كاتبة في الفكر وقضايا الأمة رئيسة مؤسسة الدبلوماسيون الدولية في واشنطن
هل انتصرت سوريا أم انتصر أعداؤها؟
إنّنا لنعجب منتهى العجب من الذين خارتْ هِمَمُهم فأصبحوا يتقلّبون في وهمِهم ذات اليمين وذات الشمال، فتوجّسوا خِيفة من نصر الشعب السوري خلال أيام، ونسَوْا أنّ هناك أيّامًا لله، أيّاما للذي لايعجزه أن يقول للشيء كن فيكون، للقهّار الذي يقلّب الليل والنهار، فهيّأ للسوريين المستضعفين أسباب النصر، وهيّأ للظالمين أسباب القهر، فكان أن اجتمعت السياقات السياسية جميعًا لتسوق للسوريين الفتح المبين.
فكلّ أطراف الصراع عن الأسد قد تخلّت، وساحة النصر لثوّار سوريا قد خَلَت، فحسابات روسيا بأن توقف امتداد النيتو، وحسابات إيران بتغيير ديمغرافية سوريا وهويّتها الإسلامية، وحسابات إسرائيل ألّا تشكّل سوريا خطرًا على أمنها، وحسابات المعارضة الشعبيّة السورية بإسقاط النظام الطاغوتي البعثي وبعث سوريا الجديدة، وحسابات بشّار بالخلود على كرسي الرئاسة، كلّ تلك الحسابات تداخلت في لحظة تاريخيّة فارقة، أصبح فيها المتحالفون ضدّ السوريّين متفرّقين، فحين قرّرت روسيا التدخّل العسكري سنة 2015 كانت أهدافها مقاومة الدور الغربي وبالذات الأمريكي في سوريا، وإيجاد مكانة لروسيا في معالجتها للأزمات الإقليمية، ومحاولتها التحكّم في منطقة الهلال الخصيب التي شهدت نفوذًا أمريكيّا، بالإضافة أكيد إلى دعم نظام بشار والقضاء على المعارضة المسلّحة، وتوظيف الأزمة السوريّة كورقة ضغط للتفاوض في علاقتها مع الغرب، لاسيّما الولايات المتّحدة الأمريكيّة، والخلاص من العقوبات الاقتصادية بعد حربها على أوكرانيا، وكلّ هذه الأهداف جعلتْ روسيا تنسّق بإحكامٍ مع إيران وإسرائيل لضرب المعارضة السوريّة، فأذِن الكيان الصهيوني لروسيا بأن تمرّ قاذفاتها لضرب السوريين عبر أجوائها، وأذنت إيران بقاعدة همدان العسكريّة لخدمة المصالح الأمنية والعسكريّة لروسيا، أمّا بشّار فقد قرّر أن يسمح للجميع بالتدخّل في الأراضي السورية، فأحرق البلد مقابل أن يبقى على عرشه إلى الأبد، وأمّا من يدافعون عنه ويعتقدون أنّه الذي منع التطبيع مع إسرائيل، فما لهم كيف يحكمون؟!
هل كانت براميله المتفجّرة موجّهة لحرق الجنود الإسرائيليين أم لحرق المدنيين السورين؟ كيف وهو الذي لم يوجّه صاروخًا واحدًا تجاه الكيان الصهيوني؟
كيف وهو الذي كان أشدّ في بطشه بشعبه من اليهود على أهل غزّة؟
كيف وهو مجرّد حامٍ لحدود إسرائيل المحتلّة، وخادم للمشروع الصفوي الإيراني؟
كيف وحين دخلت اسرائيل في صراع مع حزب الله _أهم أذرع إيران في سوريا وخسر البيع_ ذهب ذليلًا منكسرًا ببرقيّة عاجلة إلى أمريكا أن أجلسيني من جديد على الكرسي وأنا سأكون في خدمتك وخدمة إسرائيل؟
إنّه بعد أن ذهلَت كلّ ذات مصلحة عن مصلحتها من تلك الدول، فغرقت روسيا في وحْل أوكرانيا، وأدّبتها أمريكا بجعلها تخسر نفوذها في سوريا، وبعد أن خسرت إيران أذرعَها في لبنان، فلم تعد تقوى على القتال في سوريا، راحتْ تركيا التي تتشارك مع سوريا في حدودها الجنوبيّة، تبحث عمّا يحفظ أمنها القومي، فاغتنمت تراجع المحاور الروسيّة والصفويّة، واستغلّت الهوامش للتحرّك محدثة زلزالًا غيّر كلّ المعادلة في الأراضي السوريّة.
فالحمد لله على هذا النصر المبين، ولكنّنا نشدُّ على أيدي القادة السوريين ناصحين، أن ينأوا بأنفسهم عن صغائر الغنائم، وأن ينجوا من (نصف تحرير) كما نجوا من (نصف ثورة)، فالقادم خطبٌ جليل، وعليهم أن يبقوا صفًّا واحدًا، متفطّنين لما قد يخطّط له من جديد الكيان الصهيوني، الذي لا يمكن بحال أن يرضى بنظام إسلامي في جوارها، وليعلموا أنّ كلّ أعناق المسلمين مشرئبّة إليهم، ويروا فيهم معسكر الحقّ وجنود الله في أرضه، فكما كانوا للدّين فداء، فليثبتوا وليستمرّوا بحمل اللواء، فقد أصبحوا رئة الأمّة الإسلاميّة التي تتنفّس من خلالها هواء الحريّة، وأوّل انتصارات الأمّة الإسلاميّة نحو الخلافة المقدسيّة.
يقول عليه الصلاة والسلام: 'تكونُ فيكم النبوَّةُ ما شاء الله أنْ تكون، ثمّ يرفعها الله إذا شاء أنْ يرفعها، ثمّ تكون خلافةٌ على منهاج النبوَّة، فتكونُ ما شاءَ الله أنْ تكونَ، ثمّ يرفعُها الله إذا شاء أنْ يرفعها، ثمَّ تكونُ مُلكًا عاضًّا ما شاء الله أنْ تكون، ثمّ يرفعها إذا شاء أنْ يرفعها، ثمّ تكونُ مُلكًا جبريّة، فتكون ما شاء الله أنْ تكون، ثم يرفعها إذا شاء أنْ يرفعها، ثم تكون خلافةً على منهاج النبوَّة'.
وليجمعوا عقول الأمّة ونخبها، من شرقها وغربها، وليتباحثوا سُبل التمكين، فنصرهم نصر أمة، ولا يركنوا إلى دولة دون غيرها في علاقاتهم الدوليّة، حتى لا يصبحوا محل ضغط من أيّ قوّة دوليّة، وليجنحوا للسلم مع الجميع، ويجمعوا سواعدهم لأجل الإعمار والبناء، ولا تلههم نشوة النصر عن الحرْص من المتربّصين خاصّة ما يسمّى بدولة إسرائيل.
والحمد لله الذي تتمّ بنعمه الصالحات.
المصدر : موقع مجلة إشراقات
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
هل انتصرت سوريا أم انتصر أعداؤها؟
ما الذي يحدث اليوم في سورية؟
مَعركةُ الأمّةِ الأولى
أثر تغيير الأسماء والمفاهيم.. في فساد الدنيا والدين!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع