أولادي لا يكفون عن الشجار! ما الحل؟
السؤال (كما وردني) وجاءني تعقيباً على منشور في الفيس بوك:
عندي مشكلة أن أولادي الاربعة متقاربون في العمر ومن طبعي أنني أحب المسايرة والجلوس معهم وعندما أهم بتطبيق ماقلتيه فلامجال لذلك لأنهم دائماً يتشاجرون وأقضي الوقت في فض الخصومات. هل لي من نصيحة ياعابدة.؟؟؟
والجواب:
أعانك الله يا أختي الكريمة!
وسؤالك ذكرني بنفسي لما استوقفتني فجأة كاميرا التلفزيون العربي السوري وأنا أسير في طريق الصالحية في دمشق، وسألتني المذيعة هل توافقين على إجراء لقاء سريع؟
ابتسمت، وقلت: بالتأكيد، ولكن في أي موضوع؟
قالت: في موضوعات التربية، قلت لها: عظيم إنه موضوعي.
فسألتني: هل لديك أطفال صغار؟
قلت: نعم.
قالت: الموضوع خاص بالشجار فهل لديك تجربة، وهل أولادك ذكور؟ وهل يتشاجرون؟
قلت لها: نعم، تماماً، كل الشروط تنطبق عليّ؛ وصلتِ للأم المطلوبة!
فجَهَزت الكاميرا، وأعطتني الإشارة، وبدأ التسجيل ورحبت بي أمام المشاهدين، وسألتني: كم طفل لديك: فقلت ثلاثة صبية صغار.
فسألتني: وهل يتشاجرون؟
فقلت لها: لا يكفون عن الشجار لحظة! ويشاجرون بالكلام والأيدي والأرجل.
فابتسمت، وظنتني أبالغ، فأكدت لها أني أقول حقاً، فسألتني باهتمام: وماذا فعلتِ؟
قلت لها فعلت الكثير الكثير، ولم أترك وسيلة ولم أهمل نصيحة:
1- جربت الترغيب بالهدايا والعطايا، وجربت الترهيب باللوم والعنف.
2- جربت أخذهم بالحب والعاطفة وجربت الضرب والحرمان.
3- ابتعدت مدة وتركتهم ليحلوا مشكلاتهم بنفسهم فزاد عنفهم وآذوا بعضهم بعضاً، وانقسموا إلى ظالم ومظلوم، فالكبير أقوى بجسمه وأصبح يتعرض للصغير دائماً ويعجز الأخير عن الانتصار لنفسه.
... (كنت أسرد والمذيعة والمصور يشجعاني على المضي ويبديان التفاعل والمتابعة).
4- أبعدتهم عن بعضهم بعضاً في الغرفة الواحدة، وخصصت لكل واحد زاوية. ومنعتهم من الكلام أو اللعب معاً في أوقات التوتر.
5- اشتريت من كل شيء ثلاثة قطع متماثلة، لأقطع دابر الفتنة، وأحصر المشكلات.
6- وإذا تنازعوا على غرض، حرمتهم كلهم منه، ورفعته عالياً، حتى يصطلحوا ويتفقوا.
كل هذه الإجراءات ولم أنجح!
ورغم ذلك لم أييأس!
استعنت بخبرة الأمهات الكبيرات وتجاربهن. واشتريت الكتب، ورأيت بعض البرامج التربوية... ولم أفلح في فض نزاعهم!
وجربت أن أقف في صف الظالم ظاهرياً، على أساس أنه يعاني نفسياً ويحتاج الدعم منا جميعاً، وأسررت بهذا لإخوته على حين غفلة منه وطلبت منهم المساندة، فتحملوه مدة ثم بدأت المعاناة تتسرب إليهم ولم يتحسن هو! فأصبح لدي ثلاثة يحتاجون للرعاية الفائقة... وأنا وحدي في تربيتهم، ومعالجة أحزانهم.
والخلاصة لم ينفع أي حل. فصرت إذا استيأست أحبس كل واحد في غرفة منفردة.
فسألتني بكل دهشة: وعلى ماذا انتهى الموضوع؟
قلت لها: محاولاتي الجادة والمستمرة أثمرت بعد حين، لما تجاوزوا الرابعة عشرة عقلوا وهدؤوا، وأصبحوا أصدقاء، رغم اختلاف شخصياتهم وأهوائهم.
ونصيحتي: اصبروا وصابروا ورابطوا، وإن التربية تثمر بعد حين، فوجهوا ولا تستعجلوا.
سُرت المذيعة من حديثي وشكرتني، فودعتها وتابعت طريقي.
هذه قصتي سردتها على سبيل الطرافة والمواساة وإن كانت لا تخلو من فائدة.
أما نصيحتي الجادة لك:
الشجار سببه الرئيسي الغيرة والتنافس بين الإخوة، وهو واقع لا محالة، ويمكنك التخفيف منه بالتالي:
1- أن تكوني أنت في مزاج جيد! وهيهات هيهات، وسوف أدعو لك بذلك!
2- بأن تشعري كل طفل بأنه يعني لك شيئاً كبيراً وخاصاً ومميزاً.
3- بأن تعامليهم ظاهرياً بنفس الطريقة، ويمكنك التفريق بينهم بالخفاء (سواء بمشاعرك أو نصائحك).
وكلما خلوت بواحد امسحي على رأسه وامدحي ما فيه من مزايا، وافهمي همومه وشخصيته، وأسباب تصرفاته وسلوكه، وهذا أهم ما يساعدك على توجيههم.
4- بأن تراعي الفروق الفردية بالقدرات، وتراعي الفرق بالعمر. ولكن لا تشعريهم بذلك، فالصغار يستشعرون الفرق بالمعاملة ويحزنون ويتعقدون، ولكنهم لا يدركون أبداً الفروق الهائلة فيما بين الأشقاء بالسلوك والانضباط، وهذا يتسبب بأكثر المشكلات.
5- بأن تحولي المشاجرة إلى طرفة إذا بدأت، فعيني قاضياً منهم واطلبي منه فض الحكم بينهما، ودعيه يسمع من الطرفين، ثم اعكسي الأدوار.
واسألي صغارك لو كانوا مكانك ماذا يفعلون؟ وكيف يحلون المشكلات؟
واطلبي منهم أن يكتبوا الحلول على ورقة والذي يأتي بأحسن حل اجعلي له مكافأة، وأما الذي يطبقه فله الجائزة الكبرى... وهكذا.
6- خذي كل طفل على حدة وافهمي منه ماذا يحدث بينهم وأنت غائبة، فلعل بعضهم يبغي على بعض وأنت لا تعلمين.
7- اجعلي لكل واحد خصوصية بممتلكاته، فلا يعتدي أحد على غرض الآخر، وبعض- الخلافات سببها الاعتداء على الأغراض الشخصية وإفسادها.
8- نمي روح المحبة والتعاون بينهم عن طريق المشاركة معا بلعبة جماعية بمشاركتك أنت، أو اطلبي منهم مساعدتك في عمل من أعمال البيت، أو في إعداد مائدة الطعام، ولعل هذه الأشياء تقرب بينهم.
9- استعيني بالدعاء، ولعل الله يرشدك لما يناسبهم ويهدئهم.
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن