الربانية.. حياة الروح (3/6)
يا مَن هو بكلِّ شيءٍ خبير، يا مَن هو بكلِّ شيء بصير، يا مُرسِل الرِّياح، يا فالقَ الإصباح، يا باعثَ الأرواح، يا ذا الجُود والسَّماح، يا مَن بيده كلُّ مِفتاح، يا سامعَ كلِّ صوت، يا سابقَ كلِّ فوت، يا محيي كلِّ نفْس بعدَ الموت، يا عُدَّتي في شِدَّتي، يا حافظي في غُربتي، يا مُؤنسي في وَحْدتي، يا وليِّي في نِعمتي، يا كهْفي حين تُعييني المذاهب، وتُسلمني الأقارب، ويَخْذُلني كلُّ صاحب، يا عمادَ مَن لا عمادَ له، يا سندَ مَن لا سندَ له، يا ذُخرَ مَن لا ذُخرَ له، يا حِرْزَ مَن لا حِرزَ له، يا كهفَ مَن لا كهفَ له، يا كَنْزَ مَن لا كنْزَ له، يا رُكنَ مَن لا رُكنَ له، نسألك أن تأخُذَ بأيدينا إلى إصلاح أنفسنا، وتحقيق ربَّانيتها، يا مُقلِّبَ القلوب، ثَبِّت قلوبَنا على دينك.
ولنستكمل في هذة الحلقة ما استفتحْنا به في المقالين السابقين، فنقول: إنَّ إصلاح النفْس وتحقيق ربانيتها بدايةُ بداياتِ الخير والإصلاح، ومنها المعينات التالية:
الدنيا معبر للآخرة:
اعلم أنَّ الحياة الدنيا مَعْبَرٌ للآخرة، وأن الدنيا ما هي إلا مَزْرعة، والآخرة هي دارُ القرار والاستقرار الأبدي، وأنَّ الدنيا ما هي إلا لهوٌ ولعبٌ وزينة، وتفاخر بين الناس في الأموالِ والأولاد.
لكن ذلك لا يعني ألاَّ تأخُذَ حظَّك من الدنيا، بل نِعْمَ المالُ الصالح في يدِ الرجل الصالح، والمؤمن القوي خيرٌ وأحبُّ إلى الله من المؤمِن الضعيف، وفي كلٍّ خير.
ثِق بنفسك:
لا تستصغرْ نفسَك وتُقلِّل من قدْرِها أبدًا، فأنت بأعمالك كبير، ولا تَستهِنْ بقُدراتك وإمكاناتك، وكُن واثقًا من نفسِك، ولا تجعلْ مِن سلبياتك عائقًا أمامَ نهضتك ورُقيِّك، بل ضعْها أرضًا خلْفَ ظهرَك.
وانطلق وعالِجْ عيوبَ نفسك، وفتِّش في مِرآة رُوحك، فأنت صاحِب مَرامٍ سامية.
احرص على أسباب الصحة:
بادِرْ بالكشفِ الصِّحِّي العامِّ على نفسك كلَّ فترة باستمرار، وعالِجْ ما قد يطرأ على جسدِك من أمراض، فالجسدُ السليم خير معين على طاعةِ الله، واعلم أنَّ الله ما خلَق داءً إلا وخلَق له الدواء، عَلِمه مَن علِمه، وجَهِله مَن جَهِله.
عليك بمكارم الأخلاق:
اعلم أنَّ مكارمَ الأخلاق لها مجالان: هما حُسنُ الخُلُق مع الله، وحُسن الخُلُق مع الناس.
فإذا اطمأنَنْتَ نفسًا، وأيقنتَ بذلك يقينًا ثابتًا، تَبيَّن لك سببُ قولِ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إنَّما بُعِثْتُ لأُتمِّمَ مكارمَ الأخلاق))، وقوله - سبحانه وتعالى -: ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾ [القلم: 4].
لا تنتظر:
لا تنتظرْ في جميعِ أحوالك شُكرًا مِن أحدٍ، ويَكفيك الأجْر فقط مِن الفَرْد الصمد.
ولا تبالِ بمَن حقَد وجَحَد وحسَد، واجعلْ نُصبَ عينيك: ﴿ إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا ﴾ [الإنسان: 9].
تأمَّل في النِّعم:
انظر دائمًا بعينِ المتفحِّص الناظِر إلى نِعَم الله الكثيرة، التي لا تُعدُّ ولا تُحصَى؛ ﴿ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [النحل: 18].
اهتمَّ بالصلوات:
اهتمَّ بالصلواتِ، وتجنَّب الأشغال عندَ حضور أوقاتها، ولنا في عمر بن عبدالعزيز المَثَل الأعْلى في ذلك؛ حيث يقول - رحمه الله تعالى -: اجتنبِ الأشغال عندَ حضور الصلوات، فإنَّ مَن يُضيِّع الصلاة فهو لِمَا سواها مِن شرائع الإسلام أشدُّ تضييعًا.
وإنَّ مِن مظاهر الاهتمام بالصلوات:
1- التهيؤَ قبل الآذان نفسيًّا ورُوحيًّا، وفكريًّا وبدنيًّا.
2- استشعارَ عظمة وجلال موقِف الامتثال بيْن يدي الله، ونَيْل شرف عبادته، والوقوف بين يديه.
3- استحضارَ نِيَّة الطهارة قبلَ الوضوء، وما نقصده هنا ليس مجرَّد النِّية المعتادة بغَسْل الأعضاء وفقط، وإنَّما نقصد النيةَ الشاملة لتطهيرِ البدن ممَّا علق به من أدران، وتطهير النفس كذلك مِن أمراضها الخفيَّة مِن حِقْد وحسَد، وتطهير العَيْن من أدرانِ ما نظرتْ إليه حرامًا، وتطهير الأرْجُل مِن أدران المشي إلى المعصيةِ، واليدين مِن أدران الأذَى المختلفة، وتطهير الفمِ مِن أدرانِ الفُحْش والغِيبة والنميمة، وتطهير الأُذن مِن أدران ما سَمِعتْ مِن مسامعَ أغضبتْ ربَّ العالمين؛ أي باختصار نقول: لنجعلْ مِن الوضوء انطلاقةً جميلةً نحوَ الطهارة في البدن والرُّوح معًا.
4- الحِرْصَ الشديد على تحقيقِ الخشوع، والدعاء بين الأذان والإقامة، وهو موضعٌ الدعاءُ فيه لا يُرَدُّ.
5- الاهتمامَ بأداء ثِنتي عشرة نافِلة مِن دون الفريضة، تَجْبُر الكسرَ، وتَضمن القصْرَ في جنَّات الله.
6- الاستشعارَ المستمر بخطورة أمْر الصلاة؛ لكونها أولَ ما يُحاسَب عليه العبدُ، فإنْ كانتْ على خير خُفِّف الحساب، وإنْ كانتْ على غيرِ ما يُرام صَعُب ما بقِي من حساب.
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن