حكاية جدتي
بقلم: إنصاف درزي
في أمسية من الأمسيات اقتربت مني حفيداتي (فاطمة ومريم وجنى) بعد أن انتهين من دروسهن وطلبن مني أن أروي لهن حكاية؛ فلبيت رغبتهن بكل سرور وأحببت أن أقصّ عليهن حكاية حدثت معي قديماً....
فاسمعن عزيزاتي....
عندما انتهينا أنا وزميلاتي من الصف الخامس أساسي كان لا بدّ لنا أن نخضع لامتحان رسمي لنحصل على شهادة (السرتيفيكا) لننتقل بعدها إلى المرحلة المتوسطة، وكنت بفضل الله وعونه من المتفوقات في مدرستي، وعندما حان وقت الامتحانات ووزّعنا على عدد من المدارس كان نصيبي أن تكون امتحاناتي في مدرسة قريبة من بيتنا.
صبيحة اليوم التالي انطلقتُ من بيتنا سعيدة وراضية عن اجتهادي ... واثقة من نفسي. كانت خطواتي تسبق طموحاتي وأحلامي، لم أكن خائفة أو مرتبكة كباقي الطالبات، دخلت المدرسة وقد أحاطها الحرّاس من كل جانب، ومن ثم دخلت القاعة، حيث وُزّعت علينا أسئلة المادة الأولى؛ فأجبت عليها كلّها والحمد لله.
أثناء الفرصة تعرّفت على فتاة بدت لي طيبة صودف أنّ امتحانها في القاعة نفسها ومقعدها بجانب مقعدي، تحدّثنا سوية ريثما يقرع الجرس، ثمّ دخلنا القاعة ثانية حيث وزّعت علينا أسئلة المادة الثانية.
بينما كنت منهمكة بالكتابة إذ بتلك الفتاة تطلب مني المساعدة وعيناها دامعتان؛ فرقّ قلبي لحالها فساعدتها رغم خوفي من عيون المراقبين، وحان موعد المادة الأخيرة فأجبت على المهم منها وبقي لدي سؤالين صغيرين، وقتها خانتني ذاكرتي فطلبت المساعدة من تلك الفتاة فكانت النتيجة أن دفعت إليّ بورقة صغيرة كتبت عليها: ((يجب أن تعتمدي على نفسكِ وليس على الأخريات)).
جُنّ جنوني من تصرفها وجرأتها رغم أني كنت واثقة من أني سأنجح، ولكن كنت أرغب بالحصول على مجموع جيد بل ممتاز. عدت إلى البيت باكية حزينة فكان الأهل بانتظاري بفارغ الصبر، ولكن عندما رأوني ظنوا أنّ أمراً ما قد حدث؛ فقصصت عليهم ما جرى فما كان من والدي إلا أن وبّخني واستاء من فعلتي قائلاً: ((ما هكذا عهدتك!! أين الأخلاق التي ربيناكِ عليها؟ ألم ينهانا الرسول صلى الله عليه وسلم عن الغشّ، فقال: من غشنا فليس منا))؟ أذكر كيف جاوبته على سؤاله ورأسي مطأطأ إلى الأرض : ((بلى... بلى... أبي))، وتابع تقريعه ولومه قائلاً: ((صَدَقَتْ زميلتك في نصيحتها (يجب أن تعتمدي على نفسكِ وليس على الأخريات) مع أنه كان يجدر بها أن تطبِّق هذه النصيحة على نفسها أيضاً، عزيزتي: إنّ الإسلام نهانا عن أمور كثيرة قد تضرّ بنا وبمجتمعنا ومنها الغشّ؛ فحتى تستحقّي لقب الفتاة المسلمة بجدارة يجب عليكِ أن تنجحي بجهودك))، وعادت الدموع تفيض من عينيّ بغزارة فقلت له: (( أعدك والدي أني لن أكرر هذا بعد الآن، وسأكون مثالاً للطالبة المسلمة المجِدّة))؛ فصفح عني وضمّني إلى صدره قائلاً: ((نعم فأنا أريد أن تكون ابنتي كذلك حتى أفخر بها دنيا وآخرة)).
سُرّت حفيداتي بهذه النصائح ووعدنني أن يعملن بها بدورهن.
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن