المرأة في كتابات الشهيد سيد قطب
آمن الشهيد سيد قطب بالإسلام ومنهجه في الحياة، كما آمن بحاكمية الله سبحانه وتعالى على كل أمر من الأمور التي تواجه المسلم في مجتمعه المعاصر، فالمجتمع المسلم بنظره هو الذي "يتخذ المنهج الإسلامي منهجاً لحياته كلها، ويحكِم الإسلام كله في حياته كلها، ويتطلب عنده حلولاً لمشكلاته، مستسلماً ابتداءً لأحكام الإسلام، ليست له خيرة بعد قضاء الله(1)".
ومن المشاكل التي تواجه المجتمع والتي تحدّث عنها سيد قطب، ووجد أن حلها هو بالعودة إلى تطبيق تعاليم الإسلام، مشكلة المرأة وعلاقتها بالرجل، وما شاب هذه العلاقة من تجاذبات بين الطرفين، أدت في كثير من الأحيان إلى التفكك الأسري، وإلى الانفلات الأخلاقي نتيجة جهل كل من الفريقين بمهمته التي أناطها به الإسلام.
وقد تحدث سيد قطب في كتبه عن دور المرأة في المجتمع، وعن أثرها في بناء هذا المجتمع أو تدميره، وعمد في كتاباته إلى التفريق بين المرأة المسلمة والمرأة غير المسلمة، فكان في معرض حديثه عن الأولى مدافعاً بينما كان عند حديثه عن الثانية مهاجماً لاذعاً، لما تترك هذه الأخيرة من آثار سيئة على أسرتها ومجتمعها.
دور المرأة في المجتمع الإسلامي
يؤكد سيد قطب على أن الإسلام لا ينظر إلى المرأة نظرة متساوية له في الوظائف والتخصصات، إذ لكل واحد من هذين المخلوقين مواصفاته الخاصة التي قد تشترك في نواح وتختلف في نواح أخرى.
فالمرة تشترك مع الرجل في إنسانيتها، بعد أن رفعها الإسلام من المرتبة الحيوانية التي وضعها فيها أعداؤه، فقال تعالى:﴿يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة﴾ (2).
كما تشترك معه في مساواتها في الثواب والعقاب أمام رب العالمين، حيث يقول عز وجل:﴿فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى﴾ (3).
أما الاختلاف بينهما فهو في وظائف وتخصصات كل واحد منهما، وهذا الاختلاف مردُه إلى اختلافﹴ في التكوين الخلقي لكل واحد منهما، فبينما وضع الله عز وجل في المرأة خصائص "الرقة والعطف، وسرعة الانفعال والاستجابة العاجلة لمطالب الطفولة بغير وعي ولا سابق تفكير"، فإنه قد جعل للرجل خصائص "الخشونة والصلابة، وبطء الانفعال والاستجابة، واستخدام الوعي والتفكير قبل الحركة والاستجابة" (4).
ويعود سبب هذا الاختلاف في الخصائص إلى اختلاف نوعية وظيفة كل منهما، ففيما تحتاج المرأة الحاضنة والحارسة على بيتها وأولادها إلى الرقة والعطف، يحتاج الرجل في سعيه لطلب المعاش وفي جهاده الأعداء إلى الخشونة والصلابة لتأمين الحماية والأمن لبيته وأسرته.
ويأتي تركيز سيد قطب على الأسرة في كل مجال يأتي فيه على ذكر المرأة، إذ أنه لا ينظر إلى المرأة باحترام إلا في هذا الإطار الإسلامي، وهو يعطي للمرأة الدور الأول في تكوين الأسرة، فهي الحاضن والحارس للمحضن "الآمن النظيف المتخصص لإنتاج صناعة البسر" (5)، وهذا الأمر يستوجب منها أن تتمتع بالثقافة والحكمة للمحافظة على هذا المحضن والإشراف على فراخه.
ويعتبر المصلح الإسلامي سيد قطب أن الهدف الأساسي من تكوين الأسرة هو "الواجب" وليس "اللذة"، لأن المسلم في زواجه يقوم بواجب إنساني عام وخاص في آن معاً، ففي الواجب الإنساني العام يتضمن الزواج مسؤولية تأهيل "الجيل الناشئ لحمل تراث التمدن البشري والإضافة إليه" (6)، فيما الواجب الإنساني الخاص بالمحضن هو السكن والاطمئنان والأنس والاستقرار.
وهذان الواجبان الإنسانيان لا يتحققان في حال طغت اللذّة على سائر أهداف الزواج، لأن الأمر لا يعدو ـن يكون سعياً حيوانياً لاهثاً وراء إشباع الشهوات، ويؤدي المر في كثير من الأحيان إلى البحث عن اللذة خارج إطار الزواج، أو يؤدّي إلى سوء استخدام رخصة تعدد الزوجات التي جاء بها الإسلام، هذه الرخصة التي أباحها الإسلام كضرورة "تواجه ضرورة، وحلّ يواجه مشكلة. وهو ليس متروكاً للهوى، بلا قيدﹴ ولا حدّ في النظام الإسلامي، الذي يواجه كل واقعيات الحياة" (7).
أسباب هلاك الأسرة
يؤكد سيد قطب في كتاباته على دور الأسرة في حماية المجتمع الإسلامي، وحماية الأخلاق والقيم الإسلامية، وهو لا يحمِل مسؤولية الفشل في استمرار هذه المؤسسة للمرأة، كما لا يحمّلها للرجل، كلٌ على حدة، إنما يجعل الأمر متعلقاً بخلل في النظام الأسري يقوم به أحد الطرفين، أو يقوم به كلاهما، ومن أنواع الخلل في النظام الأسري:
أ-الخلل في الوظائف
يؤدّي الخلل في وظائف كل من الحاضنين إلى تأثر جو الأسرة العام بهذا الخلل، فالرجل الذي لا يقوم بوظيفته الخاصة في القوامة على بيته، وتأمين متطلباته، لضعفﹴ في شخصيته، يجعل الزوجة تقوم مقامه بهذه المهمة مما يترك أثراً سيئاً على الأسرة بكاملها، فتشعر المرأة "بالحرمان والنقص والقلق وقلّة السعادة"، ويدفع الأبناء إلى الانحراف "شذوذﹴ ما، في تكوينهم العصبي والنفسي، وفي سلوكهم العملي والخلقي" (8).
والمرأة التي تكلِف نفسها بوظيفة فوق وظيفتها، تفقد السكن والاطمئنان اللذين يشكِلان دعائم الأسرة، إذ أن الرجل لا يشاركها في تحمل وظيفتها الأولى فتشعر بالتعب والمهانة، لذلك لم يكلّف الإسلام المرأة أن "تحمل وترضّع وتربي، وفي الوقت ذاته تعمل وتكدح وتشقى.. بينما الرجل لا يشاركها الحمل والرضاع والتربية، ثم يزعم بعد ذلك أنه ينصف المرأة ويحترمها ويرقيها" (9).
ب-سوء استخدام الصلاحيّات الشرعية
يقف سيد قطب في كثير من المواقف موقفاً مدافعاً عن المرأة التي تتعرض في بعض الأحيان لبعض الظلم من قبل زوجها الذي يسيء فهم الهدف الحقيقي لبعض الأحكام الشرعية، ومن هذه المواقف التي تحدث عنها:
•علاج الناشز
تحدث سيد قطب عن رأي الإسلام في علاج المرأة الناشز التي تسيء التصرف مع زوجها، ولا ينفع معها النصح والإرشاد، وأشار من ضمن حديثه إلى أن بعض الرجال يسيئون فهم الآية الكريمة:﴿واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن﴾ (10).
"فيسيئون إلى إنسانية المرأة ويقومون بهجرها وإساءة معاملتها أمام الناس ويضربونها الضرب المبرِح، مع أن الغاية التي أرادها الشارع من هذا العمل هو إصلاح المرأة وليس الإضرار بها، لذلك لا يجب أن يكون الهجر أمام الأطفال والغرباء، كما لا يجب أن يكون الضرب ضرباً مبرحاً للانتقام والتشفّي، أو الإذلال والتحقير، ويمنع أن يكون أيضاً للقسر والإرغام على معيشةﹴ لا ترضاها" (11).
دور المرأة في المجتمع الجاهلي المعاصر
يرفض سيد قطب مقولة إن الجاهلية مرحلة تاريخية انتهت بظهور الإسلام وانتشار تعاليمه، بل هو يعتبر أن الجاهلية "إنما هي حالة اجتماعية معينة ذات تصورات معينة للحياة، ويمكن أن توجد هذه الحالة، وأن يوجد هذا التصور في أي زمان وفي أي مكان، فيكون دليلاً على الجاهلية حيث كان!" (12).
وحالة الجاهلية الاجتماعية المعاصرة تعود بأصولها وجذورها إلى الحركة الصهيونية العالمية التي أدركت بفطنتها أنه لا سبيل للقضاء على المجتمع الإسلامي إلا عن طريق الإلهاء بالملذات، كما أدرك صناديدها بفطنتهم أن المرأة هي الأداة التي يمكن الاستفادة منها لتحقيق مآربهم، فأخذوا ببث الأفكار الغربية فيه ودعوا إلى نظريات تحررية، وربطوا عمل المرأة وخروجها من بيتها لغير حاجة بشعارات خاصة كالحرية والمساواة.
نماذج من الجاهلية المعاصرة
إذن لا يحصر المفكِر الشهيد سيد قطب الجاهلية بعبادة الأصنام بل إنه يجعل كل أمر مخالف للشرع جاهلية، فيقول في خروج المرأة إلى العمل من غير ضرورة:"إن الله سبحانه يأمر بالعفّة والحشمة والفضيلة. ولكن "الوطن" أو "الإنتاج" يأمر أن تخرج المرأة وتتبرج وتغري وتعمل مضيفة في الفنادق في صورة (فتيات الجيشا) في اليابان الوثنية! فمن الإله الذي تتَبع أوامره؟ أهو الله سبحانه؟ أم إنها الآلهة المدّعاة؟" (13).
ويقول في الموضة التي يسيطر على أكبر معاملها وأكبر مصمميها مفكرون يهود:"إن بيوت الأزياء ومصمميها، وأساتذة التجميل، لهي الأرباب التي تكمن وراء هذا الخبل الذي لا تفيق منه نساء الجاهلية الحاضرة ولا رجالها كذلك!" (14).
ويقول في العري إنه فطرة حيوانية، وإن رؤية العري جمالاً هو دليل على انتكاس في الذوق البشري قطعاً إذ "المتخلفون في أواسط أفريقيا عراة" (15)، و"المتخلفون" هو الاسم الذي يطلقه أدعياء الحضارة على قبائل أفريقيا.
ويقول في خروج المرأة لغير العمل، كخروجها "للاختلاط ومزاولة الملاهي. والتسكع في النوادي والمجتمعات"، بأنه "ارتكاس في الحماة الذي يرد البشر إلى مراتع الحيوان" (16).
دور المرأة المسلمة في محاربة الفساد الاجتماعي
لا يقف المصلح الاجتماعي سيد قطب موقفاً سلبياً من هذه الجاهلية المنتشرة في العالم بشكل عام والعالم الإسلامي بشكل خاص، فهو يرفض فكرة المقاطعة والانعزال بهدف الاستعلاء والنجاة، ويدعو المرأة المسلمة التي تواجه "ضغط التصورات الاجتماعية والتقاليد الاجتماعية الشائعة" (17) إلى "التثبت أولاً، والاستعلاء ثانياً، وتعريف تباع هذه الجاهلية بحقيقة الدَرك الذي هم فيه بالقياس إلى الآفاق العليا المشرقة للحياة الإسلامية التي نريدها.
ولن يكون هذا بأن نجاري الجاهلية في بعض الخطوات، كما أنه لن يكون بأن نقاطعها وننزوي عنها وننعزل.. كلا إنما هي المخالطة مع التَميُز، والأخذ والعطاء مع التَرفُع، والصدع بالحق في المودة، والاستعلاء بالإيمان في تواضع" (18).
فهل المرأة المسلمة اليوم على استعداد لتحمل مسؤولية الإصلاح في المجتمع الإسلامي؟ إن الأمر ليس بالعسير، فالمطلوب هو إخلاص العمل لله، وإعلان العبودية له وحده، والتأكد أن قيام المجتمع الإسلامي النظيف ضرورة حتمية، وأن "حتمية الميلاد لا تغني شيئاً عن آلام المخاض" (19).
هوامش
(1)سيد قطب، الإسلام ومشكلات الحضارة، ص 193، 194.
(2)النساء: 1.
(3)آل عمران: 195.
(4)سيد قطب، في ظلال القرآن، ص 650.
(5)سيد قطب، الإسلام ومشكلات الحضارة، ص 71.
(6)سيد قطب، في ظلال القرآن، المجلد الثالث، ص 1412.
(7)المصدر السابق، المجلد الأول، ص 582.
(8)المصدر السابق، المجلد الثاني، ص 652.
(9)سيد قطب، الإسلام ومشكلات الحضارة، ص 176.
(10)النساء: 34.
(11)سيد قطب، في ظلال القرآن، المجلد الثاني، ص 654.
(12)المصدر السابق، المجلد الخامس، ص 2861.
(13)المصدر السابق، المجلد الثالث، ص 1413.
(14)لبمصدر السابق، المجلد الثالث، ص 1284.
(15)المصدر السابق، المجلد الثالث، ص 1275.
(16)المصدر السابق، المجلد الخامس، ص 2860.
(17)سيد قطب، معالم في الطريق، ص 176.
(18)المصدر السابق، ص 176.
(19)سيد قطب، الإسلام ومشكلات الحضارة، ص 176
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة