دكتوراه لغة عربية ودراسات إسلامية | لبنان
العلمانيّة... الوجه الحقيقي

مع بدء القَرن الرابع عشر الهجري بدأ بعض المسلمين يصرِّح بأنّ الإسلام بمفهومه العام الشامل هو سبب التخلّف والتأخّر، وأنّه علينا أنْ نحصرَ الإسلام في المسجد ونُبعدَه عن الحياة العامّة، وعنونوا لهذه الفكرة بقولهم: الدين لله والوطن للجميع... لا دينَ في الدولة ولا دولةَ في الدين... فصلُ الدين عن الدولة... وإبعاد الدين عن السياسة... ثم جرى اختصار هذه الأفكار كلّها بمصطلح "العلمانيّة"..
وكان تبريرهم لأفكارهم أنّ أوروبا لمّا حكمها الدين عاشت العصور الوسطى السوداء، وأنّهم لما شنقوا آخر ملك بأمعاء آخر كاهن بدأت عصور النهضة عندهم...
وغاب عنهم أنّ النصرانيّة لم تحكم أوروبا، بل حكمها القساوسة والكهنة الذين لم يلتزموا بأحكام النصرانيّة.
وغاب عنهم أنّ هناك فرْقًا بين دين مُحرَّف ودين محفوظ وغاب عنهم أنَّ تخلُّف أوروبا كان بسبب دين حارب العلم، وأنَّ تخلّف المسلمين كان بسبب تركهم دينًا احتفى بالعلم واهتمّ به وجعله فريضة عينيّة على كلّ مسلم...
ومع أنّ العلمانيّة في أوروبا ليست كاملة؛ فأعلام الدول الأوروبيّة أكثرها فيها صُلبان، وما زالت تبعيَّتهم للنصرانيّة ظاهرة في كثير من الميادين، حتّى إنّ أحد حكّام دول شمال أوروبا هو كاهن وقسّيس. مع هذا كلِّه فإنّ علمانيّي أوروبّا ضنينون بأوطانهم حريصون على شعوبهم متعلّقون بقوميّاتهم.
أمّا علمانيّو العرب والمسلمين والذين ظلّوا يتشدّقون طيلة مائة عام بالحرّيّة والديمقراطيّة، وضرورة حكم الأغلبيّة والاحتكام لصناديق الاقتراع فإنّ حقيقتهم لم تكن كذلك أبدًا بل كانت هذه الشعارات لدغدغة مشاعر العوام وضحكًا على الذقون، وأنّ حقيقتهم ومسعاهم وهدفهم ودأبهم وغايتهم محاربة الإسلام وما يمتّ إليه...
رأيناهم في مصر عندما فاز مرسي كيف قام كهنة معبد العلمانيّة بالتصريح بأنّهم مستعدّون للتعاون مع الصهاينة لإزاحة مرسي والانقلاب عليه.
لم يرضَوْا بالانتخابات التي أفرزت مرسي رئيسًا وصاروا يدعون في كلّ يوم لمسيرة ترفض أنْ يحكمهم رجل ذو لحية وامرأته محجّبة ويقيم الصلاة في القصر الرئاسي.
لم يرضَوْا بالديمقراطيّة ولا مُخرَجاتها ولا بالصناديق، وفضّلوا انقلابًا عسكريًّا وكبتًا للحرّيّات ونهْبًا للأموال العامّة وسياسة الاتّجاه الواحد...
وهكذا فعلوا في تونس...
والآن وبعد انتصار الثورة السوريّة على أفظع نظام عرفه البشر، ومع أنّ حكّام سوريا الجدد لم يشيروا إلى شيء من أسلمة سوريّة - وهو حقّهم لو فعلوا - فإنّ علمانيّي مصر والخليج وسوريّة اعتبروا أنّ بقاء السوريّين تحت حكم الأسد الذي قتل وهجَّر نصف شعبه، والذي أذاق شعبه من الويلات ما لا يمكن تصوّره فضلاً عن حصوله، وجدوا بقاء حكم الأسد خيرًا من حاكم له لحية ولا يصافح النساء...
إنّ علمانيّي العرب ليسوا علمانيّين بل هم باختصار أعداء للإسلام، ويعتبرون أنّ مشكلة المشاكل أنْ يحكمَهم إسلاميّون حتّى ولو لم يحكموا بالإسلام.
إنّهم يخافون الحاكم النظيف لأنّهم متَّسخون.
ويهابون الحاكم العفيف لأنّهم مدنَّسون.
ويحاربون الحاكم الصالح لأنّهم فاسدون...
ويعرقلون الحاكم النزيه لأنّهم موبوءون.
لا يتحمّلون مَن لا يُعحبه العريّ، ولا تستهويه الخمرة، ولا تأسره الغانيات...
العدوّ الأخطر على شعوبنا ومستقبلها هم العلمانيّون، وينبغي أنْ يضعَهم حكّام سوريّة الجــــدد في مكــــــانهم المناسب.. وأظنّكم عرفتموه..
المصدر : موقع مجلة إشراقات
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
العلمانيّة... الوجه الحقيقي
الإنسان كما يريده القرآن ـ الجزء الرابع
أدباء الدَّعوة في انتظار الـمِظلّة
جواب العلم والدين.. لما تعارض عن يقين!
غزّة العزّة.. مَعلَم وشاهد حضاري للأمّة