ما الذي يحدث اليوم في سورية؟
أخبار تساقط النظام السوري قد غطّت على كل أحداث العالم. لقد بدأ يتفكّك قطعة قطعة كما تتفكّك قطع "الميكانو/الليجو" من ألعاب الأطفال، وما نكاد نسمع عن تحرّر بلدة إلّا وتأتينا الأخبار عن تحرّر بلدات ومدن أخرى.
وحتّى نفهم ما يحدث لا بدّ أن نمرّ سريعًا على تاريخ السلطة الحاكمة في سورية.
إنّه منذ آذار 1963م بدأ تسلّط حزب البعث واستئثاره بكلّ مقوّمات البلد من جيش ومخابرات وتعليم وإعلام واقتصاد وثقافة...
وبجوار ذلك كان التمييز الطائفي ينمو كالسرطان الخبيث، وتتفاوت فئات الشعب في سرعة الإحساس بالكارثة، فكانت تحصل بين الفينة والأخرى انتفاضات، كان من أوائلها أحداث جامع السلطان في حماة وأحداث جامع خالد بن الوليد في حمص والجامع الأموي في دمشق... ثم كانت كارثة العصر في حماة 1982م وما صاحَبَها وما تبعها من مذابح قام بها النظام في سجن تدمر وفي مدن وبلدات حماة وحلب وإدلب وغيرها، ممّا أدّى إلى استشهاد ما لا يقلّ عن مئة ألف شهيد، وأضعاف هذه الأعداد من المعتقلين ومن الذين تمكّنوا من الخروج إلى بلدان مجاورة أو بعيدة...
وبعد كل مجزرة، أو حملة اعتقالات، أو تصفية في السجون، يظنّ النظام أنّ الأمور قد استتبّت له وأنّه يمكن أن ينعم بالاستقرار، وكان يخدع نفسه بأنّ الشعب قد استساغ الذلّ والخنوع، وبطبيعة الحال لن يعدم النظام أن يجد شراذم ممّن باعوا دينهم ومروأتهم فهم يمجّدون الطاغية ويسبّحون بحمده، فيزداد غرورًا.
فهل يمكن أن تستمرّ الحال على هذا النحو؟ هل يسكت الشعب على انتهاك المقدّسات والحرمات، وعلى سفك الدماء الزكيّة، وعلى سرقة المليارات، وعلى خنق كلّ صوت حرّ؟!.
هنا هيّأ الله جملة من الظروف أدّت إلى تحرّك القهر المكبوت في النفوس، فما تكاد تجد أسرة مسلمة إلّا وقد فقدت بعض أبنائها قتلًا أو سجنًا أو تشرّدًا في الآفاق، وتفاقمت النقمة على حلفاء هذا النظام، فإيران تعمل على نشر التشيّع بكل الوسائل الخسيسة، وتقوم بالمذابح في شتّى أصقاع سوريّة بأشنع الصور، وروسيا تقصف وتروّع وتهدم... ممّا جعل القلوب تبلغ الحناجر من الغيظ. ثمّ إنّ روسيا غرقت في مستنقع أوكرانيا، وإيران تلقّت ضربات متتالية عبر أذنابها، وتركية مدّت يدها إلى رأس النظام لعلّها تجد فرصة ما، لإنقاذ ما بقي من هذا الشعب، فلم يقابلها المجرم بما يليق...
وهنا صارت الظروف مهيّأة للانفجار، ولا حاجة لأن نسأل: لماذا حدث هذا الانفجار؟ بل ربّما نسأل: لماذا تأخّر كلّ هذا الوقت؟.
وقد كان متوقّعًا، وقد ثار الشعب ثورته، أن تكون ثورته حمراء تنتقم من النظام والطائفة والحزب والشبيحة ومشايخ السلطان... فتقتل وتسحق وتهدم... كما هو شأن الثورات الحمراء، لكن الثوّار المجاهدين، فاجؤوا العالم كلّه بما تحلّوا به من وعي ومن أخلاق عالية، ومن سماحة ومروءة وعفّة وأمانة ووفاء... فجعل الشعب كلّه يلتفّ حولهم ويؤازرهم ويرحّب بهم... ويرى منهم من العطاء والكرامة والتضحية والبذل ما كان يحلم به منذ عقود، بل أكثر ممّا كان يحلم به.
وهذا أدّى كذلك بكثير من جنود النظام وأعوانه أن يغتنموا الفرصة وينضمّوا إلى الشعب الحرّ.
سيبقى هناك بعض الموتورين، ممّن كانت أيديهم والغةً في الدماء وارتكاب الجرائم الشنيعة، يحاولون أن يشكّلوا جيوبًا لمقاومة السيل الجارف، ويأبوا أن يتوبوا ممّا عملت أيديهم، ولكن هيهات هيهات. وآخرون من ضبّاط النظام وأوليائه راحوا يفرّون بسياراتهم الفارهة باتجاه مناطق يحسبونها آمنة، وقد حملوا معهم ما خفّ وزنه وغلا ثمنه من سبائك الذهب ومن المجوهرات والدولارات.
وبطبيعة الحال فإنّ الذين كانوا يوصفون بالإرهاب كأبي محمد الجولاني ومختلف قادة الفصائل... قد ظهروا أنّهم من أبناء هذا الشعب، وأبناء هذا الدين، وأنّهم صادقون في جهادهم، حريصون على إقامة الحق والعدل والأمان في ربوع الوطن. {ولينصُرَنّ اللهُ مَن ينصره. إنّ الله لقويٌّ عزيز}.
المصدر : موقع مجلة إشراقات
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
هل انتصرت سوريا أم انتصر أعداؤها؟
ما الذي يحدث اليوم في سورية؟
مَعركةُ الأمّةِ الأولى
أثر تغيير الأسماء والمفاهيم.. في فساد الدنيا والدين!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع