"ثورة الأبناء وحيرة الآباء"
السؤال (كما وردني):
احب النظام في امور المنزل والحياة.. والعهد والوعد والالتزام بالمواعيد من اهم الاشياء عندي.. بالاضافة الى اني اريد في اغلب الاحيان ان تتم الامور بطريقتي .. وعصبية المزاج ! بالنسبة لابنائي .. البكر عمره ثمان سنوات ويحبني ويساعدني في امورالمنزل ويلبي نداءاتي مرتب وذكي ومتفوق في دراسته .. لكنه يتململ بسرعة من اي شي .. نزق . خجول جدا وهذا منعكس بشكل واضح على حركات يديه وجسمه اثناء حديثه معي او مع والده .. واختفاء صوته تماما مع العائلة.. بالنسبة للصلاة يصلي الحمد لله ولكن بسرعة وهو متململ .. بالاضافة الى انه يخاف كثيرا من ان يضيع.. احيانا يقوم بالامور على حساب نفسه لئلا يحزنني .. في بعض الاحيان هو عصبي ويخافني كما يقول زوجي.. كيف استطيع ان اتعامل معه واقوي من شخصيته فبالنهاية هو رجل .. طبعا هناك مشاكل بينه وبين اخونه كما كل الاخوة .. كيف لي ان اكون الحكم بحيث لا اظلم احدا منهم ؟؟
بالنسبة لولدي الثاني فيبلغ من العمر سبع سنوات .. ايضا هو متفوق في دراسته وذكي جدا ولديه من الطاقة ما شاء الله لايمل يحاول جاهدا للوصول الى هدفه .. يصلي ايضا ولله الحمد ويقرا القران الكريم يحاول تطبيق ملاحظاتي حول مخارج الحروف .. عنيف مع اخوته احيانا و بالمقابل سريع البكاء وبحرقة .. مشكلته الكبيرة انه يوهمني انه ذاهب لتنفيذ ما اطلبه منه ولا ينفذه الا انت كنت متابعة له اوبقربه .. احيانا يبلل فراشه .. صبور جدا وينفذ رغبته من دون اي تردد .. لديه حدس قوي ما شاء الله تبارك الله ..ويتساءل دوما عن امور الدين ..كيف اتعامل معه وكيف اعلمه ان يستجيب لنداءاتي ؟؟؟ وايضا حتى انمي له القدرات الاخرى ..
اما بالنسبة للصغير وعمر 5 سنوات فشخصيته محببة ولكنه لا يسمع اي كلام ولا يقتنع الا بما يفهمه هو ولا يستجيب لاي تنبيه او تعليق ويخاف كثيرا .. بالنسبة لوضعه الدراسي لم تتوضح لدي اي فكرة عنه .. كيف اتعامل معه حتى يتمكن من الاعتماد على نفسه والتخفيف من حدة خوفه ..وكيف استطيع ان اعلمه ان كلام الام والاب يجب ان يسري ؟؟ عفوا للاطالة ولكن احببت ان اعطيك فكرة عن الجميع ..
واهم سؤال كيف اربي ابنائي على ان يحترموا الغير ولكن دون ان اجعلهم ضعفاء الشخصية .. بالنهاية لا اريد ان اظلم ابنائي ولا اريد ان يظلموا الغير ولك جزيل الشكر مرة اخرى لسعة صدرك .. وعذرا للاطالة مرة اخرى
والجواب:
أولا أحيي فيك ذكاءك وشجاعتك في فهم نفسك والتعبير عنها وسأبدأ من هنا: أنا كنت مثلك أريد المثالية وأطمع لأن يكون كل شيء كما أحب وكما تقتضي النظافة والترتيب والذوق .. وأردت تربية أولادي على الفضائل كلها. وبدأت بهذا عملياً ... ولكن سرعان ما صدمتني الدنيا حين شعرت أنها ليست مثالية أبداً، بل هي تحارب المثالية بكل قوتها وتعزز البشرية والواقعية! فمثلاً:
1- كلما نظفت البيت بدأ يتسخ بعد دقائق معدودة.
2- وإذا درست كل المقرر وفهمته كله إلا فقرة صغيرة، جاءتي بالامتحان فتنزل علامتي بسبب هذه الهفوة.
3- وأحرص على أغراضي جداً وأعتني بها، فتسقط الفازة الثمينة من يدي -بلا قصد- وتتحطم ولها عندي ذكريات جميلة...
4- أوجه ابني لللإيثار وأحثه عليه فأجده يتمسك بطبعه الأصلي ويميل للحرص والبخل....
أمثلة كثيرة حدثت في حياتي أحبطتني وآلمتني، منها المادي ومنها المعنوي، منها ما لي يد فيه وعجزت عنه، ومنه ما هو من الله ومن القضاء والقدر، ففطنت أن الدنيا هكذا هي دار بلاء، والإنسان خطاء، وأنا -حين طلبت المثالية- أعاند الفطرة البشرية.
ولما تفكرت أكثر وجدت أني أنا نفسي غير مثالية ولدي عيوب كثيرة. وأن المثالية مستحيلة، فكيف أطالب صغاري بها؟!
وتنبهت لأننا إن أرهقنا أولادنا بالتوجيهات شعروا بالنفور والحنق، وتعقدوا، وحملوا لنا بعض المشاعر السلبية التي قد تضرنا في تربيتهم إذا كبروا قليلاً وأصبحوا فتية يصعب قيادهم... كل هذا جعلني أعيد حساباتي.
ولكن الأمر الأهم أني اكتشفت أن أولادنا ليسوا عجينة طريقة كما تقول كتب التربية ، بل يولدون بجبلة معينة ولهم شخصياتهم الخاصة التي تنشأ من الجينات والوراثة هنا كان الاكتشاف العظيم الذي غيرني وبدل طريقتي في تربية أولادي، فتبدلت نظرتي لعملية التربية جذرياً من هذه النواحي:
1- التعصيب والغضب من طرف الأم مرفوض تماماً مهما كان السبب (إلا بحالاات نادرة جدا)، لأنه يفسد ولا يصلح.
2- دور الأم بالتربية محدود جداً، وينحصر في مراقبة صغارها طول النهار، ماذا يقولون وماذا يفعلون وتستمع لهم باهتمام، فتفهمهم وتدرك النقص عند كل واحد فيهم ثم تعلمه وتوجهه.
3- قوانين البيت يجب أن تكون قليلة جداً ومنطقية ومن الضرورات (لكيلا نرهقهم)، ولكن أَصرّي على تنفيذها مهما كانت الظروف.
4- الانتباه لتفاوت الصغار في القدرات وعدم إجبارهم على الدراسة أو التفوق، مما يريحهم ويخفف الاحتقان بين الصغار وبين المربي.
5- ومن الأولويات تربيتهم على الخلق، فاحرصي جداً على استقامتهم وصدقهم وعدلهم وعلى تعليمهم الآداب الاجتماعية والخلق.
والوصفة مجربة طبقتها مع أولادي فاكتسبت بهذا ثقتهم ومحبتهم وكنت الأقرب لهم من والدهم، وصارت علاقتنا ودية ورائعة كلها، واكتسبت برهم، وإن المحب لمن يحب مطيع.
ونشؤوا بحمد الله على خلق جيد وتميزوا، وهكذا تعلمت أن أعيش حياة طبيعية بالطاقة البشرية وبالقدرات الممكنة وهذه نصيحتي لك دعي المثالية فإنها ستخرب تربيتك لأولادك ! وهذا عكس ما تتوقعين وربيهم بالحب بدل الخوف (مع الحزم والسلطة) فهذا ما يفيد حقا وهو ما يجعل التربية ناجحة
أما ابنك الكبير فلا تناديه ليساعدك وهو منهمك وسعيد (بأي عمل أو أي نشاط) لكيلا يتململ وليبقى على تعاونه معك، إلا في حالات الضرورة، ولا بأس أن يأتي على نفسه من أجلك ولكن ليس دائماً ،وأعطيه من الحب والاهتمام لكي يتصارح معك ويتبسط. فيبدأ خجله بالذوبان ولا تناديه لكل صلاة بل تدرجي معه لكي لا يمل ويدعها نهائياً، وإياك أن تكون علاقتك به كما يقترح زوجك علاقة خوف- فهذه لا تدوم وقد تجعله يتمرد عليك لما يراهق أو يخفي عنك أخباره. وهذا ليس جيداً أبداً
أتمنى أن يكون كلامي مفيدا لك وسأتابع معك عن بقية أولادك إن شاء الله، واكتبي لي أي ملاحظة.
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن