من بدنياه اشتغل وغرّه طول الأمل
الموت يأتي بغتةً والقبر صندوق العمل
إذاً فليتّق الله هؤلاء الذين لا يبالون بإضاعة أوقاتهم سدىً دون فائدة، ويسرفون في الإنفاق على اللهو والفساد، وارتياد أماكن المنكرات، والوسائل والأجهزة التي تهدر أوقاتهم دون شفقة وتلهيهم عن أداء واجباتهم، هذا إذا لم يكونوا سبباً في إضاعة أوقات غيرهم وصرفهم عن القيام بواجباتهم وإطاعة أوامر ربهم.
فليتق الله هؤلاء، وليجعلوا دائماً نصب أعينهم قول النبي صلى الله عليه وسلم:"نعمتان مغبونٌ فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ"[رواه البخاري].
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن