تعدّدية التيارات الإسلامية
الطالبة عبير طرحت إشكالية مهمة جداً تواجه الطالبة الجامعية وهي كثرة التيارات الإسلامية داخل الجامعة مما يسبّب تشتُّتاً لدى الطالبة ويجعلها في حَيْرة من أمرها ويصعّب عليها عملية الاختيار، وفي بعض الأحيان يدفعها إلى العُزلة وعدم الالتحاق بأيّ جمعية، والعُزوف عن أيّ عمل جماعي، والسؤال المطروح، كيف تفهم الطالبة هذا التنوُّع؟ وكيف تتعاطى معه؟ وعلى أيِّ أساس تختار؟ وهل العمل الجماعي مطلوب؟
إن الاختلاف بين البشر أمرٌ طبيعيٌ، فهو سُنّة الله في خلقه، قال تعالى: (ولا يزالون مختلفين)، وهذه من حكمة الله تعالى، فلا يُعقل أن تكون عقليات البشر جميعها متكررة، وعليه فإن الصحابة وقع بينهم الخلاف في فَهم بعض المسائل الشرعية، وأئمة المذاهب الأربعة وغيرهم أيضاً اختلفت آراؤهم حول كثير من المسائل الفرعية في الدين، ومن ناحية أخرى فإن الإسلام لم يحجر على العقول ولم يضعها في قوالب جامدة بل دعا الإنسان لأن يُعمل تفكيره في هذا الكون الواسع، وترك الكثير من المسائل لاجتهاد المجتهدين.
ثم إنّ تعدد الجماعات الإسلامية شبيهٌ بتعدُّد المدارس واختلاف مناهجها...
فالاختلاف إذاً ظاهرة إيجابية تساهم في تكامل الحضارة الإنسانية وتطوُّرها ولكن ذلك مرهونٌ بضابطَيْن:
· الضابط الأول: أن يبقى الاختلاف ضمن فروع الشريعة دون أصولها ودون ثوابت الدين وكلّيات مقاصده، وفي الوسائل لا في الغايات، ومنطلقاً من الكتاب والسنة لا من الهوى أو العمالة لأهل الشر.
· الضابط الثاني: التزام أدب الخلاف، فلا ينبغي أن يكون الاختلاف سبباً للتباغض بين المسلمين على اختلاف توجُّهاتهم وآرائهم، وإنّ أرقى أنواع الاختلاف ذلك الذي لا يُفسد المودّة والمحبة بين المسلمين، ولقد ضرب علماء السلف صُوَراً رائعة من أدب الاختلاف فيما بينهم.
وعليه، فلا حُجّة لنا بعد ذلك أن نقاطع العمل الجماعي بدعوى (تعدُّد الجماعات والجمعيات).
ذلك أنه لا يستقيم أمر الإسلام ولا تقوم له قائمة بلا اجتماع جهود المسلمين، كلٌّ بحسب طاقته ومواهبه يخدم الإسلام، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: "يدُ الله مع الجماعة"، وأمير المؤمنين الخليفة الثاني الفاروق عمر بن الخطاب يقول: (لا إسلام بلا جماعة ولا جماعة بلا سمع وطاعة).
فالخير والبركة مطروحة في العمل الجماعي، والله تعالى يحضُّ في أكثر من آية على اجتماع المسلمين: (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان)، (واعتصموا بحبل الله جميعاً ولاتفرقوا)، فكل فرد في الأمة مسؤول عن انتصار الإسلام وهزيمته.
والسؤال الذي يطرح نفسه الآن، كيف أتعامل مع التعدُّدية؟ وأي الجماعات أختار؟
صحيح أن العمل الجماعي يحتاج إلى طاقات وجهود المسلمين خاصة من طبقة المثقفين، فإن بيننا وبين الكفار تحدّيات خطيرة لم تكن على عهود أسلافنا، وهنا يقع المسلم في حَيْرة: مع مَن أعمل؟ وكل جماعة تعتبر نفسها أقرب إلى الصواب.
ولعل أهم خطوة تقودنا إلى كيفية الاختيار هي:
أن نعرض أمر أي جماعة على الكتاب والسنة وما كان عليه الصحابة والسلف الصالح، فإن وجدنا في هذه الجماعة:
1. قيادة صالحة مطبِّقة في سلوكها لهذا الهَدي، تسير في منهجها وَفق تعاليم الإسلام لا تميل عن هذا الصراط مع ضغط الواقع.
2. أنها وتوالي من يوالي الله وتعادي من يعاديه على قاعدة الولاء والبراء.
3. وتأخذ بالإسلام كلّه، وتؤمن بشموليته ولا تترك شيئاً منه بحسب مزاجها.
4. وليس من منهاجها مخالفة النصّ من كتاب الله أو هَدْي نبيّه صلى الله عليه وسلم.
5. وتتبنّى فريضة الدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
6. وتعمل لإعادة مجد الإسلام ودولته.
7. ومن سماتها أيضاً محبّتها لجميع المسلمين وعدم محاربتهم وإظهار العداء لهم، والوشاية بهم.
8. وأنّها متمسّكة بسنة النبي صلى الله عليه وسلم وتنبذ البدعة ويظهر ذلك من مظاهر أفرادها وسلوكهم وتعاملهم مع الآخرين.
هذه الجماعة جديرة بالاتّباع، الاتّباع المُبصر لا الأعمى، والمسلم إذا اجتهد وأخلص النية في بحثه عن الحق ليكن على يقين أن الله تعالى سيهديه ولن يُضيِّعه، والرسول يقول:"تركتكم على المحجّة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيع عنها إلا هالك".
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن