انتصرت غزّة
ماذا عن معركة اليوم وقد تمخّضتْ عن مقتل الآلاف وأَسر المئات، وانتحار العشرات من جنود العدو وضبَّاطه، وتحطيم العشرات من دباباته وآلياته، وكانت تُعَدُّ من أكثر الأسلحة فتكاً، وأحدثها، وأشدها تحصيناً... واستشهاد الألوف والمئات من أطفال غزة وشيوخها ونسائها وشبابها، وتحطيم مساكنها ومستشفياتها وبُناها التحتية...
وحتى نفهم ما يجري، ونضع كلَّ حادث في موقعه الصحيح، لا بدَّ من أن نتذكر هذه الحقائق:
1- عندما نذكر ضحايا أهل الإيمان وضحايا أهل الكفر، نستحضر حقيقة أنّ قتلانا في الجنة، إن شاء الله، وقتلاهم في النار. ولا سواءَ!!
2- ثلاثة أشهر ولا تزال غزةُ تقاوم، ولا تزال معنويات شعبها عالية، على الرغم من دعم قوى الاستكبار العالمي للكيان الصهيوني، دعم بأعتى الأسلحة والبوارج والصواريخ والقذائف والجنود... فضلاً عن الدعم بمليارات الدولارات، والدعم السياسي والإعلامي... يقابل ذلك دعمٌ خجول لأهل غزة من شعوب مسلمة يتجلَّى بمظاهرة هنا، ومسيرة هناك... ودعم "كلاميّ" من بعض الحكومات والمنظمات...
إنه، وَفق معايير أهل الأرض، ما كان لغزةَ أن تَثبت وتُقاوم أكثر من بضعة أيام، لكنه الإيمان.
3- إنَّ إفساد اليهود وشرورهم لا تخفى على أحد، وهي ليست وليدة شهور أو سنين، بل هي طبيعتهم منذ أيام سيدنا موسى عليه السلام، وقد عانت الشعوب منهم عبر التاريخ. ويكفي أن نتذكر مواقف زعماء الغرب من اليهود خلال القرون الأخيرة:
يقول (بنجامين فرانكلن) أحد زعماء الاستقلال الأميركي في عام 1789م: "هناك خطرٌ عظيم يتهدد الولايات المتحدة الأميركية، هو خطر اليهود، فكل أرض يحلّ فيها اليهود ستعاني من إطاحتهم بالأخلاق، وإفسادهم الذمة التجارية، وهم يعملون على خنق الشعوب التي يقيمون بينها"!..
ويقول (نابليون) في عام 1808م: "اليهود هم أذلُّ فئة على وجه الأرض، ويجب علينا ألَّا ننظرَ إليهم بوصفهم عنصراً متميزاً، بل بوصفهم غرباء يرتكبون الجرائم البشعة"!..
ويقول الملك الفرنسي (لويس التاسع): "إنّ أفضل حجّةٍ يمكنك استخدامها مع اليهودي، هي أن تغرز خنجرك في معدته"!..
وإن من أكثر ما يغيظ اليهود هو رؤية الصحوة الإسلامية وهي تتنامى وتمتد منذ نصف قرن أو يزيد، وهذا ما يتجلَّى، أكثر ما يتجلَّى، في قطاع غزة؛ حيث تسيطر حركة حماس، وتخرِّج حفَّاظ القرآن من الشباب والشابَّات، وما يرافق هذا من ارتفاع مستوى الوعي الإسلامي، ومستوى السلوك الإسلامي في أبناء غزة. ولنتذكر في هذا ما قاله "حاييم هيرتزوغ" رئيس الكيان الصهيوني في أوائل التسعينيات من القرن الماضي، وقد كان قبل ذلك رئيساً للاستخبارات الصهيونية "الموساد": "إنَّ ظهور الصحوة الإسلامية بهذه الصورة المفاجئة المذهلة، أظهرت بوضوح أنّ كل وكالات الاستخبارات الغربية والأميركية، كانت تَغُطُّ في سُبات عميق"!.. (جريدة جيروزاليم بوست الصهيونية: 25/9/1978م).
ونشرت جريدة "الرأي" الأردنية في 12/4/1981م ترجمةً لدراسة نشرتْها جريدة "يديعوت أحرنوت" وفيها: "الفتيات المسلمات يشاركن في نشاطات الحركة الإسلامية في فلسطين". "الخُطَب في المساجد تحوّلت إلى خطب سياسية فيها تحريض واضح ضد إسرائيل". "الحركة الإسلامية تتسع وينتمي إلى صفوفها اليوم أكثر من عشرين بالمئة من شباب القرى العربية في فلسطين".
إنَّ إفساد اليهود وشرورهم هو امتداد لعقائدهم الباطلة التي استمدّوها من تلمودهم ومن كتابهم "المقدّس!". ففي الإصحاح السادس من "سِفر يشوع" عندهم، موضّحاً البنية النفسية الإرهابية المتأصّلة في نفوس اليهود، والممتزجة بالحقد والخِسَّة والشرّ: (... ودَمَّروا المدينة، وقَضَوْا بالسيف على رجالها ونسائها وأطفالها وشيوخها، وبَقَرها وحميرها وغَنَمها)!.. والمدينة المذكورة هي مدينة أريحا، التي احتلّها اليهود في العصور الغابرة، ويتابع: (ثم أَحْرَقوا بالنار كلَّ ما فيها)!..
4- ولا ننسى أن قادة الكيان الصهيوني هم أنفسهم قادة العصابات الإجرامية، فمناحيم بيغن وإسحاق شامير هما من قادة عصابة شتيرن التي ارتكبت، بالاشتراك مع عصابة إرغون، مجزرة دير ياسين سنة 1948م وغيرَها من الجرائم.
وشمعون بيريز هو مؤسس عصابة كيبوت الموت، وهو الذي ارتكب مجزرة قانا في لبنان سنة 1996م.
وإسحاق رابين من عصابة الهاغانا التي دمّرت بعض قرى القدس سنة 1948م، وقتلت العشرات من أبناء قرية السموع سنة 1963م، وهو صاحب جريمة تكسير عظام أبناء الانتفاضة الأولى في أواسط الثمانينيات... لذلك استحق جائزة نوبل للسلام!!!.
ولا يتسع المقال لذكر كل زعماء الإجرام وتعداد جرائمهم، فليس عيزرا وايزمان، أو بنيامين نتن ياهو، أو إيهود باراك، أو أرييل شارون... بأنظف سجلّاً ممن ذكرنا.
5- والعجب بعد هذا ممن يلوم أهل غزة، ويحمّلهم مسؤولية ما تعرّضوا له من تقتيل وتخريب، وكأنه يقول لهم: ألم يكن أفضل لكم أن تخضعوا وتذلّوا وتتركوا عدوّكم يرسّخ جذوره في أرض اغتصبها ويضُمُّ إليها أراضيَ أخرى؟!. إن منطق هذا اللائم إنما يليق بالبهائم التي لا يهمُّها إلا أن تملأ بطونها ولو بعلفٍ ممزوج بالمهانة. وإن بعض اللائمين لم يكتفِ بهذا الهُراء بل تواطأ مع العدو وحمى مصالحه، وحاصر المجاهدين وقطع عنهم بعض ما يمكن أن يصل إليهم من مَدَد!
6- إن أبناء القسّام وجنودَ أبي عبيدة عندما دخلوا المعركة عرفوا ثمنها، واتّخذ كلٌّ منهم من نفسه مشروع شهيد، ذلك أن سلعة الله غالية. إن سلعته الجنة. وعلموا أن الله تعالى وعدهم - إنْ جاهدوا في سبيله- أن يُدخلَهم الجنة: {إنّ الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأنّ لهم الجنّة. يُقاتِلون في سبيل الله فيقتُلون ويُقْتلون. وعداً عليه حقاً في التوراة والإنجيل والقرآن}.). (سورة التوبة: 111).
وهم ماضُون في طريق الجهاد سواء رأَوْا النصر بعده في هذه الدنيا أم اختارهم الله شهداء، وقد قال الله تعالى لنبيِّه صلَّى الله عليه وسلَّم: {فاصبر إنّ وعد الله حقّ. فإمّا نرينّك بعض الذي نَعِدهم أو نتوفّينّك. فإلينا يرجعون}. (سورة غافر: 77، 78).
ومع أملنا وثقتنا بأنهم سيرون النصر بأعينهم، فلنفرض أسوأ الاحتمالات في معيار البشر، وهو أن يُقتَلوا فلا يبقى منهم أحد. ألم يكن هذا مصير أهل الأخدود؟ ألم يقل المولى عنهم إنهم حصلوا على "الفوز الكبير"؟
{ولينصُرَنّ اللهُ مَن ينصرُه. إنّ الله لقويٌّ عزيز}.
المصدر : موقع مجلة إشراقات
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة