من لهذا السيل من الفساد؟
يقول الله تبارك وتعالى في محكم تنزيله:﴿فلولا كان من القرون من قبلكم أولو بقيّة ينهون عن الفساد في الأرض إلا قليلاً ممّن أنجينا منهم واتَبع الذين ظلموا ما أترفوا فيه وكانوا مجرمين* وما كان ربُك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون﴾. فالله سبحانه وتعالى يكشف لنا في هذا القول الكريم عن تاريخ وقانون.
أما التاريخ ففيه التجربة والدرس وأما القانون ففيه البيان والإعلام. فمن تاريخ الأمم السابقة التي أهلكها الله جلّ جلاله أن قليلاً من أفرادها كانوا ينهون عن الفساد، ولكنّهم لقلّتهم وعدم قدرتهم على دفع الفساد والظلم والتَرف حقَ عليها العذاب الأليم ونزلت فيها الأهوال المدمِرة كالصيحة المزلزلة والرياح العاتية والخسف المرعب والطوفان الشامل وغيرها- مما حكاه الله العظيم في القرآن الكريم:﴿فكلاً أخذنا بذنبه: فمنهم من أرسلنا عليه حاصباً، ومنهم من أخذته الصيحة، ومنهم من خسفنا به الأرض، ومنهم من أغرقنا، وما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون﴾- مما نزل على أقوام نوح وعاد وثمود وقوم سيدنا لوط وعلى الطاغية فرعون وقومه فأصبحوا أثراً بعد عين!! وها هي مساكنهم الخاوية بادية للعيان إلى يومنا هذا في الربع الخالي من الصحراء العربية، وعلى طريق المسافر من لأردن إلى الحجاز، وفي البقعة المخسوفة التي غمرها ماء البحر المسمى بالبحر الميت في الأردن. ولو أنهم بقيت فيهم نخبة تنهى عن الفساد وتنشر الهداية وتدفع بقوتها وحيويَتها تيّار الظلم والترف لما أهلكهم الله تعالى.
وأما القانون ففيه بيان وإعلام- وبيان الله وإعلامه وقوله فصل وليس بالهزل- وهو أنّ الربَ تبارك وتعالى ليس من سنّته إهلاك الأمم وتدمير المدن والقرى وإفناء الحضارات بسبب ظلمها طالما أن فيها ناساً مصلحين: صالحين طائعين لله في ذوات أنفسهم ومصلحين لغيرهم في مجتمعهم.
ومن هذا المنطلق فن قانون الله لا يحابي. وما سمِي القانون قانوناً أو بالتعبير القرآني:( مثلاً وسنّةً) إلاّ لأنه مطّرد. ونحن الدعاة إلى الله عز وجل في لبنان إن لم نع هذه الحقيقة ونتحمّل مسؤولية الإصلاح والدعوة ودفع الفساد ستكون النتيجة وخيمةً لا تبقي ولا تذر من وجود المسلمين في هذا البلد شيئاً ولا حتى الاسم. وهو ما نرجو ألاّ يكون إن شاء الله تعالى إلاّ أنّ الأمر ليس بمجرّد التمنِي بل بإدراك الخطر الداهم أولاً ثم باستنفار كلّ الجهود لدفعه كما هو مقتضى سنّة الله المبيَنة في القرآن:﴿ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض﴾. والخطر الذي يداهمنا في هذه المرحلة من الاسترخاء الأمني والسياسي في لبنان هو المتمثّل بسيل جارف من الفساد الفكري والخلقي الذي اكتسح كل الميادين وبمختلف الوسائل. ذلك الفساد الذي يتركّز على أمرين: أحدهما فكري وهو الترويج للمفاهيم "الصَنميّة" الجاهلية ولحلّ "العلمنة" المستورد والذي يعني فصل الدين عن كل شؤون الحياة حتى الأحوال الشخصية وشؤون الأسرة، والذي يطرح على أنه الحلّ لمشكلة تعدّد الطوائف في لبنان. ولكنه في الحقيقة والنتيجة يستهدف القضاء على البقية الباقية مما تبقّى من دين المسلمين بعدما غاب قسم كبير منه بغياب الحكم الإسلامي، تلك البقية المنحصرة بما تتولاّه المحاكم الشرعية والتي يهدف طرح العلمنة- الذي يدندن حوله هذه الأيام العلمانيون- إلى إلغائها ليفقد المسلمون آخر معاقلهم الذي على ضعفه وسيّئاته لا زال يذكّرهم بهويّتهم.
وأما الفساد الثاني فهو خلقي حيث يلاحظ انتشار موجات الإباحية والانحلال، وانطلاق الشهوات، وظهور العري بين النساء، والتفنُن في الفواحش والتبرّج وتحريك الغرائز، مما يهدِد الكيان برمته بالدمار، ولا يبقي على فضيلة وخلق، ويهوي بالشباب والشابّات إلى مهوىً سحيق من الرذيلة وقلّة الحياء والانغماس في الشهوات والفواحش. اللهم إلا إذا استرخصنا بذل التضحيات والجهود والأموال في سبيل الإسلام ونشر دعوته لنبرهن أن ديننا أغلى عندنا من أرواحنا، وأن عزّتنا أكرم لنا من حياة الذلّ والهوان، كاشفين عن خطر العلمنة وتهافت مفاهيمها بل وكفرها وضلالها، وإلا إذا كنّا أولي البقية الذين ندبهم القرآن الكريم للقيام عندما يغفل الناس، والاستيقاظ حينما ينام الناس، والإصلاح حينما يفسد الناس، فنجعل الدعوة إلى الله تعالى هي حياتنا، وهداية الناس هي سعادتنا، والعودة بالمسلمين إلى دينهم هي همَنا وقضيَتنا لأن في ذلك عزَنا في الدنيا ونجاتنا وتكريم الله سبحانه لنا في الآخرة. وعلينا مهما ادلهمّت الخطوب أن لا نيأس من فطرة الناس وبروز الخير في نفوسهم. والواقع يشهد لذلك إذ أن الوضع المرير الذي نعيش ليس من جحود الناس ورفضهم للهداية وإنما هو في كثير من الأحيان بسبب تقصير العلماء والدعاة وتخلُف وسائلهم وبرودة عواطفهم وانطفاء حماسهم وقلة بذلهم.
وفي الختام: كم للأخت المسلمة مع زوجها وفي أسرتها وضمن وسط النساء من أثر في توسيع دائرة الصلاح.
فالحقي أختاه بركب الهداة قبل أن يفوت الأوان، وكوني الغيورة المجاهدة فقد...
طال المقام على الهوان فأين زمجرة الأسود
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن