عاقبةُ الطمع
بقلم: إنصاف درزي
لن أنسى ذلك اليوم الذي عدتُ فيه من المدرسة، كنت على وشك الانهيار من شدة الجوع. وما إن وصلت إلى البيت حتى بدأت تجذبني الروائح الطيبة التي تفوح من طهي أمي. لم أصبر فأسرعت إلى المائدة وبدأت الأكل قبل اجتماعنا كالعادة على الطعام. وسرعان ما حضر إخوتي وأمي فجلسوا وأخذوا يراقبونني وأنا أتناول الطعام بنَهم وشراهة، لم أدرِ ما كنت أفعله. كان كلّ همّي أن أملأ بطني بهذا الطعام اللذيذ. نظرتْ إليّ أمي قائلة: رويدكِ يا عزيزتي، لِمَ تأكلين بهذه الطريقة وكأنّ الطعام سينفذ من عندنا؟! لم أكترث لقولها وتابعت الأكل حتى كادت معدتي تستغيث: ارحموني.
فجأة ضاقت أنفاسي، وبدأ الألم يتمكّن مني حتى صرختُ: أغيثوني لم أعد أحتمل. وأنا على هذه الحال دخلتْ علينا عمتي، التي تسكن في نفس المبنى، وسرعان ما أسعفتني، وعندما سكنت الأوجاع جلست بقربي وبدأت تُسدي إليّ نصائحها قائلة: أمَا كان يجدر بك أن تأخذي ببعض الطعام وتحمليه إلى جارتنا العجوز التي نعلم حالها؟ لقد قَالَ رَسُولُ اللهِ ( صلى الله عليه وسلم): "يَا أَبَا ذَرٍّ إِذَا طَبَخْتَ مَرَقَةً فَأَكْثِرْ مَاءَهَا وَتَعَاهَدْ جِيرَانَكَ".
يجب عليكِ يا عزيزتي، بل علينا جميعاً أن نتبع قول الرسول صلى الله عليه وسلم، ونتحلى بصفات أصحابه الكِرام. وسأذكر لك الحادثة التي جرت مع سيدنا عليّ والسيدة فاطمة، رضي الله عنهما، حيث نذرا مرة صيام ثلاثة أيام لله تعالى عندما شُفي الحسن والحُسيْن من مرضهما، وعندما حان وقت الإفطار في اليوم الأول دَُقَّ بابهما مسكيناً فتبرعوا له بذاك الإفطار ولم يذوقا منه شيئاً.
وفي اليوم الثاني جاءهم يتيمٌ فأعطوه طعامهما ولم يذوقا شيئاً منه أيضاً.
وفي اليوم الثالث جاءهم أسيرٌ فتصدقا بطعامهما وبقيا صائميْن إلا من الماء.
فأنزل الله عزّ وجل فيهما: (ويُطعِمون الطَّعامَ على حُبِّه مِسكيناً ويتيماً وأسيراً).
حينها أدركتُ بأنه ينبغي علينا ألاّ ننسى الفقراء والمساكين الذين يتألمون من الجوع في حين أتألم من كثرة الطعام.
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن