احفظِ الله يحفظْك
اكتئاب، قلق، وسواس، هلع، نرجسيّة، حدّيّة، معاداة للمجتمع، وضغوط وأمراض أخرى كثيرة... وحسب منظمة الصحة العالمية فإن مليار شخص في أنحاء العالم مصابون بأمراض نفسية، وحسب محرك البحث غوغل فإن البحث عن الأمراض النفسية في ارتفاع مستمر في العالم العربي.
ظننت أنّ هناك مبالغة فيما يتعلق بازدياد الأمراض النفسية عندنا )عند العرب والمسلمين(، لكن بقليل من التفكير وجدت أنّ حولي أنا فقط : شاب مكتئب اكتئابا حادا، ومريضة بالفصام، وشخص مصاب بالوسواس القهري، وآخر نرجسي هو وأمه!! فكم إذن عدد المصابين حول كل واحد في عالمنا المسلم؟
وسألت نفسي، لماذا لدينا إصابات كثيرة ونحن نتمتع بالترابط الأسري ، والاحتواء والانتماء، وفي إسلامنا ما يقينا هذه الأمراض؟
لو أنّا وعيْنا جيدًا هذا الحديث فقط وعلّمناه لأبنائنا ورسخناه كعقيدة في عقولنا وعقولهم وقلوبنا وقلوبهم، لأمّنّا لنا ولهم الوقاية والعلاج معا ضد أي خوف أو اكتئاب أو حزن أو قلق أو غيرة أو حسد أو أنانية.. عنِ ابنِ عبَّاسٍ قالَ : كنتُ رِدفَ رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ فالتفتَ إليَّ فقالَ : "يا غلامُ ، احفَظِ اللَّهَ يحفَظكَ، احفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ أمامَكَ، تَعرَّف إلى اللَّهِ في الرَّخاءِ، يَعرِفْكَ في الشِّدَّةِ قد جفَّ القلَمُ بما هوَ كائنٌ، فلَو أنَّ الخلقَ كُلَّهُم جميعًا أَرادوا أن ينفَعوكَ بشَيءٍ لم يقضِهِ اللَّهُ لَكَ، لَم يَقدِروا عليهِ، أو أرادوا أن يضرُّوكَ بشيءٍ لم يقضِهِ اللَّهُ علَيكَ، لَم يقدِروا علَيهِ، واعلَم أنَّ ما أصابَكَ لم يكُن ليُخطِئَك وما أخطأكَ لم يكُن ليُصيبَكَ ، واعلَم أنَّ النَّصرَ معَ الصَّبرِ ، وأنَّ الفرجَ معَ الكربِ، وأنَّ معَ العُسرِ يسرا".
كان ابن عباس في العاشرة من عمره حينها، وكان خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فانتهز رسولنا المعلم المربي -عليه الصلاة والسلام- الفرصة فعلمه وعلم الأمّة إلى قيام الساعة أنّه:
عندما نأتمر بأوامر الله سبحانه وتعالى ونلزم حدوده وننتهي عما نهى، فإن الله الحفيظ يحفظنا في ديننا وأهلنا ومالنا وأنفسنا، يرعانا ويحمينا ويحرسنا فلا تستطيع قوة أن تؤذينا أو تضرنا ما دام الله حافظنا!
إذا حفظْنا الله نجده تجاهنا يقربنا إلى كل خير، يقربنا إليه ويهدينا الرشاد، فماذا أجمل معية وأعظم دعما وأكثر أمنا وسكينة من قرب الله وهدايته؟
مسائلنا وحوائجنا كلها مهما كبرت وعظمت، هل هناك أعظم مجيبًا ومغيثًا من الله السميع القريب المجيب الملك القادر القوي المغيث الوهاب الرزاق الوكيل؟ كيف نعلم أسماء الله وصفاته ونخشى مستقبلا أو بشرا أو فقرا فنكتئب ونمرض ونحسد ونحقد ونضطرب؟
أيها الإنسان، رُفعت الأقلام وكُتبت المقادير كلها، فانتهى كل شيء وليس لنا إلا الرضى والحمد وفي ذلك الراحة والسلام النفسي والهدوء!
في ديننا، في كل ركن وكل فرض وكل أمر وكل نهي، وقايةٌ من كل هم وعلاج لكل غم :
الصلاة، كان رسولنا صلى الله عليه وسلم يقول:" "يا بلالُ، أَقِمِ الصَّلاةَ، أَرِحْنا بها"، كيف لا، وبها نناجي خالقنا المدبر ونتوسل إليه وندعوه، فهل بعد ذلك يظل تعب أو حزن؟ والصيام مدرسة الصبر والقرب من الله والتوبة والقرآن والقيام والدعاء.. فأي تخليص من الهموم بعد هذه الطاعات؟ وفي الزكاة والصدقات حمد لله فنتواضع، وتدريب على عدم التعلق بالمال والدنيا فنتذكر أن الدنيا زائلة ولا تستحق، وفيها إحساس بالمسؤولية نحو إخوة لنا في حاجتنا فنرى أن لحياتنا معنى، و ترقّ قلوبنا فنحب لهم ما نحب لأنفسنا فنتخلص من الأنانية البغيضة والتي هي باب للحسد والكبر واحتقار الناس، بل وهي عرَض مهم من أعراض النرجسية.
طمأنينة النفس هي راحتها وسكونها وثباتها، "الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ "..
ثم زادنا ربنا طمأنينة ووعدنا باليسر مع العسر وليس بعده، وربما يكون العسر هو نفسه الفرج واليسر، والقصص في ذلك كثير.
الأمراض النفسية أسبابها جينية وراثية أو بيئية، والرابط بين الأسباب وحدوث المرض هو الإساءة في التربية والتعنيف والقسوة والإهمال، فالشخص يرث قابلية الإصابة بمرض نفسي وليس من الضرورة أن يصاب بهذا المرض، لكنه يصاب بنفس المرض النفسي بسبب تفاعل جينات وعوامل أخرى مثل الإجهاد أو سوء المعاملة وسوء التربية أو حدث صادم!
التربية السليمة القائمة على احترام الأبناء منذ طفولتهم وتقديرهم والاهتمام بحاجاتهم ومشاعرهم وتقوية شخصياتهم بحيث لا تهزّهم أو تدمّرهم المواقف، وتعليمهم كل ما في ديننا من عبادات، يُعِدّ جيلا يتمتع بالصحة النفسية، وحتى عندما يتعرضون للمواقف الصعبة فإنه سيكون بمقدورهم الخروج من الموقف بل وبأنفسهم دون اللجوء لمعالج، مرجعيتهم في ذلك ودواؤهم كل ما تعلموه وتربوا عليه من إيمان.
بقي أن أقول: عندما نكبر ونكتشف خللا ما في شخصياتنا أو يخبرنا أحد بذلك، فليس عيبا أن نعدّل ونصحح، ونستمر في التقييم والتقويم فنستزيد مما يرضي الله عنا ويجعلنا أسوياء أولا بأول، وهو أيضا مما يجب أن نربي أبناءنا عليه.
المصدر : موقع مجلة إشراقات
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة