انتبهوا لأولادكم
أخبرني أبنائي أن في مدرستهم الابتدائية ولدًا مخرِّبًا يقوم بالأعمال المفسدة عن قصد؛ فيفك بعض البراغي التي تُثَبِّت اللُّوَح (السبورة) ويُعَرِّضه لخطر السقوط (على قدم الأستاذ، أو على رأس أحد التلاميذ)، ثم يوزع البراغي على رفاقه، ويحفر هو وإياهم بها مقاعد الدرس فيشوه شكلها ويُخَرِّب خشبها، ويُغَافِل المشرف فيدخل غرفته، ويمزق الأوراق المهمة والدفاتر، ويرش ماء الشرب في أنحاء المدرسة، ويبلل كل ما يصادفه من جماد وإنسان، فيهدر الماء العذب، ويُعَرِّض التلاميذ الصغار لخطر الانزلاق، ويفسد الكتب، وهكذا يتفنن ويتفاخر في أساليب الإفساد.
واهتم أولادي بِتَتَبُّع أخباره، ومتابعة مغامراته حتى خشيت أن يَحْذوا حذوه، وقد بدت بوادر ذلك على أحدهم، فصرت أُلْقي عليهم المواعظ في وجوب المحافظة على الأشياء، وحذَّرْتهم من التعدي على ممتلكات المدرسة، وبيَّنْت لهم أنها عارِيَّة بين أيديهم ينتفعون منها، ثم ستكون لتلاميذَ آخرين ويجب أن تصلهم سليمة نظيفة، وحاولت إيقاظَ الحِسِّ الجمالي في نفوسهم فأوضحت لهم أن التخريب يُشَوِّه الأشياء، ويُذْهِبُ رَوْنَقها، وما يظنه التلميذ تخريبًا بسيطًا لا قيمة له يسارع في فساد الأشياء، ويُضْطر المدرسة لشراء غيرها، فتخسر مالاً، وتتلوث البيئة من تلك المخلفات، وحَكَيْت لهم قصصًا واقعية عن أطفال بدؤوا حياتهم بالتخريب الصغير، ولم يجدوا من ينهاهم فَكَبِروا وكَبِر الشَّرُّ في نفوسهم، فوصل تخريبهم إلى الممتلكات المهمة، وكانوا من المفسدين في الأرض، والإفساد في الأرض من الكبائر.
وعندما فهم أولادي الدرس قلت لهم: "انصحوه، ولعله يستجيب لكم وينصلح"، فلما كلموه دُهِشوا من جوابه، وحاروا فيما يردون، إذ قال لهم: "إن التخريب مُمتِع، وأنا أُسَرُّ بهذا العمل، وأُرَوِّح به عن نفسي، وعملي لن يضر؛ فحفر الطاولات لا يؤثر على صلاحيتها للكتابة، وتمزيق الأوراق ليس ذا بال؛ فالمدرسة لديها فائض منها، والماء الذي أرشه سرعان ما يجف لشدة الحرارة، وكل ما أفعله يُسَلِّيني، وما دمت أتمتع بوقتي، فعملي مشروع، وليس فيه بأس"!
واستمر الحال على ما هو عليه، وعلِمَت المدرسة بأمره، وأرسَلَت إلى والده، وأخبرته بأفعال ابنه لينهاه عن سلوكه الْمَشِين، ويُعَلِّمه الخُلُق الإسلامي القويم، ويَحُثه على التحضُّر والرقي، فوجدت والده غافلاً لا يدري شيئًا عما يفعله ولا يتابعه، فتأملوا كيف ينشأ جيل اليوم! ولما أعلموه سأله بلا مبالاة: "هل تفعل ذلك؟"، فأنكر الولد وقال: إن التلاميذ يفترون عليه ليتهموه بأفعالهم، وهو بريء منها كلها!؟ فأحسن الأب الظن بابنه وصدَّقه، وساءني أن الأب - حين أكدوا له الخبر وتيقن من كذب ولده، ومن أنه ما زال مستمرًّا في التخريب - لم يفعل شيئًا، بل اكتفى بأن قال له بلا اكتراث: "لا تفعل ذلك مرة أخرى"، وانتهت القضية عند الأب ههنا، وهكذا يُربَّى الأبناءُ في هذا القرن! فهل تكفي هذه الكلمات القليلة العابرة لإصلاح ولد عَشِقَ التخريب وامتهنه؟
لقد سكت الأب عن مخالفتين كبيرتين: "الكذب"، و"التخريب". وكلتاهما خصلتان سيئتان لا ينبغي السكوت عنهما، فماذا ينتظر هذا المربي ليربي ويوجه ولده؟ ومتى سيُعَلِّم ابنه التهذيب، وقد تجاوز العاشرة من عمره؟ وإذا لم يؤدِّبْه على إثم كهذا، فعلام سيلومه؟ وعلى أي أمر سيعاقبه؟
إن هذا السلوك وأمثاله لا ينبغي السكوت عنه؛ لأنه مخالف لصميم تعاليم الإسلام، ومخالف للفطرة وللذوق وللآداب الاجتماعية، فهو يحتاج لوقفة حاسمة من الأهل، ولعقاب رادع موجع إن احتاج الأمر، ولو أن الوالدَيْن تابعوا أبناءهم من الصِّغَر في كل أمر، وأصلحوا السلوك الفاسد، وشجعوا العمل الجيد، لَمَا وصل حال الأمة لِمَا وصل إليه اليوم.
فانتبهوا أيها الآباء وأيتها الأمهات لسلوك أبنائكم، ولا تَغْفُلوا عنهم، فهذا واجبكم، وهذه هي التربية، وهذا المطلوب منكم، وإلا فماذا تظنون التربية؟ إنها المتابعة والمراقبة والتوجيه والإرشاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإصلاح العيوب وتقويم الأخطاء، والتربية الواعية تقتضي ألاَّ تغتروا بهدوء الأولاد في البيت، ولا بانصياعهم للأوامر؛ لأن منهم من يفعل ذلك خوفًا من عقابكم، أو طمعًا في ثوابكم، أو مجاراة لكم، فإن خرج إلى رفاقه انطلق من القيد، وأفسد وخرب، وأظهر ما يخالف المروءة والخُلق الكريم، وأساء لكم ولصورتكم أمام الناس، فراقبوا أولادكم، واسألوا عنهم الْمُدَرسين، واعرفوا أخبارهم من طَرْف خفي من رفاقهم وأقربائهم وأقرانهم، وأصلِحوا أخطاءهم قبل أن تَشْتَدَّ وتتفاقم ويستحيل علاجها
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة