ماجستير في الدراسات الإسلامية
وسائل الإفساد والأجندة الخبيثة

إنّ المشكلة التي سأطرحها، مشكلة خطيرة وتستحقّ من كلّ متخصّص صاحب علم، وكلّ مسؤول صاحب نفوذ، وكلّ عالِم شرع ودين، أنْ يتعاونوا مع غيرهم وتتضافر جهودهم للتصدّي لظاهرة وسائل التواصل الاجتماعي التي اسمها منها بَراء؛ فالذي نعيشه واقعًا بسببها وبسبب انتشارها هو عين الإفساد الاجتماعي!
اطّلعتُ على دراسات رصينة غربيّة وعربيّة تدقّ ناقوس الخطر، تحذّر من خراب بيوت، وانفصال عائلات وأُسَر، وتفشّي الفاحشة والمنكرات في بيوتنا وبيننا ...
لا أبالغ أبدًا حين أرفع عقيرتي بالمناشدة الصادقة لكلّ مسؤول، قادر على أن يُوقِف مدّ التدمير والتخريب هذا؛ ومحتارة من أين أبدأ !
أأحكي عن محتويات التيكتوك المرعبة؟ هذا التطبيق الذي وصل إلى يد الأطفال الصغار للأسف، وفيه ما يقدح الشرف والعرض ويقتل البراءة ويستغلّ الطفولة ويدمّر ويستبيح فطرتهم بالطول والعرض على مرأى من أمّهم وأبيهم !
أمّا الريلز المُسبّب لأكبر دمار سمعي وبصري، وينال من تركيز الدماغ فيخربه، ويصير بسببه المشاهد مريضًا وهو لا يدري؛ يصبح متعَبًا بلا سبب! خاملًا وكسولًا بلا سبب! ضائعًا مشتّتًا بلا سبب وجيه؟ عاجزًا عن التحكّم بردّات فعله؛ فحين ينزل محتوى الريلز متتابعة صوره ومقاطعه وضوضاء موسيقاه ؛ بين مقطع مُضحك يليه مقطع جريمة، يليه مقطع تلاوة قرآن، يليه عمل خير لمشهور، يليه خبر صادم، يليه خبر مُفرح، يليه مقطع بيع وتسويق، يليه مقطع رقص ومنكر..
فترى المُشاهِد لهم في حالة نفسيّة فظيعة جدًّا، تكادُ تقسمُ أنّه مربوطة عيناه بسلاسل تقيّد محجريه وتسحر بؤبؤيه.. تكلّمه أنت فلا يسمعك.. تحكيه فلا يفهمك... تسأله فلا يعرف الجواب...
أأحكي عن منصة الفايس وما ظهر من دراسات مؤخّرًا تُرجع إليه سبب صورخة نسبة الطلاق في مجتمعنا؟ وتدمير الأسرة وانفصال الأهل وضياع الأولاد؟ أو عن انتشار الكبائر القلبية كالحسد والحقد والكره وسوء الظنّ من مسلم لمسلم بسبب نشرنا لما أكلنا وأين ذهبنا ومن قابلنا وأين سافرنا، وبسبب نشرنا أسرارنا الشخصية تحت خانة: "فضفضة لغريب" ممّا تسبّب بارتكاب الأزواج جرائم قتل بحق بعضهم البعض؟
أأحكي كوارث منصة الإنستا؟ هل يجرؤ أحد من الأهل التصدّي للمراهق عندهم الذي يقلّد ما يراه فيه؟ ثم يصاب بعدها بالاكتئاب والانعزال ! وكم من حالة انتحار عرفنا عنها منذ بدأنا نستخدمه؟؟
أأحكي عن منصة إكس التي كانت الوحيدة -قبل أن يستحوذ عليها إيلون ماسك- الوحيدة التي تسمح بكتابة فقرة محدّدة عدد كلماتها، بما ينفع ويفيد وفيه تركيز على الأخبار، فإذا بها الآن منصة مملوءة بالمقاطع الإباحية والإجرامية والشذوذ؟ مع أنّ المحظورات المسطّرة كقانون في إكس تمنع بزعمها كلّ المشاهد الإجرامية والإباحية والعنف؟
كذابّ إكس.. وكذّاب الفايس.. وكلّهم لهم أجندة واحدة.. فالله الله ياعلماءنا ومسؤولينا.. تداركوا الخطر ...
لقد أصبح الشرّ والإثم والمعاصي في متناول أطفالنا، في غرف نومنا، بيننا متاحًا سهلًا وهذا هو البلاء العظيم.
حين تُزاحم الأهلَ في تربية أولادهم وسائلُ الإفساد الاجتماعي فكيف العمل؟
حين يصبح النّت مرجعية للمعرفة والعلم ويُستغنى عن الأهل والمؤسسات التخصصية المؤهّلة، فأين المفرّ؟
الزوج بات غريبًا عن زوجته.. تتقاذفه الكآبة والمعصية المتاحة فلا يلتفت لها ولا لأولاده! حين تنكبّ الزوجة على التطبيقات ليل نهار، تتعلم ما يضّرها ولا ينفعها وتستشرف حيوات غيرها فتتنافس بلا جدوى في الشراء والاقتناء والتسوُّق فتضيّع وقتها الثمين وتحرم زوجها وأولادها منها!
حين تُقطع صلة الرّحم وتتقطّع بسبب ضيق الوقت المزعوم المنهوب نهبًا على وسائل الإفساد الاجتماعي فتنقلب التحيّات والزيارات إلى فايس آب وفيديو كول!
إنه لمنظر مؤلم: الجوّال حاضر على طاولة الغداء والعائلة تتناول الطعام، عين الأب على الشاشة وتلقّي الاتصالات وعين على صحنه والسفرة، ولا كلمة مع الزوجة والأولاد.. بل لا يسمع كلامهم بين بعضهم ويطلب منهم خفض صوت مناقشتهم لأمر ما لأنه يتلقّى ويرسل تسجيلات!
منظر بشع جدًا؛ تشرب القهوة مع أمها وعينها على الشّات في الواتس وعين على الأم وغياب السمع والتركيز على الكلام..
منظر قبيح: الوالدين في جلسة مع الأولاد، والأولاد في خبر الإنستا والريلز ولا كأنهم في حضرة الأهل..
هذه المنصّات هدّامة لأواصر الحبّ والقرب والمودّة...
هذه المنصّات تُحارب جوهر العلاقة الزوجية؛ السكينة! المودّة، الرحمة...
أكتفي بهذا القدر من المناظر المحزنة، للحال الذي وصلنا إليه.. حيث يظهر الواحد منّا على الوسائل هذه وكأنّه المتفهّم الحنون العاقل الكريم الذكي الفاهم.. والحقيقة هو المهمل الغاضب العصبي الجاهل البخيل ...
كبائر قلبية وانفصام في الشخصية، وظلم شديد للنفس ولِمَن لهم حقّ علينا..
كفى رجاءً، فلنستدرك ..
فلندخل بيوتنا ونضع جوالاتنا في سلّة على الباب..
ونستخدم التطبيقات فيما ينفع دراستنا وتخصّصنا وينفع مجتمعنا..
أدعو نفسي والجميع لأنْ نحتويَ بعضنا ونعطف ونظهر الشفقة، ونصل رحمنا ونرحم صغارنا ولنكن قدوة.
المصدر : موقع مجلة إشراقات
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يريده القرآن ـ الجزء الثاني
وسائل الإفساد والأجندة الخبيثة
الإنسان كما يريده القرآن ـ الجزء الأول
الثورة البيضاء.. بلا سيف ولا دم مهراق!
قصّة حياة قرآنيّة