حيث لا ينفع الندم
بقلم: إنصاف الدرزي
أذكر وأنا في الثانية عشرة من عمري ما زلت أتأرجح بين الطفولة والصِّبا وكنت قد حظيت - والحمد لله -على الرعاية الكافية من أهلي، فجأة سيطر عليّ الغرور والكبرياء واعتقدت بأني كبرت وأستطيع أخذ القرارات من نفسي، فدخلت على أمي مرة وطلبت منها أن تأخذني فوراً إلى صالون الحلاقة كي أقص شعري ولا بدّ من هذا الطلب ولا رجعة فيه، فعجبت أمي من أمري وردّت عليّ بهدوء قائلة: تريثي يا عزيزتي إنك تتصرفين على غير عادتك وأحبّ أن أذكّرك بأنّ زفاف ابنة خالتك غداً وشعرك جميل وسهل التسريح وإن كان لا بدّ من هذا الأمر ستحصلين على ما تريدين فيما بعد بإذن الله، لم يعجبني كلام أمي رغم لطفها ولينها معي، فلعن الله الشيطان وخزاه لقد استولى على عقلي تماماً! وبينما كانت أمي منهمكة في المطبخ لإعداد الطعام اتفقت مع شقيقتي التي تصغرني بسنة أن تقصّ لي شعري فرحبتُ بالفكرة وأسلمتها المقصّ ورأسي وبدأت تمارس هوايتها كما تشاء، فتبدأ من هنا وتنتهي من هناك لا فرق وعندما انتهت رفعت رأسي ونظرت إلى المرآة ويا ليتني لم أنظر يا إلهي! ما هذا؟ وكأني أرى خريطة العالم قد نفّذت على رأسي لم أتمالك نفسي فضربت شقيقتي ضربة موجعة فصرخت وركضت أمي مسرعة لترى ماذا حصل، فطأطأتُ رأسي خجلاً من أمي؛ فليس من عادتي أن أمدّ يدي على أحد من إخوتي، وبعدها نظرت إلى شعري فذُهلت لهذا المنظر، ووبّختني توبيخاً شديداً، وصرتُ أبكي بكاء الندم، وضممت أختي إلى صدري وتأسفتُ لها واعتذرت من أمي أيضاً لأني لم أسمع كلامها.
وجاء اليوم التالي وذهبوا جميعهم إلى حفل الزفاف وبقيت عند جدي، وعزمت أن لا أذهب معهم كي أعاقب نفسي، فكيف سأقابل الناس هناك وإن أبقيت الحجاب على رأسي سوف يطلبون مني أن أخلعه بحجة أن العرس لا يوجد فيه رجال فعلى من أتحجب إذن؟! بقيت الغصة في قلبي والدمعة لم تفارق عيوني، ومن يومها أيقنت بأني ما زلت بحاجة إلى نصائح أمي وإرشاداتها ولعطفها وحنانها.
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة