المسلمون والإسلاموفوبيا
إن أول صرخة تخويفٍ من الإسلام انطلقت من حنجرة شيطان، ولقد أخبرنا بذلك الصحابي الجليل كعبُ بن مالكٍ رضي الله عنه عندما اجتمعَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم سِراً بالأنصار ليُبايِعوه على النُّصرة؛ فقال: "كان أول من ضربَ على يدِ رسول الله صلى الله عليه وسلم البراءُ بن معرور، ثم تتابعَ القومُ، فلما بايعَنَا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم صرخَ الشيطانُ من رأس العقَبَةِ بأبعَدِ صوتٍ سمعتُه قطُّ: يا أهلَ الجَباجِب والجَباجِبُ: جبال مكة هل لكم في مُذمَّمٍ والصُّباةُ معه قد أجمعوا على حربِكم؟! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم -: «هذا أزَبُّ العقَبَة، هذا ابنُ أزْيَب، اسمَع أيْ عدُوّ الله أما واللهِ لأفرُغَنَّ لكَ» الحديث. رواه الإمام أحمد.
وإلى يومنا هذا لا يزال مسلسل الخوف من الإسلام أو "الإسلاموفوبيا" المصطلح المتعارف عليه حديثاً مستمراً.. أما أبطاله: فشياطين الإنس من الأمريكان والغرب والصهاينة وأعوانهم من أبناء جلدتنا العلمانيين والليبراليّين واليساريّين وغيرهم.. ومسرحه: المحافِلُ الدولية والقراراتُ التي تصدر عنها، فضلاً عن وسائل الإعلام... وتتصدى الجهود والمساعي لمكافحتها، آخرها المؤتمر الذي نظمته منظمة التعاون الإسلامي وانعقد في مدينة إسطنبول بتاريخ 12 و13 أيلول تحت عنوان: "الإسلاموفوبيا.. من ناحية قانونية وإعلامية".
المفارقة أن هذه الظاهرة لم تعد حِكراً على نظرة الغرب للإسلام والمسلمين، بل صارت شريحة واسعة من المسلمين تنظر إلى الإسلاميين نظرة خوف، وأضحت الإساءة لهم ولرموزهم هي الخطاب الرائج هذه الأيام...
ولعل ما يجري على الساحة المصرية أكبر دليل على ذلك: منه الهجوم على المنتقبات والملتحين بعد أحداث رابعة والنهضة. بل وصل الأمر إلى اتخاذ إجراءات تُعتبر سابقة في أرض الكنانة حينما فُرِض حظر على 55 ألفاً من أئمة المساجد، وأُغلق بعضها، ومُنعت صلاة الجمعة في المساجد التي تقل مساحتها عن 80 م2.. أما في لبنان فتجاوز الأمر إلى أبعد من ذلك من خلال تفجيرين إرهابيين استهدفا أثناء صلاة الجمعة مسجدي التقوى والسلام اللذين يُعتبران من أهم المنابر الداعمة لثورة الشام المباركة منذ انطلاقتها.
وتجدر الإشارة إلى أن هذا الخوف الكبير من دور المساجد في إذكاء روح الثورة والتغيير في نفوس المسلمين ليس جديداً، بل أفصح عنه تقرير مؤسَّسة راند[1] الشهير ضمن هجومه على التيار الإسلامي، حينما ركّز في فصله الأول على ما يسميه "خطورة دور المسجد" باعتباره الساحة الوحيدة للمعارضة على أسس الشريعة.
هذه الفوبيا التي اجتاحت المجتمعات الإسلامية تُجاه كل ما هو إسلامي مردُّها إلى الأمور التالية:
♦ الخوف من الحكم الإسلامي، والنفور العام من فكرة تحكيم الشريعة.
♦ الصورة السلبية التي كوّنها الإعلام عن الإسلاميين في أذهان الكثيرين؛ فهناك آلة إعلامية جبارة تقودها القنوات الفضائية والصحف وغير ذلك من الوسائل المفترض بها صناعة الوعي في المجتمعات الإسلامية؛ فكلها مجتمعة تخوض حرباً شرسة ضد الإسلاميين، وتعمل جاهدة على إعادة صياغة العقل الجمعي من خلال تشويه الفكر الديني، وتشويه صورة الحركات الإسلامية وتهويل إمساك الإسلاميين بزمام الحكم في هذه البلاد الإسلامية العربية، ولقد لعب الفنانون والفنانات الذين تم توظيفهم لهذا الغرض دوراً كبيراً وأساساً في معركة التشويه والتغبيش هذه.
♦ اجتماع خصوم الإسلاميين رغم باطلِهم وتفرقِهم على معاداة الإسلام وأهله ودعاته، بينما في الاتجاه المقابل نرى أن علاقة التيارات والأحزاب الإسلامية فيما بينها وإن كانت أحياناً تتعاون مع بعضها البعض يغلب عليها الصراع والتنافس، الأمر الذي يؤدي إلى نفور البعض منها جميعها.
♦ الإنسان عدو ما يجهل، ولولا جهل المسلمين بعظمة دينهم لما وصل الحال بهم إلى النفور من الإسلاميين والخوف من تطبيق شريعة ربهم، فهي بنظرهم القاصر تقتصر على: قطع أيادي الناس؛ وجلد ظهورهم، ورجم الزناة منهم، وسلب حريتهم، والحد من شهواتهم ورغباتهم، والفصل بين الجنسين، وفرض الحجاب والنقاب، وتحريم التعامل بالربا...
المصالح الشخصية:
فكون الإسلام جاء بثورة تقوم على تدمير حُكم ظالم فاسد وبناء مجتمع تسوده قيم العدالة والأخوة والمساواة والفضيلة، كان من المحتم أن تصطدم هذه الثورة قديماً وحديثاً بمصالح كثير من الانتهازيين والمحسوبين على الإسلام وأصحاب الأهواء الذين يحاولون بكل ما أوتوا من قوة التصدي لها والحفاظ على الوضع القائم بكل ما فيه من اختلال واعوجاج وفساد وظلم.
ولكن هذا التخويف من الإسلاميين ومحاربتهم والتشهير بهم بكل وسيلة ممكنة لا ينبغي أن يدعو إلى اليأس والقُنوط، بل يجب أن يكون باعثاً لمزيد من العمل.
لذا من الضروري في المرحلة الراهنة ما يلي:
♦ التأكيد على دور الدعاة والعاملين في الحقل الدعوي في توعية الناس وتعريفهم بجوهر دينهم وكونه شاملاً لكل مناحي الحياة؛ سياسياً واقتصادياً وتربوياً واجتماعياً وروحياً، وبيان كثير من المفاهيم المشوشة في أذهانهم؛ كمفهوم الدولة الإسلامية، وموضوع إقامة الحدود، ومصطلح الجهاد.
♦ تقريب وجهات النظر بين الإسلاميين بفصائلهم كافة والتنسيق فيما بينهم ومحاولة توحيد الجهود، من أجل قطع الطريق أمام كل من يحاول إحداث فتنة وفرقة وبلبلة بين العاملين للإسلام.
♦ ضرورة العمل على بناء شبكات إعلامية مكتوبة وفضائية وإلكترونية تكون على مستوى المواجهة، والعمل على إعداد كوادر تشكّل النخبة الإعلامية التي تمسك بناصية المؤسسات الإعلامية مستقبلاً.
♦ الحرص على احتواء الشباب الذين تضغط عليهم القيم الغربية لمسخ هويتهم الإسلامية ويسعى التيار العلماني لاجتذابهم ولتنفيرهم من التيارات والأحزاب الإسلامية.
♦ حاجة التيارات الإسلامية للتجديد في أساليبها وتطوير عملها وأدواتها من أجل الانفتاح بشكل أكبر على المجتمع بشرائحه كافة، وفي مقدمتها النساء والشباب.
ولنتذكّر دائماً إن هذه الفوبيا تُجاه الإسلاميين هي وسيلة من الوسائل التي يسخرها الله تعالى لنصرة دينه، ولنا في رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أسوة حسنة؛ ففي أول موسم للحج خشي أعداؤه بمكة من أن يؤثر في الحجيج، فاتفقوا على وصفه بالسحر، وعملوا على إطلاق هذه الشائعة في موسم الحج حتى تنتشر في جميع أصقاع الجزيرة العربية عن طريق وفود الحجيج.. لكن ذلك كان من أسباب انتشار ذكره؛ فما رجع حاج إلى قومه إلا وهو ينقل لهم خبر الفتى القرشي الذي قال إن الله تعالى بعثه رسولاً. ﴿ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [يوسف: 21].
[1] راند "RAND" هي مؤسسة بحثية تابعة للقوات الجوية الأمريكية تبلغ ميزانيتها السنوية قرابة 150 مليون دولار، وآخر تقرير صدر عن هذه المنظمة كان في عام 2007م تحت عنوان "بناء شبكات مسلمة معتدلة" (Building Moderate Muslim Networks). يقع هذا التقرير في 217 صفحة، ولا تنبع خطورته من طرح أفكار جديدة للتعامل مع المسلمين وتغيير معتقداتهم وثقافتهم من الداخل؛ وإنما من طرح الخبرات السابقة في التعامل مع الشيوعية للاستفادة منها في محاربة الإسلام والمسلمين وإنشاء مسلمين معتدلين!
رابط الموضوع: http://www.alukah.net/World_Muslims/0/61482/#ixzz2iYr5W6W8
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن